محطات حاسمة في استكشاف الفضاء
بمرور خمسة عقود على أول رحلة للإنسان إلى القمر، يستعد أول رائدين فضائيين من الإمارات للقيام برحلة إلى الفضاء. تلقي مجلة «ومضات » الضوء على اللحظات الحاسمة الخمس في مجال استكشاف الفضاء على مر هذه العقود.
نيل آرمسترونغ، تلك الخطوة الصغيرة للإنسان (أول شخص يمشي على سطح القمر)، والقفزة العملاقة للبشرية، تلوح في الأفق ذكرى سنوية خمسينية أخرى يبدو أنها ستترك بصمتها ضمن لائحة اللحظات الحاسمة في رحلة غزو الفضاء.
في غضون عامين، تنوي دولة الإمارات العربية المتحدة الاحتفال بالذكرى الخمسين لتأسيسها بشكلٍ مذهل، من خ الل محاولة إنزال أول مركبة فضائية لها على المريخ. وللقيام بذلك، يتحتم انط الق الصاروخ من الأرض عبر نافذة إطلاق قصيرة لتتزامن مع محاذاة الأرض للمريخ في أقرب النقاط التي تحصل فقط مرة واحدة كل سنتين وإذا ما فقدت الفترة الزمنية، فإن فرصة مجيئها ثانية سوف تطول. هذا المسعى مليء بالضغوطات الكبيرة، إلا أن ذلك ليس بالشيء الغريب في رحلة الإنسان الذي يسعى إلى غزو الفضاء الخارجي. من أول قمر صناعي وصل الفضاء عام 1957 إلى أول سفينة فضائية خاصة تغادر الغ الف الجوي للأرض بنجاح في عام 2004 ، وانتهاءً بالمعركة الحالية لفتح آفاقٍ جديدة نحو السياحة الفضائية.
يعدّ استكشاف الفضاء أحد أخطر المساعي البشرية، لكنها في الوقت نفسه من المساعي المجزية، وأشار إلى ذلك صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، عندما كشف النقاب عن طموح الدولة في استكشاف المريخ في وقتٍ سابق من العام 2014 ، فقد قال سموه: «إن منطقتنا هي أرض الحضارات، ومصيرنا، مرة أخرى هو أن نستكشف، نؤسس، نبني، ونخلق الحضارة .» وقال: «لقد اخترنا التحدي الملحمي بالوصول إلى المريخ، لأن التحديات الملحمية تلهمنا وتحفزنا إلى فعل المزيد. إن اللحظة التي نتوقف فيها عن القيام بمثل هذه التحديات تكون اللحظة التي توقفنا عن المضي قدماً!».
ومع نجاح مسبار الأمل في استكشاف المريخ، سوف يصبح أحدث إضافة للسلسلة الطويلة من الإنجازات البارزة في مجال الفضاء، وسيقدّم دروساً أكثر للبشرية عن المجرات الموجودة خارج مجرتنا. في هذا الصدد نستعرض أهم اللحظات والأكثر تأثيراً في مجال استكشاف الفضاء حتى الآن.
أول قمر صناعي في الفضاء (1957)
قد تكون الولايات المتحدة هي التي قادت الميدان في استكشاف الفضاء لعقود من الزمن، إلا أن الاتحاد السوفييتي هو من أخذ العالم بمفرده إلى عصر الفضاء بإطلاقه قمر «سبوتنيك »1 في 4 أكتوبر 1957 . ربما كان «سبوتنيك »1 أول قمر صناعي بحجم كرة قدم شاطئية يطلقه الإنسان، إلا أن هذه المركبة الفضائية الصغيرة حفزت البشرية إلى النظر إلى السماء بطريقة مختلفة، إذ وجّهت الإمكانات لفتح آفاقٍ جديدة كلياً للاستكشاف. كما أنها تمثل نقطة تحول رئيسة في العلاقات الدولية وإبداء الأهمية بالتمويل في مجال استكشاف الفضاء، ومع نجاح الاتحاد السوفييتي الذي أثار مخاوف الولايات المتحدة من تحول الخبرة الفنية للباد إلى تطوير للأسلحة لاحقاً، تجسّد رد الولايات المتحدة في ضخ الأموال لبرنامجها الفضائي، وتم تأسيس وكالة الفضاء الأميركية «ناسا » بعد ذلك بعامٍ واحد.
الرجل الأول في الفضاء (1961)
في الوقت الذي كانت فيه الولايات المتحدة ربما تزيد من تمويلها للبرنامج الفضائي، كان الاتحاد السوفييتي يقود سباق الفضاء إلى ستينيات القرن العشرين. وفي 2 أبريل 1961 أصبح رائد الفضاء يوري غاغارين أول إنسان ينجز رحلة إلى الفضاء. كانت الرحلة على متن المركبة الفضائية «فوستوك »1 تتضمّن مداراً حول الأرض، وانتهت بعد 108 دقائق منذ لحظة الإقلاع إلى الهبوط الآمن، ليكسب بذلك شهرةً عالميةً واسعة النطاق. أدى نجاحه إلى زيادة حدة المعركة التكنولوجية والفكرية التي خاضتها الولايات المتحدة مع السوفييت. فأرسلت أميركا أول رائد فضاء لها يدعى آلان شيبرد إلى الفضاء بعد شهرٍ واحد فقط. كان ذلك نجاحاً من نوعٍ معين. ولكن كما هو الحال مع أي سباق، فإن المركز الأول يحظى بالاهتمام، وبذلك أصبح غاغارين اسماً مألوفاً، بينما احتل شيبرد المركز الثاني المميز جداً.
الهبوط على سطح القمر (1969)
ضاعفت الولايات المتحدة الأمريكية جهودها الفضائية، ولم تحقق رحلة «أبولو » الفضائية الخاصة بها في 20 يوليو 1969 هدفها المتمثل بهبوط أول مجموعة بشرية على القمر فحسب، بل نجحت أيضاً في وضع جميع نجاحات الفضاء السابقة في الظل، لتصبح الرحلة من أكثر الأحداث أهمية ضمن إنجازات الإنسان في القرن العشرين. بُثت الرحلة على التلفاز، وشاهدها مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، حيث كانت وحدة الهبوط القمرية «إيغل » تُوجّه من قبل نيل آرمسترونغ يدوياً، وهبطت على سهل بالقرب من الحافة الجنوبية الغربية لبحر الهدوء (البحر لا ينتمي لكوكب الأرض، بل هو على سطح القمر). قبل أن يندفع آرمسترونغ من «إيغل » إلى سطح القمر المغبرِّ، سطّر تاريخاً بكلماته المشهورة: «هذه خطوة صغيرة للإنسان، وقفزة عملاقة للبشرية ». غادر آرمسترونغ وأدوين الوحدة القمرية لأكثر من ساعتين نشرا خلالها الأدوات العلمية، وجمعا عينات من السطح، والتقطا العديد من الصور قبل العودة إلى الأرض، لنيل الشهرة الأبدية بعد ذلك بثلاثة أيام.
إطلاق تلسكوب هابل الفضائي (1990)
مع استمرار أبحاث الفضاء والتطور التكنولوجي على قدم وساق بعد الهبوط على القمر، كانت هناك قفزة هائلة حقيقية في عام 1990 ، وذلك بإطاق التلسكوب الفضائي «هابل » الذي سمي على اسم أدوين باول هابل، كأول مرصد في الفضاء وضعه مكوك الفضاء «ديسكفري »، وهو إنجاز ساعد البشرية على الوصول إلى فهم بعض كبرى مسائل الكون الذي نعيش فيه. نظراً لوقوعه خارج الغاف الجوي لأرض بعيداً عن التلوث بالغيوم أو الضوء، فقد زودنا هابل بمئات الصور للمجرات والنجوم البعيدة. وبذلك يعد هذا التلسكوب، وعلى نطاقٍ واسع، أكبر تقدم في ميدان علم الفلك منذ أن اخترع غاليليو التلسكوب الأساسي نفسه في القرن السابع عشر.
رحلة أول مركبة فضائية خاصة (2004)
ربما يبقى ريتشارد برانسون وإيلون ماسك، منخرطين في معركة تنافسية لأجل تنظيم أول رحلات للسياح إلى الفضاء، ولكن سبق وأن فازت بهذا السباق أول سفينة فضائية خاصة تغادر الغلاف الجوي للأرض. يعود هذا الأمر إلى 21 يونيو 2004 ، بعد أن فتحت «ناسا » الباب لرحلات الفضاء الخاصة دون مساعدة حكومية من خلال برنامج المكوك الخاص بها، أصبحت المركبة «سبيس شيب وان » المصممة والمطورة من قبل شركة الفضاء المعروفة «سكاليد كومبوزيت » في موهافي بكاليفورنيا، أول مركبة فضائية مأهولة خاصة تغادر الغلاف الجوي للأرض وتحلّق عبر حدود الفضاء الخارجي. حلّق بها مايك ميلفيل؛ الطيار التجريبي الأمريكي، المولود في جنوب أفريقيا، الذي أصبح بنجاح أول رائد فضاء تجاري نتيجة لهذه البعثة التي قدمت لمطوري المركبة جائزة «أنصاري إكس » بقيمة 10 ملايين دولار في نفس العام. وهكذا بدأ السباق لأجل دولار السياحة الفضائية الذي يستمر إلى يومنا هذا!