مدينة المستقبل
أسهم تركيز دبي على الابتكار والتقنية في تحويلها إلى أكبر مختبر في العالم لتجربة الأفكار الجديدة واستكشاف تحديات المستقبل وحلولها.
في عام 1880 ، كان 3% فقط من تعداد سكان العالم يعيشون في مناطق حضرية. أما اليوم، فقد ارتفعت النسبة إلى 55 % مع ازدياد عدد سكان المناطق المدينية بنحو مئتي ألف نسمة يومياً. تقدر الأمم المتحدة بأن التمدّن المستمر والنمو السكاني المتزايد سيضيف ما يصل إلى 2.5 مليار نسمة إلى مجموع السكان في المناطق المدينية في العالم بحدود عام 2050 ، مع تركز نسبة 90 % من هذه الزيادة في آسيا وأفريقيا. أما الزيادة المتوقعة في المدن خال العقود الثلاثة الأولى من القرن الحادي والعشرين فستكون أكبر من مجموع التوسع الحضري خال التاريخ البشري كله.
حالياً، تنتج المدن 80 % من الناتج المحلي الإجمالي في العالم. وبحسب بيانات شركة «غلوبال داتا »، فإن نحو 8.2 % من سكان العالم )أي ما يعادل 600 مليون شخص( يعيشون في واحدة من 35 مدينة عملاقة حول العالم. وهي تسهم، مجتمعة، في 14 % من إجمالي الناتج المحلي العالمي. لكن مع ازدياد معدلات التمدن، فإن التحديات كذلك في ازدياد.
بحلول عام 2050 ، سوف تزداد مشاريع الأمم المتحدة التي تتطلب الماء والطاقة بنسبة 55 %. ومع هجرة الناس نحو المدن، ثمة حاجة لتطوير البنية التحتية الموجودة. هذه هي التحديات التي تطرق لها سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي لإمارة دبي، خال حديث بعنوان «سبعة مبادئ أساسية لمدن المستقبل » في جلسة رئيسة ضمن القمة العالمية للحكومات التي عقدت في دبي أخيراً.
وقال سمو الشيخ حمدان: «مستقبل الدول ومستقبل البشر ومستقبل الحياة مرتبط بشكل مباشر بمستقبل المدن، والحديث عن مستقبل المدن يرتبط دائماً بدبي.. لأن الكثير من مدن العالم تنظر لدبي اليوم على أنها مدينة من المستقبل ». وأضاف سموه: «هناك سبعة مبادئ رئيسة وتحولات ستشهدها المدن حول العالم خال السنوات المقبلة وسبل الاستعداد لها والاستفادة من الفرص التي تتيحها».
التحول الأول الذي أشار إليه سمو الشيخ حمدان هو التحول الجذري في تصميم المدن. فقد صممت معظم المدن في مطلع القرن العشرين مع اختراع السيارات وبشكل يتسق مع الاقتصاد التقليدي. وإضافة إلى هذا، فإن الثورة الصناعية الرابعة تختلف كثيراً في النطاق، التوجه والتعقيد عن كل ما سبقها، كما أنها ستغير جذرياً أسلوب حياة الناس وعملهم. تركز التقنيات الجديدة على العوالم المادية والرقمية والبيولوجية، ما يؤثر في الاقتصادات والصناعات والحكومات. وبالتالي يتوجب إعادة تصميم المدن بما يتواكب مع هذه التغييرات.
وقال سموه: «لحل مشكلة الازدحام وتأخر أفراد المجتمع في وسائل التنقل في المدن، ستركز مدن المستقبل على ابتكار مسارات جديدة في الجو وتحت الأرض ونرى هذا في مشاريع مثل الهايبرلوب (Hyperloop) ومشروع التكسي الطائر لهيئة الطرق والمواصات في دبي وشركة (Boring Company) وغيرها، فإذا حولنا 5% من وسائل النقل في المدن من وسائل نقل تقليدية إلى ذاتية القيادة سيخفض هذا مستوى الازدحام بنسبة%40 ».
ويتمثل التحول الثالث في الكيفية التي يقوم بها الذكاء الاصطناعي وثورة المعلومات الناتجة عن تطبيقات الإنترنت وأنظمة القيادة والتنقل الذاتية في جعل المدن أكثر تواصاً، وأمناً، وذكاء وإنتاجية.
وأكد سموه: أن التحول الرابع سيكون في طريقة استغلالنا للموارد في المدن، فإذا كانت التكنولوجيا تغير أسلوب حياتنا داخل المدن فهي ستغير طريقة استهلاكنا للموارد لتصبح أكثر كفاءة وصديقة للبيئة.
أما عن التحول الخامس فأكد سموه أنه يتمثل في تغير مفهوم تنافسية المدن وكيف ستنافس على المستوى العالمي، مشيراً إلى أن مدن المستقبل العالمية ستكون بمثابة منصات مفتوحة لتواصل العقول وتطوير الأفكار والابتكار.
«لحل مشكلة الازدحام وتأخر أفراد المجتمع في
وسائل التنقل في المدن، ستركز مدن المستقبل على
ابتكار مسارات جديدة في الجو وتحت الأرض، ونرى هذا
في مشاريع مثل الهايبرلوب ومشروع التاكسي الطائر
لهيئة الطرق والمواصلات في دبي وغيرها».
الشيخ حمدان بن محمد
وقال سمو ولي عهد دبي: «التحول السابع والأخير، تحول في الحوكمة، تحول في التشريع والعمل الحكومي، فا يمكن تمكين نموذج حياة مستقبلي داخل المدن دون حوكمة وقيادة مرنة ».
أوكل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، إلى سمو الشيخ حمدان بن محمد الإشراف على العديد من المبادرات التي تدفع دبي للاستعداد للمستقبل.
وتظهر السمات المميزة في رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، فيما قاله: «نحن دولة كنا منذ البداية مغرمين بالمستقبل ومتطلعين له وهذا أحد أهم أسرار نجاحاتنا التي نراها اليوم ». أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد مشروع حكومة دبي الإلكترونية عام 1995 في وقت كان فيه الناس بالكاد يدركون أهمية الإنترنت. وبحدود عام 1999 ، وضع جدول عمل من 18 شهراً لتحويل خدمات حكومة دبي بالكامل إلى الطريقة الإلكترونية، وطلب إنشاء مدينة دبي للإنترنت من خال إدراك سموه للأهمية المتزايدة للاقتصاد الرقمي في العالم.
في 2015 ، كشف سموه عن رؤية 2021 بأولويات وطنية تتضمن خدمات صحية وتعليمية على مستوى عالمي، وإنشاء الاقتصاد القائم على المعرفة الذي يظهر جلياً في مسبار الأمل ومعرض إكسبو 2020.
من الأجزاء الأساسية في هذه الرؤية «دبي الذكية » التي تقود تطور دولة الإمارات لتصبح أذكى مدينة في العالم بحلول 2021 . وكنتيجة لهذا، تتبع دبي أحد أكثر برامج التكامل في المعلومات والاتصالات طموحاً على الإطلاق.
تتضمن الأهداف الاستراتيجية الأساسية تحويل أكثر من 1100 خدمة حكومية إلى خدمات ذكية تنفذ عبر الإنترنت بشكل رئيس، تقديم العربات ذاتية القيادة وخدمات التنقل الذكي، إضافة لتقديم خدمة الاتصال بالإنترنت السريع مجاناً في أرجاء الإمارة، وتطوير اقتصاد قائم على المعلومات والبيانات تقدر السلطات أنه سيسهم ب 10.4 مليارات درهم ( 2.83 مليار دولار أمريكي) في الناتج المحلي الإجمالي بحدود 2021 .
تضع مبادرة دبي 10X أمام حكومة دبي مهمة أن تكون متقدمة بعشر سنوات عن جميع المدن الأخرى، ومن هنا جاء اسم 10X (بما يرمز إليه X من التفكير التجريبي الموجه للمستقبل وخارج الأطر التقليدية).
وتعدّ البيانات الكبرى، الذكاء الاصطناعي، البلوك تشين والطباعة ثلاثية الأبعاد، عناصر أساسية لهذا المستقبل، خاصة مع دعم مبادرات دبي الذكية مثل تحدي بلوك تشين العالمي، مسرعة دبي للمدن الذكية ومسرّعات دبي المستقبل. تستعد دبي لتكون أول مدينة مشغّلة بالكامل بالبلوك تشين بحدود 2020 ، عبر استخدام ثاث ركائز استراتيجية هي: الكفاءة الحكومية، تأسيس الصناعات والقيادة العالمية.
في 2018 ، صنفت دبي في المركز الأول عالمياً في استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر للذكاء الاصطناعي والروبوتات، فيما حلت دولة الإمارات سادسة في مؤشر الخدمات الذكية العالمي، متجاوزة دولاً مثل الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. في 2020 ، تسعى دبي لأن تكون المدينة الأسعد في العالم، وواحدة من أكثر 10 مدن استدامة.
لقد أسهم تركيز دبي على الابتكار والتقنية في تحويلها إلى أكبر مختبر في العالم لتجربة الأفكار الجديدة واستكشاف تحديات المستقبل. ومع هذا النهج التدريجي المرحلي، يمكن أن تعدّ دبي مثالاً كبيراً تتبعه الحكومات الأخرى حول العالم.
وكما قال سمو الشيخ حمدان في تغريدة على حسابه في «تويتر» : « بتوقع تحديات المستقبل وتحولاته، نحتاج إلى تسخير قوة الابتكار والإبداع لوضع معايير للمدن الذكية. إننا نعمل جاهدين لتحقيق رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لجعل دبي متقدمة ب 10 سنوات على المدن الأخرى» .