صناعة النشر في ظل الثورة الصناعية الرابعة

يحتاج الناشرون إلى مواكبة التكنولوجيات الحديثة التي غيَّرت أساليب وتفضيلات القراء

القراءة هي مفتاح العلوم، وبوابة ولوج المستقبل، وسلاح الناجحين والرواد الذين يبتغون الترقي نحو القمم، وإيماناً بأهمية القراءة وإسهاماتها في تطوير المجتمع والشباب، حددت دولة الإمارات العربية المتحدة شهر مارس من كل عام شهراً وطنياً للقراءة، وذلك لتعزيز وزيادة الارتباط بالكتاب، من خلال تكثيف المبادرات والبرامج المشجعة على القراءة.

تهدف المبادرة إلى الإسهام بفاعلية في الحفاظ على إنجازات الدولة الثقافية والفكرية والمعرفية، وبناء نموذج حضاري يحتذى به في مجال القراءة والمعرفة، وإثراء ودعم ممكِّنات البيئة الثقافية والمعرفية في الدولة بما يسهم في بناء وتطوير جيل من قادة المستقبل المتسلحين بالثقافة والمعرفة. إضافة إلى حث وتحفيز جميع أفراد مجتمع الإمارات لممارسة القراءة كجزء من أنشطتهم اليومية، وحثهم على المشاركة الفعالة في ترسيخ ثقافة القراءة كعادة يومية أصيلة، وخلق وابتكار مبادرات جديدة ومتميزة، لإحياء الاهتمام بالقراءة ومفاهيمها، واستعادة مكانتها وقدراتها بين أفراد المجتمع الإماراتي.

والقراءة في هذا الزمن أخذت منحى مختلفاً تماماً عن السابق، فقد أبرزت التطورات التكنولوجية القراءة الإلكترونية على الساحة المعرفية، حتى غدت لها السيطرة على المعارف الحديثة، ونحَّت إلى درجة كبيرة الكتاب الورقي، وهذا يستدعي من المعنيين بشؤون النشر وصناعة الكتاب أن يكونوا مواكبين لتلك التطورات كي لا يفوتهم ركب التطور، ويفقدوا القراء الجدد الذين يفضلون القراءة الرقمية على التقليدية. وانطلاقاً من هذه المواكبة، وإيماناً من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة في إلقاء الضوء على هذا العنصر المهم من عناصر المعرفة الحديثة، استضافت قمة المعرفة في نسختها لعام 2017 جلسة مهمة بعنوان «صناعة النشر في ظل الثورة الصناعية الرابعة »، تحدث فيها كل من: جين فريدمان، أستاذة في الكتابة والإعلام والنشر في جامعتي سينسيناتي وفرجينيا، وآر. نيل هويسون، مؤلف ومترجم مدير مشارك سابق لبرامج التحرير بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. حيث ركزت على واقع الثورات الصناعية في عالم النشر، والمستقبل الرقمي الذي ينتظر الناشرين والمؤلفين، إضافة إلى مناقشة موضوع التواصل الاجتماعي واستثماره في النشر، وتأثير الثورة الصناعية الرابعة في سلوكيات القراءة.

تصنيف الفئات

جين فريدمان تبدأ حديثها بالتركيز على مسألة التصنيف، التي ينبغي على كل ناشر أن يأخذها بعين الاعتبار، حيث أضحى من الضروري فرز المستهدفين من المؤلفات، وتحديد الفئات التي يرغب الناشر بتوجيه رسالته إليها واستهدافها بالكتب المناسبة، بدءاً من فئة الأطفال وحتى كبار السن المتقاعدين عن العمل. وهذا ما تركِّز عليه المنصات العالمية لبيع الكتب، مستغلة الثورة التكنولوجية لخدمة قطاع النشر وزيادة عوائدها من المستهدفين بمصنفاتها.

من الضروري فرز المستهدفين
وتحديد الفئات التي يرغب
الناشر بتوجيه رسالته إليها
واستهدافها بالكتب المناسبة

المتابعة الشخصية

وفي هذا الصدد، يرى آر. نيل هويسون أن بعض الناشرين يكافحون، وهم الناشرون الذين يعتمدون على أنفسهم، حيث ينقصهم وجود فرق تسويق وكيفية التواصل المباشر مع العملاء، ويعتقد أن إحدى المسائل التي يجب أن يقلقوا حيالها هي مسألة النشر بأنفسهم أو البيع لناشرين آخرين، ففي «فيسبوك » الآن، يمكن استهداف مجموعة معينة على نحو محددٍ جداً مِمَّنْ لديهم اهتمامٌ بقراءة كتابك. فإذا كان لديك كتابٌ يرتكز على الأسلوب القصصي؛ يمكنك سريعاً تحديدُ جمهورك المستهدف على «فيسبوك » ومعرفة كيفية توجيه الإعلان لهذه المجموعة فقط. وهذا سهل على الناشرين والكتاب أن يعرفوا بأنفسهم دون الرجوع إلى شركات الإحصاءات من هو المستهدف وكيفية الوصول إليه بكل سهولة.

تفضيلات القراء

مسألة ما الذي يبحث عنه القراء بالفعل فيما يتعلق باستهلاك المحتوى، هي مسألة في غاية الأهمية سواء للناشرين أو المؤلفين، ولتوضيح هذه المسألة تقول جين فريدمان: لقد شاهدنا في الآونة الأخيرة في الولايات المتحدة في مجال القصة أن القراء يفضلون الكتب الكبيرة مثل السلاسل المصوَّرة، التي تحمل تسلسلاً رقمياً؛ واحد، اثنان، ثلاثة وهكذا، وهناك العديد من السلاسل الشهيرة مثل، «هاري بوتر»، « مباريات الجوع » و «المتباينة »؛ فالناس يحبون هذا النوع من القصص المستمرة التي تتضح تدريجياً للقارئ. وهناك أيضاً أنواعٌ من القصص الطويلة تكون مفضَّلة لدى القراء في آسيا - في الصين تحديداً - أكثر من الولايات المتحدة.

جمع المعلومات

وتضيف فريدمان: هناك «دار نشر جيلي »، وهي واحدة من أكثر الشركات التي تجري أبحاثاً عن تحليلات القراء. ما يحدث كالآتي: يدخل الناشر على موقع «دار نشر جيلي » بالكتاب الذي يريد نشره، ويبدأ الموقع بعمل اختبارات للقراء، حيثُ يبدأ القراء في قراءة الكتاب على أجهزة الآي باد وغيرها، ويبدأ الموقع في تتبع القراء لجمع المعلومات الخاصة بالكتاب، ثم ينقل القائمون على العمل في الموقع هذه المعلومات للناشر ويخبرونه مثلاً بأن لديك مشكلة حقيقية بعد الفصل الثاني حيث لم يكمل أحدٌ قراءة أي فصول أخرى بعد هذا الفصل. أيضاً يمكنهم إخبار الناشر بسلوك القراء وما العوامل التي تؤثر في هذا السلوك.

خبرة

عملت جين فريدمان في عدد من المجالس المشرفة على أعمال الصندوق الوطني للفنون وصندوق العمل الإبداعي، وقد تقلَّدت مناصب عدة؛ منها: أستاذ في الكتابة والإعلام والنشر في جامعتي سينسيناتي وفرجينيا، إضافة إلى كونها كاتبة عمود في جريدة ببليشرز ويكلي وأستاذة في ذا جريت كورسز، وقد شاركت في تأسيس The Hot Sheet وهي صحيفة إخبارية متخصصة، تعد عمدة في مجال النشر للمؤلفين. أما آر. نيل هويسون، فقد شغل منصب مدير مشارك لبرامج التحرير بالجامعة الأمريكية في القاهرة، إلى جانب تدريسه اللغة الإنجليزية في خدمة التطوع عبر البحار بالفيوم بمصر، ثم في إنترناشونال هاوس سكول بالقاهرة. وهو مؤلف كتاب «الفيوم.. تاريخ ودليل »(Fayoum: History and Guide).