آفاق الطموحات الفضائية
احتفت دولة الإمارات العربية المتحدة بإعلان وصول مسبار الأمل إلى مدار كوكب المريخ واستقراره لأداء المهام التي أنيطت به من قبل المهندسين الإماراتيين الذين تولوا تصنيعه. رسالة مسبار الأمل وصلت للعالم أجمع، وكان مفادها أن الإمارات العربية المتحدة دولة أفعال لا أقوال، تقول ما تفعل وتفعل ما تقول.
هي في الواقع رسائل متعددة تلك التي يمكن لمسبار الأمل أن يستنبطها من نواتج هذا الإنجاز الإماراتي الفريد. منها أهمية المعرفة في رحلة أي دولة نحو التطور والازدهار، فبالمعرفة أسست الإمارات وخططت ونفَّذت بكل دقة لتصل إلى الغاية التي رسمتها، وبذلك نجحت في بلوغ المسبار هدفه بنجاح ودخول مدار الكوكب الأحمر الذي سبر العرب أوصافه في أشعارهم وآدابهم، وتفخر الإمارات في القرن الحادي والعشرين بسبر أغواره وسطحه بأحدث التكنولوجيات المتقدمة.
لكن ما يمكن أن يقال: هل تعد رحلات استكشاف المريخ من الترف العلمي الذي لا طائل له على أرض الواقع؟ لعل هذا ما يعتقده الكثيرون، علماً بأن هذا الاعتقاد مما ينبغي أن يكون قد ولَّى منذ زمن بعيد، لا سيما بعد أن تم معاينة الفوائد الكبيرة التي وصل إليها الإنسان من صعوده نحو الفضاء وإيداع المدار الأرضي أقماراً اصطناعية سهَّلت حياته وأسهمت في تطوير منظومة الاتصال والتواصل وجعلت العالم قرية صغيرة كما يقال.
قد لا تتسع آفاق الأشخاص العاديين لاستيعاب ما يخطِّط له العلماء من طموحات وابتكارات تضفي على الحياة تطوراً وازدهاراً، وتسهم في حل العديد من مشكلات الإنسان التي تواجهه، ومن هذا المنطلق قد يتحدَّث الكثير من الناس عن فوائد إنفاق المليارات، أو مئات المليارات أحياناً في سبيل استكشاف الفضاء. إلا أنه بالنظر نرى أن هذه التطلعات من شأنها أن تسهم في إيجاد أدوات ووسائل تفتح آفاقاً جديدة أمام العلماء لاختراعات قد يكون لها دور في إنقاذ حياة البشر.
إن مجرد البحث والتطوير في حدِّ ذاته له أهمية كبرى في استمرارية التطور الحضاري للإنسان، وهذا من المبادئ التي تعد غاية في الأهمية، فكم من اختراعات أضحت أساسية في حياة الإنسان تم اكتشافها أثناء تجارب معيَّنة بشكل غير مقصود. على سبيل المثال، الكثير من الأدوات والمواد تم تطويرها للاستخدام في مشاريع الفضاء، إلا أنه وجد لها فيما بعد فوائد كثيرة على الأرض، وخاصة في الصناعات الطبية التي تتعلق بصحة الإنسان واستخلاص المواد والأدوات التي تستخدم في المجالات الصحية. هذا فضلاً عن دور اقتحام تكنولوجيات الفضاء من الناحية الاقتصادية على الدولة، من حيث زيادة فرص العمل وتنوّعها، وجذب الشركات العاملة في المجالات الفضائية إلى دولتنا للاستثمار فيها باعتبارها مركزاً من المراكز المهمة في هذا المجال بسبب اهتماماتها وتجاربها في العلوم الفضائية، والمراكز المتقدِّمة التي أنشئت عليها.