استكشاف المريخ
محطات تاريخية وتطلعات مستقبلية
كانت ولم تزل أحلام البشر منذ القدم تتطلع إلى الفضاء وتنظر إليه على أنه غيب سحيق لا يمكن الوصول إليه إلا عبر خيال واسع ورؤى منامية بحتة. لم تكن قدرات الإنسان لتتطلع إلى تلك العوالم الخفية إلا بالوسائل الطبيعية التي لا تتجاوز جسم الإنسان في حقب من مراحل التاريخ، عبر العينين اللتين تخضعان لقوانين قصيرة المدى، ولا تبلغان إلا أبعاداً تنحصر ضمن احتياجات الإنسان ونمط حياته. ومع تطوّر المعارف الإنسانية وصل الإنسان إلى سبر أغوار الكون عبر ما تمتع به عقله من ابتكار، حيث لا حدود لذلك العقل البشري في توسعه وانطلاقاته خارج حاجات الإنسان المقيدة بجسده أو ما حوله من مكوَّنات.
وصل مسبار الأمل الإماراتي إلى مدار المريخ بنجاح، محققاً حلماً راود هذه الدولة الفتية، ومعجزة ومفخرة عربية اصطفت من خلالها أمة العرب في ركب الدول المتقدمة التي سبرت أغوار الكون، واتجهت نحو النقطة التي لطالما حلم ببلوغها العلماء وعكفوا على البحث والعمل الدؤوب لتمسَّ مسابيرهم أجواءها وأرضها. وكان الجهد الإماراتي تتويجاً لجهود عالمية بدأت من زمن بعيد وتأسست على أيدي الكبار من الدول المتقدمة. ولم ترضَ إمارات زايد إلا أن تكون مع أولئك الكبار في سبر أغوار الكوكب الأحمر، والإسهام في الأبحاث العلمية عن أقرب كواكب المجموعة الشمسية إلى أرضنا، من حيث إمكان الوصول إليه ضمن استطاعة البشر الحالية.
أنواع المسابير
المرِّيخ رابع كواكب النظام الشمسي انطلاقاً من الشمس. وهو من كواكب النظام الشمسي الداخلية، ويوصف كوكب المرّيخ بالكوكب الأحمر، لأنّ لِسطحه لون الصدأ الأحمر الناجم عما تحتويه تربته من أكسيد الحديد. يدور قمران طبيعيان حول كوكب المرِّيخ هما: فوبوس ودايموس.
تتولى المسابير مهمة البحث
عن مواقع ذات مُميّزات من
شأنها أن تكشف مُعطيات
مُهمّة للمرِّيخ
تتوزّع المسابير الموجّهة لاستكشاف كوْكب المرِّيخ على أربعة أنواع: المسابير التي اقتربت من كوْكب المرِّيخ، المسابير التي أُدْرِجَتْ في مدار حوله، المسابير غير المتنقّلة التي حطّت على مَهْل على سطحه، والمسابير المتنقّلة (الروبوتات) على سطحه.
المسبار مارينار
أما المسابير التي اقتَربَتْ من كوْكب المرِّيخ، فكان أولها المسبار الأمريكي مارينار 4 الذي اقترب من سطح المِرِّيخ على بعد مسافة أقل من 10000 كلم، في 14 يوليو 1965 والتقط له اثنتين وعشرين صورة هي أولى الصور لكوكب المرّيخ. كما التقط المسباران مارينار 6 ومارينار 7 لسطح المرِّيخ مئتي صورة، على بعد مسافة أقل من 3437 كلم، بالنسبة لأول، و 3551 كلم بالنسبة للثاني.
أوّل مسبار مداري
المسبار الأمريكي مارينار 9 هو أوّل مسبار يوضع في مدار حول كوكب المرّيخ في 13 نوفمبر 1971 ، واكتشف على سطحه براكين قديمة خامدة عملاقة، ووهاداً عميقة، تبدو كأنّها آثار مجاري مياه جفّت منذ العهود الجيولوجية القديمة جدّاً، والتقط صوراً واضحة لقمري المريخ: فوبوس ودايموس.
مارس 2
أثناء دورانه حول كوكب المرّيخ أرسلت الوحدة المدارية للمسبار السوفييتي (سابقاً) مارس 2 العديد من المعلومات العلمية عنه. وصادف نزول وحدة هبوط مارس 2 على سطح المرّيخ عاصفة سرعة رياحها كبيرة ومثيرة لغبار فارتطمت وحدة هبوط مارس 2 على سطح المرّيخ.
المسبار السوفييتي مارس 3
يعد المسبار السوفييتي مارس 3 من المسابير غير المتنقّلة التي حطّت على مَهْل على سطح المرِّيخ، حيث ألقى المسبار من مداره حول كوكب المرّيخ يوم 02 ديسمبر 1971 بوحدة هبُوط حطّت بهدوء على سطح الكوكب.
فيكنغ 1 و 2
أُرسل مسباران أمريكيان تتابعياً إلى كوكب المرّيخ هما فيكنغ 1 وفيكنغ 2 يتركّب كلاهما من وحدة مدارية ظلت تدور حول المرِّيخ، ووحدة هبوط مُخَصَّصة للنزول فوق سطحه. نزلت وحدة هبوط فيكنغ 1 فوق سطح المرِّيخ يوم 20 يوليو 1976 ، وتبعتها وحدة هبوط فيكنغ 2 في نفس العام. قام هذان المسباران بتجارب على عيِّنات تربة من سطح المرّيخ في نفس المكان للبحث عن إمكانية وجود حياة بدائية على شكل أحياء دقيقة مثلاً، بدون التوصّل إلى
نتيجة واضحة، إلا أنهما تمكّنا معاً من إرسال 4587 صورة عن سطح المرّيخ، فيما وصل عدد الصور التي أرسلتها الوحدتان المداريتان إلى ما يقارب 50,000 صورة عن سطح المرّيخ.
مهامّ أساسية
تقوم المسابير التي تدور في مدار حول كوكب المرّيخ بثلاث مهام أساسية: استكشاف كوكب المرِّيخ، البحث عن مواقع ذات مُميّزات من شأنها أن تكشف عن مُعطيات مُهمّة لِكوكب المرِّيخ، كمثل ما يُشير إلى ظواهر جُيولوجية، وتركيبات كيميائية لِسطح المرّيخ، كما تعمل تلك المسابير كمحطّات ربط اتِّصال بين المسابير الموجودة على سطح المرِّيخ ومراكز المتابعة والمُراقبة الأرضية لمهام هذه المسابير.
الروبوتات المتنقّلة
أُرْسِلتْ أربعة مَسابير متنقلة «أو أربعة روبوتات متنقّلة » إلى سطح المرّيخ لتتنقّل على سطحه، هذه المسابير المتنقّلة هي: باثفايندر، وعربتها المُتنقلة سوجورنر، وروبوتان توأمان يسميان عربة استكشاف المريخ «أ » أو «سبيِريت » وعربة استكشاف المريخ «ب » أو «أوبورتشينيتي » ، والروبوت المتنقّل أكثر تطوراً المُسمى «كيوريوسيتي .
تستعمل في عملية هبوط
الروبوتات على سطح المرّيخ
تقنية الأكياس القابلة للنفخ
للتخفيف من صدمة الوقوع
الروبوت «باثفايندر"
تركَّب «باثفايندر » من محطة على السطح و «مركبة » صغيرة مُتنقّلة لاستكشاف المرّيخ، مسماة «سوجرنر » تكريماً لسيدة تدعى سوجورنر تروث قاومت العبودية في الولايات المُتحدة الأمريكية. «سوجرنر » هو أول روبوت مُتنقّل أرسل إلى سطح المرّيخ، ولا يزن سوى 10,6 كغ. استعمِل في المرحلة الأخيرة من الهبوط أكياس قابلة للنَّفخ للتخفيف من صدمة الوقوع على السطح والسماح للمركبة بالتموضع الصحيح في موقع حطّها على سطح المرّيخ.
التقطت كاميرا محطّة الهبوط 16 ألف صورة لسطح المريخ. تنقل الروبوت سوجرنر مسافة قدرها مئة مترٍ، والتقط خمسمئة وخمسين صورة، وسجّل عدداً هائلاً من المعطيات أو البيانات حول درجة الحرارة، والضغط ورياح الكوْكب الأحمر. واستكشف سوجرنر 250 متر مربع من سطح المرّيخ، وقام بما لا يقلّ عن 16 تحليلاً كيميائياً لِلصخور والتربة، إضافة إلى قياس خصائصه الفيزيائية.
الروبوتان التوأمان
كان الهدف الرئيس للروبوتين «سبِيريت » و «أوبورتشينيتي » هو دراسة جيولوجيا كوكب المرِّيخ واقتفاء آثار الماء إن وُجد في العهود الجيولوجية القديمة جدّاً، أي منذ نحو ما بين 3,8 و 3,5 مليارات من السنين فوق الكوكب الأحمر.
استُعملت في عملية هبوط الروبوتين على سطح المرّيخ تقنية الأكياس القابلة للنفخ، التي جُرّبت من قبل في عملية هبوط المسبار «باثفايندر » على سطح المرّيخ بطريقة مُصغَّرة. الروبوتان المتنقِّان كانا قادرين، بالطريقة الآلية، على «رُؤية » السطح بأبعاد ثلاثية.
نصب كولومبيا
هبط المسبار المتنقِّل «سبيريت » يوم 04 يناير 2004 ، في فوهة «غوزاف » البالغ قطرها 170 كلم، تقريباً. وتخليداً لِذكرى رُوّاد الفضاء السبعة لِلمكّوك «كولومْبِيا »، الذي انفجر يوم 01 فبراير 2003 وعلى متنه سبعة رُوّاد فضاء، سُمِّيَ موقع هبوط «سبيريت » المحطة التذكارية كولومْبيا أو النصب التذكاري كولومبيا. بيّنت «سبيريت » أنّ سطح فوهة «غوزاف » متكوّن من انسياب حمم بركانية، وتُغطّيه طبقة غُبار. لم يجد «سبيريت » في كامل فوهة «غوزاف » سوى نمط واحد من الصخور، هو البازلت.
في يوم 7 فبراير 2004 ، ولأوّل مرة، تُكْشَط صخرة مِرِّيخية سُمّيت «أديرونداك » بواسطة الروبوت «سبيريت »، وقد أظهر تحليل تلك الصخرة أنّها صخرة بازلتية. والصخور البازلتية هي صخور بُرْكانية. كما بيَّن الكشْط أنّها صُلبة بصفة لافتة، وكأنها نَيْزَك مِرِّيخي.
صخور بازلتية
كشط «سبيريت » على مَقرُبة من فوهة سُمّيت فوهة «بُونْفيل » صخرة أُسند إليها اسم «مَزَتْزال »، أظهر كشط الصخرة «مَزَتْزال » أنّ لِباطنها تركيباً كيميائياً شبيهاً بالصخرة البازلتية الأولى، إلا أنّ باطن الصخرة «مَزَتْزال » تخترقه شقوق ملأتها معادن قد تكون ناجمة عن جريان سائل فيها؛ قد يكون هذا السائل هو الماء. اِكتشفت المسابير المدارية بقياس الأشعة تحت الحمراء بروزات على سطح المريخ، وهي صخور على هضاب موجودة في فوهة «غوزاف » على بعد 3000 مترٍ من موقع هبوط الروبوت المتنقّل «سبيريت » في هذه الفوهة. وصل «سبيريت » إلى هذه الهضاب ودرسها.
رحلة «أوبورتشينيتي » الاستكشافية
حطّ المِسبار المتنقل «أوبورتشينيتي » يوم 24 يناير 2004 ، وهو أوّل مسبار يحط فوق الهضاب العليا لمنتصف الكرة الجنوبي للكوكب الأحمر. وقع الاختيار على موقع «أوبورتشينيتي » نتيجة ثرائه بحجر الدمّ «الهيماتيت » وهو أكسيد
حديد يتكوَّن عند فقدان الجيوتيت، فكما بيّنه المسبار المداري «مارس غلوبال سُرفِيُور »، يُمثل «مِرِدْيَاني بَلانُوم » (المكان الذي نزل فيه المسبار) المنطقة الأكثر شسوعاً للمرّيخ، حيث يوجد حجر الدم على السطح.
تمّ الكشف عن مادّة بيضاء
داخل حفرة أثبتت تحاليل
معدّات المسبار العلمية أنّها
جليد ماء
تكوّن الجليد
هبط المسبار الروبوت «فونيكس » فوق سطح المرّيخ يوم 26 مايو 2008 ، في منطقة قريبة جدّاً من القطب الشمالي لهذا الكوكب. وأظهرت الصور التي التقطها في موقع هبوطه وما حوله تركيبة متعدِّدة الأضاع لسطح المرِّيخ، وهي تركيبة مميِّزة لأراضي الجليدية فوق سطح الأرض، وهو ما قد يشير إلى وجود الماء في حالة متجمِّدة في هذه المنطقة من سطح المرّيخ.
في حُفرة مُستطيلة الشكل أنجزتها مِجْرفة الذِّراع الآلية للمسبار الروبوتي «فونيكس » تمّ الكشف عن مادّة بيضاء. وأثبتت تحاليل المعدّات العلمية ل «فونيكس » أنّ هذه المادّة البيضاء هي جليد ماء. إذْ تمكّنت الذراع الآلية من توصيل محتوى ما حفرته المِجْرَفة إلى أجهزة التحليل ووضعه في الفرن، حيث ذاب الجليد وسال الماء، وذلك يوم 31 يوليو 2008 . لقد عمّق المسبار الروبوتي «فونيكس » دراسة بنية حُبَيْبات تربة سطح المرّيخ تعميقاً هائلاً فعلاً، لقد تمكّن من مشاهدة حبيبات ضئيلة الحجم إضافة إلى تلك التي في مُنْتَهى ضآلة الحجم.