اقتصاد المعرفة في دولة الإمارات
قفزة مميزة على مؤشر المعرفة العالمي
بات مؤشر المعرفة العالمي بمحاوره السبعة وتغطيته الشاملة لنحو 134 دولة حول العالم، مرجعية معرفية متكاملة تغطي سبعة قطاعات رئيسة ثلاثة منها في مجال التعليم بفروعه المختلفة، من تعليم مدرسي، وجامعي، وتدريب مهني وتعليم تقني، وأربعة قطاعات أخرى تشمل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والبحث والتطوير والابتكار، والاقتصاد، والبيئات التمكينية.
والمميز في المؤشر اليوم أنه يغطي 133 متغيراً في القطاعات السبعة المشار إليها، ويمثل في الوقت نفسه مرجعية شاملة للمهتمين من صنّاع القرار، والباحثين، والمحللين. المؤشر الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي «رعاه الله » في العام 2017 ضمن الشراكة الاستراتيجية بين مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP ، يصدر اليوم في نسخته الثانية، بعد أن ارتفع عدد الدول المشاركة من 131 دولة إلى 134 ، وهناك العديد من الدول التي ترغب في المشاركة والحصول على تقدير مستقل لمستوى المعرفة لديها في القطاعات السبعة المشار إليها، بيد أن مشكلتها الأساسية عدم توافر البيانات المعتمدة، ومن هنا فقد بات التقرير اليوم حافزاً للعديد من الدول لتحصل على ذلك التقييم المستقل والمعترف به عالمياً، حول مستوى المعرفة ومعاييرها المختلفة ضمن 133 متغيراً، يمكن لكل دولة جادة في تطوير وتنمية اقتصادها أن تجد فيه الوسيلة المساندة والمعلومة الداعمة والحقيقة الشفافة، لتنطلق نحو تطوير اقتصادها وتنمية مستوى المعرفة لديها.
ولعل المقولة المشهورة «بالمعرفة نزدهر » تعزز أن مؤشر المعرفة اليوم ليس بالمؤشر الرقمي الأصم، بقدر ما هو بوصلة حقيقية لمن يريد التوجه نحو الازدهار ومنفعة شعبه، من صناع القرار، ولمن يريد أن يوجه وينصح ويشير على صناع القرار من الباحثين والدارسين والأكاديميين. المعلومة في التقرير، معلومة موَثَّقة، وموثوقة في الوقت نفسه: فقد تم إطلاق المؤشر بعد أن خضع إلى ثلاث مراحل، الأولى بناء المؤشر من قبل فريق مركزي مختص في القطاعات السبعة، والثانية مراجعة وتدقيق مكونات كل قطاع عبر جلسات عصف فكري مع مختصين موزعين على مختلف دول المنطقة والعالم، والثالثة إجراء مراجعة فنية متخصصة من قبل خبراء عالميين. وضماناً للمصداقية وللحاكمية الرشيدة والشفافية في إصدار التقرير، فقد سعت المؤسسة والبرنامج إلى فصل عملية تركيب هيكل المؤشر عن عملية جمع البيانات، فتركيب المؤشر ومكوناته تم من قِبل الفريق المركزي للتقرير، وهو فريق مكون من خبراء متخصصين ذوي مصداقية أكاديمية وعلمية ومهنية، وهم من دول مختلفة شملها التقرير، أما جمع البيانات وحساب المؤشر فقد أُنجزا من قبل فريق مختص منفصل تماماً، وتحت إشرافٍ مباشرٍ من قبل المختصين في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
وقد عزز ذلك مصداقية النتائج والمؤشر، ذلك أن أياً من خبراء الفريق المركزي لم يتدخل في نتائجه ولم يعمل على تكوين مؤشرات قد تؤدي إلى محاباة دولة على حساب أخرى، كما أن دولة المقر للمؤشر، وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، خضعت لنفس درجات الشفافية والحاكمية الرشيدة في جمع وتصنيف البيانات وحساب المؤشر، بنفس المستوى الذي خضعت له جميع ال 134 المشاركة.
وفي هذا السياق احتلت دولة الإمارات المركز ال 25 عالمياً في مؤشر المعرفة للعام 2017 ، بيد أنها وبجهد وتوجهات القيادة، عملت بشكل جاد على تحسين مستويات المتغيرات المختلفة في القطاعات السبعة: التعليم قبل الجامعي، والتعليم الجامعي، والتدريب المهني والتعليم التقني، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والبحث والتطوير والابتكار، والاقتصاد، والبيئات التمكينية. وقد تكللت تلك الجهود بشكل واضح في القفزة النوعية التي شهدتها الدولة في المؤشر، لتتبوّأ المركز ال 19 عالمياً، وتحافظ على المركز الأول عربياً، وبفارق وصل إلى 24 مركزاً عن أقرب دولة عربية بعدها. القفزة النوعية لدولة الإمارات بستة مراكز في عام واحد، جعلتها أيضاً الدولة الأكثر تطوراً في مؤشرات المعرفة، فهي الدولة الوحيدة بين 133 التي قفزت هذه القفزة النوعية المميزة. وهي تتساوى في قيمة مؤشر المعرفة مع كل من كوريا الجنوبية، وفرنسا، وتقل بدرجة أو درجتين فقط عن ألمانيا، والنرويج، ولا يبعدها عن المركز الأول سوى 10 نقاط في قيمة المؤشر. أما في تحليل نتائج المؤشر في القطاعات السبعة، فإن دولة الإمارات احتلت المركز الثاني عالمياً في مؤشر قطاع الاقتصاد لا يسبقها عالمياً سوى دولة سنغافورة، وهو مركز حافظت عليه منذ العام الماضي، بيد أن المهم الإشارة هنا إلى أنه عند الحديث عن مؤشرات مكونات قطاع الاقتصاد، فإن دولة الإمارات جاءت في المركز الأول عالمياً في متغير الانفتاح الاقتصادي، والذي يغطي مستوى الانفتاح في التبادل التجاري، ويغطي أيضاً متغيرات الاقتصاد الإبداعي، وقد احتلت دولة الإمارات فيه المركز الثاني عالمياً، ما يعزز توجهات الدولة في مجالات الإبداع والابتكار، والذكاء الاصطناعي، ومعطيات الثورة الصناعية الرابعة.
أما بالعودة إلى القطاعات الأخرى المكونة لمؤشر المعرفة العالمي، فإن اللافِت للنظر تطور مؤشرات التعليم، وهو ما لم تشهده أي دولة أخرى على مستوى المنطقة والعالم. فقد تحسن مستوى مؤشر التعليم قبل الجامعي في دولة الإمارات من المركز ال 16 عالمياً للعام 2017 إلى المركز ال 13 في العام 2018 ، كما تحسن مستوى التعليم التقني والتدريب المهني بنحو 10 مراكز دفعة واحدة، حيث أصبحت الدولة في المركز ال 14 عالمياً في العام 2018 ، مقابل المركز ال 24 في العام 2017 ، وهي قفزة نوعية تشير إلى اهتمام كبير في الدولة بهذا القطاع، ما جعلها الدولة الأولى عالمياً في حجم وزخم التطوير في هذا القطاع المهم الذي يُغذي بناء قدرات الشباب، ويرفد سوق العمل بالمهارات المهنية والتقنية التي يتطلبها ذلك السوق.
كما تقدمت دولة الإمارات على مستوى التعليم الجامعي عالمياً لتحتل المركز ال 20 في العام 2018 ، مقابل المركز ال 27 في العام السابق، وهي قفزة نوعية مميزة، تشير بدلالة واضحة إلى الاهتمام الكبير بمستويات التعليم المختلفة في الدولة. ولعل التطوير والتحسن الواضحين في مؤشرات قطاع التعليم الثلاثة أسهما بشكل جوهري وواضح في نقل دولة الإمارات في مؤشر المعرفة العالمي ستة مراكز إلى الأمام. أما على مستوى ما تبقى من قطاعات، فقد تحسن مستوى دولة الإمارات في مؤشر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بقفزة نوعية نحو المركز ال 16 عالمياً، مقابل المركز ال 23 في العام 2017 ، وهذه إشارة واضحة إلى أن التوجهات التي تقودها حكومة الدولة نحو التطوير التكنولوجي، وتوفير التطبيقات الذكية، ونشر ثقافة الثورة الصناعية الرابعة، وتشجيع الاستخدام الأمثل لقطاعات التكنولوجيا، قد آتت أكلها وانعكست بشكل واضح على مفاصل الدولة المختلفة، وجعلتها تقفز عالمياً سبعة مراكز مهمة في هذا القطاع في مؤشر المعرفة العالمي.
أما على صعيد البحث والتطوير والابتكار فقد تحسن موقع الدولة في المؤشر لتتبوَّأ المركز ال 36 عالمياً مقابل المركز ال 37 في العام السابق، وبالرغم من التحسن الطفيف، إلا أن ذلك يشير إلى الحاجة إلى استجابة مراكز البحث العلمي والجامعات، وداعمي البحث والتطوير في الدولة، إلى توجهات الحكومة في هذا المجال بشكل أكبر، وقد يكون هذا القطاع هو القطاع الذي سيلقى الرعاية الكبرى في الوقت القريب، خاصة أن التوجهات الحكومية اليوم تدعم بشكل واضح التوجه نحو مزيد من الاهتمام بقضايا البحث العلمي والتطوير والابتكار، وقد خصصت الدولة عاماً للابتكار في 2016 ، وجعلت من شهر فبراير شهراً دائماً للابتكار تقدم فيه جميع قطاعات الدولة منجزاتها ومشاريعها المُبتَكَرَة. بقي القول إن دولة الإمارات تحسنت بشكل واضح في قطاع ومتغيرات مؤشر البيئات التمكينية لتقفز ستة مراكز في هذا القطاع وتتبوَّأ المركز ال 41 مقابل المركز ال 46 في العام الماضي، ومن الواضح أن مؤشر فاعلية الحكومة، الذي يضع الإمارات في المركز ال 19 عالمياً، ومؤشر التمكين، وخاصة التمكين الجندري، الذي يضع الدولة في المركز ال 9 عالمياً، ومؤشر نصيب الفرد من الدخل، المتربع على المركز ال 6 عالمياً، ومؤشر معدل البطالة، الذي يجعل الدولة في المركز ال 10 عالمياً. والجدير بالذكر أن الحكومة تقود بشكل كبير قضايا تنويع مصادر الطاقة، مع الاعتماد بشكل محوري على الطاقة المتجددة، وتعد تجارب دولة الإمارات بشكل عام، وتجربة دبي بشكل خاص، في توفير الطاقة النظيفة من التجارب العالمية والتطبيقات المُثلى في عالم اليوم.
هذا وتعمل الدولة بشكل حثيث على المزيد من تحفيز مشاركة المرأة في سوق العمل وفي المواقع القيادية، وهناك العديد من المبادرات على مستوى الدولة والقطاع الخاص لتبوّؤ النساء مقاعد متقدمة، كما في المجلس التشريعي للدولة الذي ترأسه امرأة، للمرة الأولى على مستوى المنطقة العربية، وكذلك على مستوى الحكومة التي تحتل فيها المرأة مواقع متقدمة في الوزارات والمؤسسات العامة، وقد وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «رعاه الله » بأن تحتل المرأة %50 من المناصب الحكومية، وخاصة في الوزارات، مع حلول العام 2020 .
وختاماً، فقد بات من الواضح أن مؤشر المعرفة العالمي يقدم مشورة نوعية مجانية متميزة ومستقلة وذات مصداقية عالية، وبات من الواضح أن العمل على متغيراته التي تتجاوز 131 متغيراً في القطاعات السبعة، هو بمثابة خارطة طريق لمن أراد أن يطّلع عليها ويقرأها بعناية ويعمل على تحسين المسار، أو تطوير مستوى الأداء في أي من تلك القطاعات أو في القطاعات جميعها. واليوم وقد قفزت دولة الإمارات ستة مراكز عالمية في مجال المعرفة، بقطاعاتها السبعة، فإن الطريق ممهدٌ لدول العالم للاستفادة من مخرجات مؤشر المعرفة لتطوير قطاعات التعليم، والتقنية، والإبداع والابتكار، والبحث العلمي والتطوير، والاقتصاد، والبيئات التمكينية.