اللغة العربية وآفاق الترجمة
«الترجمة أساس من أسس النهضة وتفتح الأبواب لاستيعاب كل أنواع
المعارف والعلوم .»
محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي.
في كل يوم تثبت اللغة العربية أنها لغة غنية قادرة على مواكبة العصر الذي نعيش فيه، وأنها لغة تملك المقومات الكافية التي تجعلها تستجيب لأي تطور علمي أو ثقافي أو اجتماعي، لذا لم يكن غريباً أن تولي مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، الاهتمام الكبير بها عبر مبادراتها المتعددة، وعلى رأسها «بالعربي » و «برنامج دبي الدولي للكتابة» .
«اللغة العربية بدأت فجأة على غاية الكمال، وهذا أغرب ما وقع في تاريخ البشر، فليس لها طفولة ولا شيخوخة »، وفقاً لما قاله المؤرخ الفرنسي الراحل إرنست رينان؛ وهو أمر نفهمه نحن العرب جيداً، لأنها اللغة التي أراد الله عز وجل أن يخاطب بها الناس أجمعين من خلال القرآن الكريم الذي أوحى به إلى رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
هذا التكريم الإلهي للغة العربية أسهم في انتشارها على مستوى العالم منذ الفتوحات الكبرى التي أنجزها المسلمون الأوائل، كما أوضحت قدرتها العجيبة على نقل المعارف المدونة بلغات أخرى إليها، وكلنا يعرف كيف بلغت حركة الترجمة إلى اللغة العربية ذروتها في عهد الخليفة العباسي المأمون عندما أنشأ دار الحكمة ببغداد عام 830 م، حيث أمر بترجمة كتب الطب والرياضيات والعلوم والفلك والفلسفة التي وضعها اليونانيون إلى اللغة العربية، فازداد ثراء لغتنا واغتنت مفرداتها.
أما أوروبا فلم تجد مفراً من التزود بالمعارف العربية لتبني نهضتها التي انطلقت منذ خمسة قرون، فقام الأوروبيون بترجمة أمهات الكتب العربية إلى لغاتهم الأصلية مثل كتاب «ألف ليلة وليلة »، الذي يعد أشهر مصنع للخيال الأدبي في العالم، حيث ترجمه إلى الفرنسية عام 1704 أنطوان جالان، وكتاب «البخلاء » للجاحظ، وكتاب «حي بن يقظان » لابن طفيل، و «مقدمة ابن خلدون » الذي يعد المؤسس الأول لعلم الاجتماع، وكتاب «رحلة ابن بطوطة » أو «تحفة النظار في غرائب الأمصار »، وكتاب «القانون في الطب » لابن سينا، و «كتاب المناظر » للحسن بن الهيثم وغيرها. هذه الكتب هي التي ألهمت الأوروبيين كيفية اقتحام بحور العلم الحديث واكتشاف خباياه وأسراره، حتى صارت أوروبا رمزاً للتقدم العلمي والثقافي والأدبي.
وفي العصر الحديث، ومع الربع الأول من القرن التاسع عشر، استرد العرب عافيتهم بعد طول كمون، فانطلقوا يطالعون أبرز إنجازات الحضارة الغربية ويترجمونها إلى اللغة العربية حتى أضحت المكتبة العربية غنية بالكتب المترجمة في فروع المعرفة كافة.
لا ريب في أن الأمم لا يمكن لها أن تتقدم وتتطور دون الإلمام بمنجزات الشعوب الأخرى لتتفاعل معها وتضيف إليها، والترجمة هي أفضل السبل لتحقيق ذلك، ولذلك حرصنا في هذا العدد على التوقف عند حركة الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى، والاحتفاء بالباحثين والمترجمين الأجانب المهتمين بالثقافة العربية، والذين أصبحوا جسور التواصل بين العرب وشعوبهم.