قراءة في مشروع المعرفة العالمي
تطلق الثورة الصناعية الرابعة موجة من الانفجار الإبداعي، حيث توجد التكنولوجيات الجديدة أسواقاً جديدة، وتغيّر طرق الإنتاج التقليدية. وتقدم مجالات المعرفة المستقبلية سبلاً جديدة تمكِّن الشركات من تلبية احتياجات عملائها، وتسمح للدول بتوفير السلع والخدمات للمقيمين فيها، وتسهِّل على المستهلكين التوفيق بين أوقات العمل والترفيه. ويتمثَّل التحدي الرئيس على المستوى العالمي في ضمان قدرة العملاء الاقتصاديين على استغلال هذه الفرص استغلالاً كاملاً وتوظيف التحول الرقمي لخلق مستقبل أفضل. كما تشجع مجالات المعرفة المستقبلية صانعي القرار على المستوى الوطني، والإقليمي، والعالمي على وضع سياسات تهدف إلى زيادة الوعي بين السكان وتشجيعهم على استخدام التكنولوجيا وتنمية المهارات، وتمكِّن الشركات والأطراف المعنيين في سوق العمل من فهم أهمية التكنولوجيات المستقبلية وكيفية إسهامها في تحقيق قيمة مضافة.
نقدم خلال الأقسام التالية شرحاً لمجالات المعرفة المستقبلية، مع ربطها بمهارات المستقبل اللازمة للتعامل مع تلك المجالات المعرفية.
4- مجالات المعرفة المستقبلية
نبيّن في هذا القسم الأساس المنطقي لاختيار المفاهيم التي تمّ استهدافها باعتبارها مجالات المعرفة المستقبلية الرئيسة وهي: الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وسلسلة الكتل، والتكنولوجيا الحيوية، ومهارات المستقبل.
1-4 التكنولوجيات الرئيسة للمستقبل
يؤثر ظهور التكنولوجيات الجديدة في مستقبل مجتمعاتنا، وبالتالي في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ونحن نعتقد أن أنواعاً معينة من التكنولوجيا يمكن أن تساعدنا على التغلب على بعض التحديات الاجتماعية، مثل شيخوخة السكان ونقص المهارات وتفاقم شح الموارد وتزايد حالات عدم المساواة والجوع والفقر والتغير المناخي. فعلى سبيل المثال، حدّد الاتحاد الأوروبي ست تكنولوجيات تمكين رئيسة ستلعب دوراً حاسماً في تعزيز الكفاءات الصناعية والابتكار في دول الاتحاد الأوروبي وهي:
▪ ▪ تكنولوجيات التصنيع المتقدمة.
▪ ▪ المواد المتقدمة وتكنولوجيات النانو.
▪ ▪ تكنولوجيات علوم الحياة.
▪ ▪ علم الإلكترونيات والفوتونات الميكروية والنانوية.
▪ ▪ الذكاء الاصطناعي.
▪ ▪ الأمن الرقمي والاتصالات الرقمية(1).
وحددت مؤسسة غارتنر أخيراً أبرز عشرة اتجاهات تكنولوجية استراتيجية في عام 2019 ، وهي على النحو التالي (2).
▪ ▪ الأشياء المستقلة
▪ ▪ التحليلات المعززة
▪ ▪ التطوير المدفوع بالذكاء الاصطناعي
▪ ▪ التوأم الرقمي
▪ ▪ تمكين الحافة
▪ ▪ التقنيات الغامرة
▪ ▪ الأخلاق والخصوصية الرقمية
▪ ▪ الحوسبة الكمية
▪ ▪ سلسلة الكتل
▪ ▪ المساحات الذكية.
ورغم أنّ الاتحاد الأوروبي والمنتدى الاقتصادي العالمي يتناولان التكنولوجيات من منظورين مختلفين، فإنهما يؤكدان أهمية التكنولوجيات الجديدة في خلق عالم أفضل، ودعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. علماً أنّه ستتم في هذا التقرير الإشارة إلى هذه التكنولوجيات المحورية تحت مسمّى التكنولوجيات الرئيسة للمستقبل. وهي تتسم بسمتين أساسيتين:
1. أنها تشكل نظاماً بيئياً تستفيد فيه كل تكنولوجيا من تطور التكنولوجيات الأخرى، وتعزز في الوقت ذاته ذلك التطور (3).
2. أنها تؤدي إلى تسارع مطّرد في الابتكار، حيث يؤدي كل تطور تكنولوجي إلى ظهور المزيد من التكنولوجيات والأنظمة الجديدة (4).
وتنطبق هاتان السمتان على الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وسلسلة الكتل والتكنولوجيا الحيوية، كما سنبين ذلك بإيجاز في الفقرات التالية المخصّصة تباعاً لكل تكنولوجيا. ولا يزال أمام هذه التكنولوجيات الأربع مجالات عديدة للبحث والتجريب والابتكار في المستقبل، مما قد يؤدي إلى نتائج غير متوقعة يمكن أن تساعد على إيجاد حلول فورية وعملية لأصعب التحديات التي تواجه العالم، مثل الفقر والكوارث الطبيعية، بطريقة أكبر سرعة وأكثر دقّة.
1-1-4 الذكاء الاصطناعي
التعريف
يشير الذكاء الاصطناعي إلى قدرة كمبيوتر، أو روبوت مدعم بكمبيوتر، على معالجة المعلومات، والوصول إلى نتائج بطريقة مماثلة لعملية التفكير لدى البشر في التعلم واتخاذ القرارات وحل المشكلات. وبالتالي، فإن هدف أنظمة الذكاء الاصطناعي هو تطوير أنظمة قادرة على معالجة المشكلات المعقدة بطرق مشابهة للعمليات المنطقية والاستدلالية عند البشر(5).
يستخدم الذكاء الاصطناعي
للتصدي للتحديات التنموية
المتعددة الجوانب
تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي تقترب من النضج وتؤثر بشكل متزايد في حياتنا اليومية
معظمنا يستخدم الذكاء الاصطناعي يومياً دون أن يعي ذلك. فالذكاء الاصطناعي غيّر طريقة عيشنا وتواصلنا وعملنا. وهو يسهم مثلاً في التنبؤ بعمليات البحث التي نقوم بها في محرك البحث جوجل، ويؤثر في اقتراحات الأغاني على موقع سبوتيفاي، ويزود المعلومات لتطبيقات المساعد الذكي التي نستخدمها للتسوق على الإنترنت، ويتحكم في درجة الحرارة في غرف معيشتنا) 6(. كما أن الذكاء الاصطناعي بمختلف أشكاله المتاحة )مثل التعلم الآلي، والمعالجة الآلية، والعمليات التحليلية التنبئية، وغيرها( يسمح لنا بإنجاز المهام بشكل أسرع وأذكى، سواء من خلال روبوتات الدردشة، أو العمليات المصرفية عبر الهاتف المتحرك أو الملاحة أو الخرائط أو غيرها. وهناك تطور في استخدام تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي وتطويرها، حيث تستهدف حلول الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد أوساط المطوّرين المهنيين )منصات وخدمات الذكاء الاصطناعي(، ولم تعد تحتاج إلى مشاركة عالم متخصص في البيانات. كما أنّ التحسينات المتزايدة في البيانات الضخمة، ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، ومنتديات المصادر المفتوحة تدعم التطوير المستمرّ للذكاء الاصطناعي ونضجه. وفي الوقت ذاته تدعم الابتكارات في الذكاء الاصطناعي مزيداً من التطوير لهذه التكنولوجيات من خلال التأثير في طريقة تخزين البيانات وتبادلها بين المناطق الجغرافية. ويؤكد الانتشار الواسع لاستخدام الذكاء الاصطناعي الحاجةَ إلى قوى عاملة تمتلك المهارات الضرورية لاستخدام هذه التكنولوجيا بأقصى إمكاناتها.
الذكاء الاصطناعي وأهداف التنمية المستدامة
يُستخدم الذكاء الاصطناعي للتصدّي للتحديات التنموية المتعددة الجوانب. فعلى سبيل المثال، يعكف عدد متزايد من الباحثين على استكشاف استخدام الذكاء الاصطناعي لتشخيص سرطان الجلد(7) أو الكشف عن الإصابة بالجلوكوما(8)، ويستخدمه آخرون لحماية الحيوانات المهددة بالانقراض، من خلال تقييم أعداد الحيوانات البرية(9). ويمكن أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي لتصميم وتشغيل مزارع طاقة الرياح والطاقة الشمسية، كما فعلت شركتا ديب مايند وجوجل(10)، أو لتسهيل الكشف عن الجرائم المالية من خلال تحليل مجموعات أكبر من البيانات(11). وقد أنشأت شركة ماكينزي مجموعة تضم أكثر من 160 حالة يمكن فيها استخدام الذكاء الاصطناعي لإحداث تأثير اجتماعي، وحددت تطبيقات ممكنة لها(12)، بينما قيّمت برايس وترهاوس كوبرز والمنتدى الاقتصادي العالمي تأثير الذكاء الاصطناعي في ست نواحٍ بيئية هي: تغير المناخ، وحفظ التنوع البيولوجي، وصحة المحيطات، والأمن المائي، والهواء النظيف، والقدرة على الصمود أمام الكوارث(13).
من الواضح أن هناك جهوداً واسعة تُبذل لاستكشاف وتجربة استخدام الذكاء الاصطناعي في سياق تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولتوسيع استخدامه بشكل أكبر، انسجاماً مع رؤية 2030 التي تقترح صياغة المشكلات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة بشكل يسمح للذكاء الاصطناعي بحلها. وهذا يفرض جملة من التحسينات الضرورية الأخرى، مثل تحديد لغة مشتركة وتفسير النتائج، مع الحرص على الحد من أي تحيز في الذكاء الاصطناعي، وتعزيز استخدامه بصورة أخلاقية.
2-1-4 سلسلة الكتل
التعريف
سلسلة الكتل هي تكنولوجيا قاعدة بيانات موزعة لا يمكن التلاعب بها، يمكن استخدامها لتخزين أي نوع من البيانات، بما في ذلك المعاملات المالية، بما من شأنه أن يوفّر الثقة في بيئة غير جديرة بالثقة(14). وبما أنّ سلسلة الكتل توفر مستوًى عالياً من الأمان، فإنها يمكن أن تكون عنصراً مهماً في البنية التحتية الرقمية التي تُستخدم فيها تطبيقات رقمية موثوقة.
ازدادت شعبية سلسلة الكتل في أوساط الشركات الكبيرة التي تتفادى مناقشة قيمة العملات المشفرة مثل البتكوين، وتركز على تطوير حلول خدمية تسهم في تحقيق تحسينات في كل الصناعات تقريباً، من التأمين، إلى تقديم الطعام، إلى السلع الفاخرة. فعلى سبيل المثال، أطلقت شركة أل في أم أش(15) للسلع الفاخرة منصة أورا(16) لسلسلة الكتل المخصصة لإثبات أصالة السلع الفاخرة(17). ومن جانبها، تُتيح شبكة آي بي إم فود تراست(18) للمستخدمين إمكانيّة تعقب الأغذية الحساسة، وتحديد المكان الذي تعرّض فيه منتج معين لضرر في سلسلة توريد الغذاء(19).
من هذا المنظور تعتبر سلسلة الكتل حلاً رئيساً لضمان أمن المعلومات وتبادلها بين مختلف الأطراف الفاعلة، وهي تسهم بصورة مباشرة في تقدم التكنولوجيات الأخرى. هذه السمة تجعلها ميزة مهمة للتوأم الرقمي، وهو نسخة رقمية من كيان مادي حي أو غير حي. ويمكن لسلسلة الكتل، من خلال ارتباطها مع إنترنت الأشياء، تسهيل النقل الشفاف للبيانات والقيمة عبر الإنترنت دون وسيط، لتصبح بذلك طريقة فعالة لإنتاج التوائم الرقمية ومراقبتها وتحديثها. ويمكن للتطبيقات الأخرى، بالاشتراك مع الذكاء الاصطناعي، زيادة الثقة في تمييز الوجه، أو السيارات ذاتية القيادة، عن طريق توثيق تحركاتها.
سلسلة الكتل وأهداف التنمية المستدامة
نظراً للمزايا التي توفرها سلسلة الكتل، توسّع استخدامها على نحو متزايد لدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، فهي تمكّن من تحديد الأشخاص الذين لا يحملون بطاقة هوية، ودعم إشراكهم في النظام المالي، وتحسين إتاحة الطاقة النظيفة والمتجددة، وتحسين أنماط الإنتاج والاستهلاك وحماية البيئة وتحسين فاعلية المساعدات(20). فعلى سبيل المثال، تستخدم مبادرة اللبنات الأساسية(21) التابعة لبرنامج الأغذية العالمي، سلسلة الكتل لإصدار قسائم نقدية رقمية بهدف ضمان إيصال المساعدات الغذائية بكفاءة وأمان وشفافية، ممّا يسهم في تحقيق الهدفين: الأول (القضاء على الفقر)، والثاني (القضاء التام على الجوع) من أهداف التنمية المستدامة(22). كما أنشأت أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ائتلاف سلسلة المناخ لتسهيل التعاون بين الأعضاء، من أجل رصد آثار الإجراءات المتعلقة بالمناخ والتحقق منها وإعداد التقارير في شأنها(23).
3-1-4 الأمن السيبراني
التعريف
يُقصد بالأمن السيبراني التكنولوجياتُ والعملياتُ والضوابطُ الهادفةُ إلى حماية الأنظمة والشبكات والبرامج من الهجمات الرقمية التي تحاول الوصول إلى المعلومات الحساسة، أو تغييرها أو إتلافها. وهي هجمات يمكن أن تؤدي في حالة نجاحها إلى ابتزاز المال بتهديد الضحية، أو التعدي على حقوق الملكية الفكرية، أو تعطيل تقديم الخدمات.
للأمن السيبراني دور محوري في تطوير الذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل وإنترنت الأشياء
في ظل الثورة الصناعية الرابعة، يجري تبادل المعلومات والبيانات بسرعات وأحجام متزايدة. وفي الوقت ذاته، تزداد الجرائم الإلكترونية مع محاولة المزيد من الأفراد الوصول إلى البيانات واستخدامها لخدمة مصالحهم. لذلك يشكّل الأمن السيبراني أحد مصادر القلق الرئيسة بالنسبة إلى الشركات والحكومات والمواطنين، إذ صنف المنتدى الاقتصادي العالمي الهجمات الإلكترونية ضمن أبرز خمسة مخاطر عالمية تواجه المجتمع العالمي في عام 2019 (24).
يُعدُّ الأمن الإلكتروني أمراً حاسماً لدعم نمو مجتمعات المعلومات الرقمية، حيث تشكّل الثقة في التكنولوجيات المستخدمة والمعلومات المتبادلة محوراً أساسياً؛ فأفراد المجتمع يحتاجون إلى أن يكونوا قادرين على الثقة في أن بياناتهم تُعالج وتُتبادل بطريقة آمنة من أجل ضمان خصوصيتهم وسلامتهم. فمن دون درجة كافية من الأمن، يصبح استخدام التكنولوجيات الناشئة مصدراً للخطر بدلاً من أن يكون فرصة للتنمية. لذلك يمثل الأمن السيبراني لبنة بناء مهمة لمجتمعنا المستقبلي، وهو يتفاعل بصورة وثيقة مع التكنولوجيات المذكورة. فيمكن استخدامه مثلاً مع سلسلة الكتل لحماية تقديم الخدمات المالية؛ كما أن استمرار نمو إنترنت الأشياء يعتمد بدرجة كبيرة على الأمن السيبراني لضمان عدم سرقة أو نسخ البيانات التي نتبادلها. وباستخدام الأمن الإلكتروني مع الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، يجري تطوير خوارزميات قوية لدعم الكشف عن التهديدات السيبرانية. ولكن هذا يفرض أيضاً على الشركات والأفراد الاستثمار بصورة كافية في حماية معلوماتهم، وتعلم كيفية الحد من المخاطر.
يعد الأمن الإلكتروني أمراً
حاسماً لدعم نمو مجتمعات
المعلومات الرقمية
الأمن السيبراني وأهداف التنمية المستدامة
يلعب الأمن السيبراني دوراً محورياً في مواجهة التحديات، ذلك أنّ تقديم خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بشكل أكثر أماناً وسلاسة، من خلال نظام أمن سيبراني فعال، من شأنه أن يساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، على النحو التالي:
▪ ▪ يدعم الأمنُ السيبراني النمو الاقتصادي، من خلال حماية المعلومات على الإنترنت، والنقل الآمن للبيانات )الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة(. فعلى سبيل المثال، يعتمد تحويل البدلات النقدية الرقمية الذي يختبره برنامج الأغذية العالمي حالياً، على النقل الآمن للمعلومات الشخصية. وفي الوقت ذاته، يمكن تبادل المعلومات المتعلقة بالإمدادات الغذائية ومواقع التوزيع بأمان، مما يسهم في ضمان توزيع أكثر فاعلية (الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة).
▪ ▪ كما أن حماية البيانات أمر مهم من أجل حماية المعلومات السرية الخاصة بالمرضى في قطاع الرعاية الصحية. فإذا كانت زيادة التحول الرقمي في خدمات الرعاية الصحية تعزّز تقديم الدعم الطبي على نطاق أوسع، وبالتالي تسهم في تحسين صحة المجتمع ورفاهه، فإن ذلك يستوجب تأمين المعلومات التي يجري تبادلها من الهجمات الإلكترونية (الهدف الثالث من أهداف التنمية المستدامة).
▪ ▪ يمكن أيضاً للأمن السيبراني دعم الإنتاج الزراعي، وتوسيع الوصول إلى المعلومات المتعلقة بالتعامل الاقتصادي بين الجهات الخاصة والعامة (الهدف التاسع من أهداف التنمية المستدامة). ويمكن استخدام تأثير الاحترار العالمي واتجاهات الطقس المستقبلية لتحسين الإنتاج الزراعي المستدام. ولكن هذا يتطلّب مرة أخرى تبادل البيانات المستخدمة بصورة آمنة، وحمايتها من التلف.
4-1-4 التكنولوجيا الحيوية
التعريف
تقوم التكنولوجيا الحيوية على معالجة النظم البيولوجية )الخلايا الحية أو مكوناتها( لتصنيع منتجات مفيدة بكفاءة. وقد ظهر هذا المجال نتيجة للتطبيق المشترك للفيزياء والكيمياء والرياضيات والهندسة على المستوى الجزيئي لدراسة الخلايا الحية(25).
يتسارع التقدم في مجال التكنولوجيا الحيوية بفضل التقدم المحرز في التكنولوجيات الرئيسة الأخرى
تتسارع وتيرة التقدم في مجال التكنولوجيا الحيوية، وتظهر آثاره بصورة متزايدة في حياتنا اليومية. ومن المتوقع أن يصل حجم السوق العالمي للأحياء الاصطناعية(26) وحده إلى نحو 14 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026(27). إذ يُلاحظ اليوم أنّ الكثير من الناس قد تحولوا إلى القوارير البلاستيكية القابلة للتدوير من أجل تقليل النفايات البلاستيكية، أو شراء منتجات معدلة وراثياً ما كانت لتتاح في منطقتهم لولا التكنولوجيا الحيوية. وسيسهم التقدم في التكنولوجيا الحيوية بصورة كبيرة في تعزيز الأمن الغذائي، وتحسين إمدادات مياه الشرب، ودعم تطوير طرق مستدامة لإعادة التحريج. فضلاً عن مساهمة الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار والروبوتات والأحياء الاصطناعية في تحسين إنتاجية المحصول والقدرة على الصمود. وأدت التحسينات المتزامنة في التعلّم الآلي إلى تسريع اكتشاف وتطوير عقاقير جديدة، مما يتيح التعرف السريع إلى المعلومات ذات الصلة من التجارب السريرية وسجلات المرضى والمقالات العلمية. وقد تسهل تطبيقات أخرى التبرع بالأعضاء، حيث يمكن للتكنولوجيا الحيوية الاصطناعية أن توسع دائرة المستلمين وصلاحية أعضاء المتبرعين(28). وهكذا تسهم تطورات التكنولوجيا الحيوية في تطوير تكنولوجيات أخرى مثل الذكاء الاصطناعي وسلسلة الكتل والبيانات الضخمة، وفي الوقت ذاته تستفيد التكنولوجيا الحيوية بدورها من الابتكار في تلك التكنولوجيات.
التكنولوجيا الحيوية وأهداف التنمية المستدامة
تلعب التكنولوجيا الحيوية دوراً رئيساً اليوم في مجال التنمية المستدامة، لاسيما مكافحة الفقر والوقاية من الأمراض. وكما أسلفنا، يمكن للتكنولوجيا الحيوية أن تعود بفائدة كبيرة على النشاطات في قطاعات الصحة والغذاء وإنتاج الطاقة وإدارة النفايات ومكافحة الآفات. فمن خلال دعم النمو في القطاعات الحيوية لإنتاج الغذاء مثل الزراعة والحراجة وصيد الأسماك، تسهم التكنولوجيا الحيوية في مكافحة الفقر والجوع (الهدفان الأول والثاني من أهداف التنمية المستدامة). كما أنها تحسن إتاحة الطاقة النظيفة من خلال استخدام الإيثانول الحيوي، الذي يقلل انبعاثات غازات الدفيئة من الوقود الأحفوري (الهدفان السابع والثالث عشر). وأخيراً، يسهم استخدام التغليف الحيوي وزيوت التشحيم الحيوية في الحد من المنتجات البلاستيكية والتلوث العام (الهدفان الرابع عشر والخامس عشر).
2-4 مهارات المستقبل
كما ذكرنا في الأقسام السابقة، يؤثر ظهور التكنولوجيات الجديدة تأثيراً مباشراً في مستقبل المهارات والعمل. فالوظائف التي تتضمن مهامَّ متكررة ستختفي، بينما ستظهر وظائف جديدة (مثل علماء البيانات ومتخصصي الذكاء الاصطناعي). لذلك يتمثل أحد التحديات الرئيسة التي تواجه صُنّاع السياسات في إيجاد طريقة للتعامل مع الفجوة الآخذة في الاتساع بين العرض والطلب فيما يخصّ المهارات المستجدّة.
1-2-4 المهارات اللازمة في المستقبل
يحتاج الأفراد إلى تعلم مهارات جديدة من أجل تحسين تنافسيتهم في سوق العمل على المدى الطويل. وتزداد أهمية المهارات الرقمية خصوصاً مثل البرمجة، نظراً لمحاولة الشركات استغلال المعلومات التي تجمعها. ومن المتوقع أن يزداد عدد مطوري البرامج في العالم من 23.9 مليوناً في عام 2019 إلى 28.7 مليوناً في عام 2024 (29). وتشمل الوظائف الأخرى التي ستبرز في السنوات القادمة متخصص الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، ومطوّري البرامج والتطبيقات ومحلليها، ومتخصصي البيانات الضخمة، ومحللي أمن المعلومات، ومتخصصي سلسلة الكتل، ومتخصصي التحول الرقمي. وتتطلب هذه الوظائف الناشئة مهارات جديدة، مثل الإبداع والذكاء العاطفي وحل المشكلات واتخاذ القرارات بناء على البيانات المتاحة والتفكير النقدي، كما تزداد أهمية المهارات الشخصية نظراً لحاجة الأفراد إلى المرونة من أجل التقدم في عالم رقمي متغير باستمرار.
مفهوم المهارات المزدوجة
ظهر على مدى العقد الأخير مفهوم المهارات البشرية (على شكل H) لتلبية الاحتياجات الجديدة. ويُشير هذا المفهوم إلى العامل المحترف الذي يمتلك مزيجاً من الخبرة الفنية والرقمية المعمّقة في مجال واحد على الأقل، إلى جانب مجموعة من المهارات الشخصية التي يمكن استخدامها في مجالات مختلفة. وبالتالي فإن العمال المهنيين يتميّزون باتساع خبراتهم وعمقها. ويعكس هذا الاتساع استعداد الفرد وقدرته على التعاون مع مختلف الصناعات والقطاعات والتخصصات. أما عمق التجربة فيشير إلى مستوى الخبرة والمهارات والمعارف ذات الصلة بالصناعة التي يمتلكها الفرد. ويهدف النموذج المزدوج إلى إبقاء الفرد في محور جميع النشاطات، ويعترف بوجود فائدة واضحة لإشراكه بفعالية في عملية التعلم المستمر. وهو ما يتنزّل تماماً في مفهوم التعلم مدى الحياة الذي يشجع الأفراد على اكتساب مهارات جديدة بصورة مستمرة. ومن ثمّ يكون الهدف النهائي لهذا الجهد هو تجسير فجوة المهارات الآخذة في الاتساع، والتي تؤثر حالياً في جميع الصناعات والقطاعات.
يجب تطوير نماذج تعليم جديدة تسهل التعلم مدى الحياة وتلبي احتياجات السوق. وللغرض، تحتاج الصناعة والمؤسسات الأكاديمية إلى العمل معاً عن قرب، قصد تصميم برامج تدريبية تزود المتدربين بالمهارات الفنية والشخصية التي سيحتاجونها للمنافسة في سوق العمل. ومن خلال تحديد المهارات اللازمة للمستقبل ورفع مستوى الوعي بها، سيتمكن القادة السياسيون من مواءمة مناهج المهارات الوطنية في دولهم مع احتياجات الصناعة، وتطوير برامج تعليمية شاملة ومستدامة. وهذا سيسهم في الحد من فجوات المهارات الوطنية ودعم تحقيق الهدفين الرابع (التعليم الجيد) والثامن (العمل اللائق ونمو الاقتصاد) من أهداف التنمية المستدامة.
لقد بيّنت نتائج تقرير مستقبل المعرفة الصادر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي أنّ صُنّاع السياسات وقادة الأعمال والمؤسسات التعليمية والمنظمات الدولية والمجتمعات المحلية مطالبةٌ اليوم بمزيد الانتباه إلى المجالات الناشئة الجديدة التي تكتسب أهمية استراتيجية بالنسبة للدول. ولئن بدا أنّ جميع الدول التي شملها التحليل في هذا التقرير باشرت خطوات لاستكشاف المجالات الاستراتيجية الناشئة، فإنّ معظمها لم يضع بعد استراتيجية لبناء الأسس اللازمة لتوفير فرص معرفية جديدة للأجيال القادمة؛ وهو ما يتطلّب جهوداً إضافيةً ضخمةً لتحويل التغيير إلى فرصة. من هذا المنظور، قدم التقرير إطار عمل لبناء وتنفيذ استراتيجية للمعرفة المستقبلية نطلق عليه اسم «إطار مستقبل المعرفة»، وهو يتضمن عنصرين:
- -استراتيجية المعرفة المستقبلية
- -أدوات تطوير المعرفة المستقبلية.
وسيكون على الشباب، قادة المستقبل، الاعتراف بأهمية خدمات الأعمال كثيفة الاعتماد على المعرفة.
وستزيد التكنولوجيا من اعتماد هياكل العمل الحديثة على قوى عاملة تواكب أحدث التطورات المتعلّقة بما أسميناه في هذا التقرير «التكنولوجيات الأساسية للمستقبل » (الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والتكنولوجيا الحيوية وسلسلة الكتل)، وتتقن المهارات الاجتماعية والعاطفية والمعرفية ذات الصلة. وسيكون على قادة المستقبل إعادة تعريف الصناعات والمهارات اللازمة لمواكبة التطورات التكنولوجية ووضع استراتيجية واضحة للمستقبل تضمن استدامة النمو والمؤسسات. وقد يؤدّي غياب هذه الاستراتيجية إلى تكبّد الدول تكاليف كبيرة تقوض رفاهيتها الوطنية. ولذلك فإنّ وعي القادة بالأهمية الاستراتيجية للتكنولوجيات والصناعات والمهارات المستقبلية سيكون عاملاً حاسماً في تحقيق النمو المستدام على المستوى العالمي والنجاح في تحقيق الأهداف الطموحة مثل أهداف التنمية المستدامة. ولتوجيه مجتمعاتنا. سيكون على هؤلاء القادة معرفة موقعهم الحالي، وتحديد اتّجاه سيرهم، وتوفير قوة الدفع اللازمة للوصول إلى السرعة المطلوبة.
إن البحث والتطوير والتعليم التقني والتدريب المهني تعتبر من وجهة نظرنا مجالات التركيز الرئيسة في هذه العملية، ونرجّح أن تساعد السياسات القائمة على البحوث على تحسين الاستخدام الأمثل لرأس المال المادي والبشري والاجتماعي، دون إغفال فوائد التحليل المتعدد التخصصات وتعزيز التآزر بين القطاعات.
5- الختام
نحن لا نرى اليوم سوى قمة جبل الجليد فيما يتعلق بآثار الثورة الصناعية الرابعة على القدرة التنافسية للبلاد ومواطنيها وطبيعة صناعاتها وشركاتها. صحيح أن التكنولوجيات الجديدة تغير العالم الذي نعرفه، ولكن اتجاه هذا التغيير ما زال غير مؤكد. فهل ستسهم هذه التكنولوجيات في خلق مجتمع أكثر شمولاً واستدامة، أم أنها ستزيد من عدم المساواة والانقسام الاجتماعي واستقطاب الأفكار؟ الاحتمالان قائمان، ومسار التحول يعتمد إلى حد كبير على ما نفعله اليوم. فالكثير من القادة الحكوميين والشركات والأفراد يحاولون البقاء في المقدمة من خلال معالجة الاختلالات السطحية التي تحدثها التكنولوجيات على المدى القصير، ولكن فهم القوى الكامنة وراءها واستغلالها يمكن أن يحقق فائدة أكبر على المدى الطويل. لذلك فإن الوعي هو الأساس. وعلينا جميعاً - سواء كنا قادة أم مواطنين - أن نسعى جاهدين للكشف عن التحولات القادمة في الصناعة والتكنولوجيات الجديدة والتنبؤ بها بشكل أفضل إذا كنا نريد بناء المستقبل الذي نود أن نعمل ونعيش فيه. ونظراً إلى تسارع ظهور الثورات الصناعية الجديدة، فإن الذين سيعرفون كيفية توقع التغيير الكبير التالي هم الذين سيوجهون بأيديهم دفة المستقبل.
* د. هاني تركي مدير مشروع المعرفة لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
1. .European Commission, 2018b
2. .Panetta, 2018
3. .Organisation for Economic Co-operation and Development, 2017
4. .Hagel et al., 2013
5. .PricewaterhouseCoopers, 2017a
6. .Sadowski and Powell-Tuck, 2019
7. .The Guardian, 2018
8. .Wiggers, 2019
9. .Casselman, 2018
10. .Elkin and Witherspoon, 2019
11. .World Economic Forum, 2019b
12. .McKinsey & Company, 2018
13. .World Economic Forum, 2018a
14. .Organisation for Economic Co-operation and Development, 2017
15. .LVMH
16. .AURA
17. .ConsenSys, 2019
18. .IBM Food Trust
راجع .19 https://www.ibm.com/blockchain/solutions/food-trust.
20. .United Nations Development Programme, n.d.
21. Building Blocks initiative
راجع .22: https://innovation.wfp.org/project/building-blocks.
23. United Nations Framework Convention on Climate Change, 2018
24. World Economic Forum, 2019d
25. World Economic Forum, 2016
تعرّف منظمة الابتكار التكنولوجي الحيوي علم الأحياء الاصطناعي بأنه تخصص . 26
جديد يقوم على تطبيق المبادئ الهندسية على علم الأحياء. وهو يهدف إلى إعادة
تصميم وتصنيع مكونات وأنظمة حيوية غير موجودة في العالم الطبيعي. ويجمع علم
الأحياء الاصطناعي ما بين التوليفة الكيميائية للحمض النووي والمعرفة المتنامية
بعلم الجينوم، لتمكين الباحثين من التصنيع السريع لسلاسل الحمض النووي
Biotechnology Innovation . :وتجميعها في جينومات جديدة. راجع
Organization, 2019
27. Reuters, 2019
28. World Economic Forum, 2019a
29. Evans Data Corporation, 2019