كيّف تخلَّصت كوبا من الأمّيّة في الستينيات

معرفة القراءة والكتابة من الضرورات الحياتية، لكن هناك من لا يتقنها، ولتعرُّف أنجع السبل لمساعدة هؤلاء، فإن قصة كوبا في كيفية إدارة برنامجها لمحو الأمية ينبغي أن تكون ذات أهمية لمن يكافحون الأمية في العالم.

ربّما ما هو مسجّل في الكتب والمجلات هو أن الثورة الكوبية في 1 يناير 1959 قادها الزعيم الشيوعي فيدل كاسترو للإطاحة بقوة بنظام الرئيس الكوبي الأسبق فولغينسيو باتيستا الذي كانت الولايات المتحدة تدعمه حينها.

عندما تولى كاسترو السلطة أدرك أن العديد من الأشخاص الذين لم يعجبهم نظامه الجديد هاجروا، بالتالي وجد نفسه أمام مشكلة هجرة الأدمغة. علاوة على ذلك، كانت الدولة تعاني من مشكلة الأمية، حيث 60 % فقط من السكان كانوا يستطيعون القراءة والكتابة. وكان حضور الطلاب في المدارس أيضاً منخفضاً جداً.

لقد أدرك كاسترو أنه إذا أُريد لكوبا أن تتحد، وأن يفهم الناس ما هي خططه للدولة، فعليه مساعدة الجميع على تعلم القراءة والكتابة، بما في ذلك الفلاحون الفقراء في المناطق الريفية. كان لا بد من تسوية الفجوة الكبيرة بين المتعلمين في المراكز الحضرية والفلاحين الفقراء الذين يقومون بزراعة الأرض. كان هذا من شأنه أن يساعد على توحيد الناس.

تقول لويزا يارا كامبوس، مديرة المتحف الكوبي لمحو الأمية: «قبل عام 1959 ، كان الريف مقابل المدينة. توحدت حملة محو الأمية في البلاد لأن الناس من المدينة، وللمرة الأولى، فهموا مدى صعوبة الحياة بالنسبة للناس في المناطق الريفية قبل الثورة، وأنهم تدبّروا أمورهم من تلقاء أنفسهم، ولأن الكثير من القواسم المشتركة تجمعهم كان هذا مهماً جداً للحكومة الجديدة» .

أشار بعض الناس إلى أن رغبة كاسترو في مساعدة الناس على القراءة والكتابة كانت بسبب دافعه لنشر الدعاية والمثل العليا الشيوعية. ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أن كوبا قد أدارت برنامجاً لمحو الأمية في الفترة من 1960 إلى 1961 ، استطاعت خلاله رفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة بشكل كبير إلى نحو 100 %. بحلول عام 1962 ، كان معدل معرفة القراءة والكتابة في كوبا 96 %، وكانت واحدة من أعلى المعدلات في العالم. الجهد المبذول حينها لإنجاز المهمة الضخمة معروف الآن للعالم باسم حملة كوبا لمحو الأمية.

كلّف المعلمون جميع الطلاب المشاركين في البرنامج بكتابة رسالة إلى الرئيس كاسترو في نهاية المشروع لإخبارهم بأنهم الآن يعرفون القراءة والكتابة. تقول إحدى الرسائل المعروضة في المتحف ببساطة: «لم أشعر أبداً بأنني كوبي حتى تعلمت القراءة والكتابة. الوطن أو الموت - وسوف ننتصر».

استراتيجية البرنامج

استراتيجية كاسترو لمساعدة الأميين كانت أولاً تعليم المتطوعين الذين سيقومون بتعليم الطلاب القراءة والكتابة. هؤلاء المتطوعون لم يكونوا مجرد مهنيين مدربين، بل من ضمنهم أطفال في المدارس، بين سن 10 و 19 عاماً.

قام البرنامج بتدريب المعلمين المحتملين في أواخر عام 1960 ، لإعدادهم لحملة محو الأمية في عام 1961 . وعدا عن المدربين الأطفال، تطوع عمال المصانع أيضاً لتعليم الأميين في المراكز الحضرية حيث كانوا يعيشون.

بنى كاسترو أيضاً مدارس جديدة لتعزيز محو الأمية. في سبتمبر 1960 ، أعلن كاسترو الحملة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة: «أنشأت الحكومة الثورية، خلال 20 شهراً فقط، عشرة آلاف مدرسة جديدة - وهذا يعني، في هذه الفترة القصيرة من الزمن، أن عدد المدارس الجديدة التي تم بناؤها على مدار 50 عاماً تضاعفت. وكوبا هي اليوم أول دولة في أمريكا تلبي احتياجاتها المدرسية بشكل فعلي، ولديها معلم في كل ركن من جبالها».

ضمت حملة محو الأمية في كوبا
مجموعة كبيرة من الشابات اللواتي
غيَّرن مجرى الحياة الاجتماعية

أطفال يعلّمون الكبار

لقد قام كاسترو بشيء لم يفعله أي قائد آخر من قبل. تعويضاً للنقص الموجود في عدد المعلّمين المدربين، قام بتدريب مائة ألف طفل، ليصبحوا معلّمين للفلاحين الأميين. تضمنت الحملة المكونة من المتطوعين الشباب العديد من الأطفال الذين تم تدريسهم في جلسة لمدة أسبوع على كيفية استخدام كتاب تمهيدي للتدريس. ثم تم إرسالهم إلى المناطق الريفية للعيش والعمل.

عند التحدث إلى معلمي محو الأمية في عام 1961 ، قال كاسترو: «سوف تعلّمون، وسوف تتعلمون ». هؤلاء الأطفال الذين كانوا يبلغون من العمر 10 سنوات، والذين ولدوا وترعرعوا في المدينة سيعيشون ويعملون مع الفلاحين الفقراء في الريف. خلال النهار، كانوا يعملون مع الفلاحين في زراعة الأرض. في الليل، وبعد العشاء، كانوا يشعلون مصباح الكيروسين الذي أحضروه معهم، ويجلسون بجانب مضيفيهم، ويأمرهم باستخدام الكتاب التمهيدي الذي أعطي لهم.

تحدث الكثير من هؤلاء الطلاب عن تجاربهم في تعليم المزارعين الفقراء. قال بعضهم أنهم تعرّفوا جانباً آخر من كوبا لم يروه على الإطلاق، حيث كان الناس يكافحون لأجل لقمة عيشهم يومياً، ويعيشون في مكان لا يعرفون فيه ما يحدث في هافانا وبقية العالم. نمت العلاقات التي أقاموها مع الفلاحين بقوة مع استمرار حملة محو الأمية من أبريل 1961 إلى 22 ديسمبر 1961 .

ظل أولئك الذين كانوا مدربين أطفال في ذلك الوقت على اتصال مع طلابهم الفلاحين بعد انتهاء الحملة، وكتبوا رسائل وأخبروهم بما كان يحدث في مدينتهم. كما كتب الفلاحون الذين يعرفون القراءة والكتابة رسائل إلى مدربيهم الشباب يخبرونهم كيف كانوا يواصلون حياتهم في المزارع. كان بعض المدربين الشباب يزور طلابه الكبار من وقت لآخر بسبب العلاقة الوطيدة التي بناها في أيام الحملة.

بحلول عام 1962 ، كان معدل
معرفة القراءة والكتابة في كوبا
%96 ، وكانت واحدة من أعلى
المعدلات في العالم.

ذهب بعض هؤلاء المدربين الشباب في وقت لاحق في الحياة للتدريب كمدرسين، وخدموا دولتهم لمساعدة الشباب الآخرين على التعلم. تشير موسوعة «ويكيبيديا » إلى أنه عند الانتهاء من حملة محو الأمية، تعلم 70712 من البالغين القراءة والكتابة، مما رفع معدل الإلمام بالقراءة والكتابة إلى 96 %. في تلك الفترة، حاولت مجموعة من الناشطين المناهضين لكاسترو عرقلة برنامج محو الأمية، وتعرض بعض المدربين الشباب في المناطق النائية للمضايقة والتهديد.

تخفيض الحواجز بين الجنسين

لوحظ أيضاً حينها أن حملة محو الأمية في كوبا تضم مجموعة كبيرة من المتطوعات الشابات، بما في ذلك الموجودات في الحملة أساساً. حطمت الشابات الحواجز بعد أن كنّ تحت سيطرة ذكورية قاسية، فلم يكنَّ يخرجن إلى العالم كمواطنات مستقلات.

بالنسبة إلى نورما غيلارد، كانت الحملة في سن 15 عاماً مغامرة. كانت هذه هي المرة الأولى التي تنطلق فيها بعيداً عن المنزل، وقد منحتها التجربة شعوراً بالحرية والاستقلال. قصتها واحدة من القصص المروية في الفيلم الوثائقي بعنوان «مايستراس » الذي يتحدّث عن قصة تلك الحملة الملهمة من خلال ذكريات النساء اللائي خدمن كمدرّسات لمحو الأمية.

كوبا اليوم

بينما كنت أتعرّف الحملة الكوبية لمحو الأمية في عام 2000 ، علمت أيضاً أن الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، كوفي عنان، زار كوبا وأعجب بتقدمها. وقد أثنى على التقدم الكبير الذي أحرزته البلاد في الخدمات التعليمية والصحية، والتي كانت من بين الأفضل في العالم.

كلّف المعلمون جميع الطلاب في
البرنامج بكتابة رسالة إلى كاسترو في
نهاية المشروع لإخبارهم بأنهم الآن
قادرون على القراءة والكتابة.

الشيء الوحيد الذي جعل النظام يتمكن من تحقيق برنامج محو الأمية في فترة قياسية هو منح الناس حرية أكبر لقول ما يفكرون به. كان العالم الخارجي يعتقد أن المثل العليا لكاسترو الشيوعية قد قمعت الناس، ومنعتهم من التعبير عما كان يدور في أذهانهم بحرية.

تُعرف كوبا اليوم بأنها رائدة في برامج محو الأمية والصحة. ويعمل الأطباء الكوبيون الآن في العديد من الدول لمساعدة الحكومات في مبادراتهم الصحية. اعتمد برنامج «كوبا يو سي بويدو » (نعم، أستطيع) من قبل بلدان أخرى لمعالجة مشكلة الأمية لديهم. لقد واصل معلمو محو الأمية الكوبيون مساعدة الدول الأخرى أيضاً في مساعدة الناس على القراءة والكتابة.

كان الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز قد استخدم برنامج «يو سي بويدو » لمساعدة شعبه على القراءة والكتابة، حيث تلقى عشرات الآلاف من الناس التعليم بفضله. في عام 2005 ، أعلنت اليونسكو أن كوبا خالية من الأمية. بعض النتائج البارزة للحملة الكوبية لمحو الأمية هي تنفيذها في أقل من عامين، وكانت مجانية لجميع المشاركين فيها، ناهيك عن استفادة النساء والكوبيين من أصل أفريقي والأقليات الأخرى بشكل كبير من البرنامج.

 

* توماس هوكاهو صحفي مستقل.
- المصدر: ترجمة بتصرّف عن صحيفة «ذا ناشيونال » الصادرة في دولة بابوا غينيا الجديدة.