«كل المواهب لكل الناس »... لا أولوية فوق التعليم
جمع براون فيه خلاصة طريق طويل من البحث عن فرص التعليم للجميع
على مدى عقود من الزمن، مر التعليم في أنحاء العالم كافة بتحديات استطاعت دول كثيرة تجاوزها، وسطَّرت تجارب نجاح رائدة في مجال تعليم الأطفال والكبار، وتوفير فرص الدراسة مهما بلغت الصعوبات. وكان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق جوردون براون، من الشخصيات التي اهتمت بهذه القضية البالغة الأهمية، وأخذت حيزاً كبيراً من مهامه خلال توليه منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة للتعليم العالمي، إذ أصبح منذ ذلك الوقت منكباً، وبكل إصرار، على العمل لضمان التعليم للجميع. وقد كتب هذه المقالات القيمة والمثيرة لكل المعنيين بشأن التعليم في العالم، لتلخص تجاربه ورحلاته التي تعرف من خلالها على الكثير من المآسي التي تحتاج إلى علاج ناجع وجذري، وبالمقابل وجد تجارب ملهمة، مع قلة مواردها وإمكاناتها، إلا أنها تستحق الإجلال والإكبار ورفع قبعة الاحترام، لتكون ملهمة للعالم أجمع.
الكفاح لأجل للتعليم
يصدر براون كتابه، بحديث قد لا يتمالك قارئه نفسه عن إمساك دموع الأسى والحزن على حوادث أودت بحياة أطفال كان من المفترض بهم أن يكونوا على مقاعد الدراسة ينعمون بابتسامة البراءة الممزوجة بالإصرار على متابعة مسيرة التعلّم، ولكن ظروف الحرب ألجأتهم إلى ركوب سفن الموت وأودت ببراءاتهم إلى غياهب البحر. من هنا يبدأ براون توثيقه لتجربته مع التعليم في العالم؛ وليبرز أن الكفاح من أجل التعليم الأساسي ليس مسألةً تقنيةً لتقدير وحساب إحصائيات التسجيل وعدد مقاعد المدارس وأماكن الفصول الدراسية؛ بل الكفاح من أجل التعليم الأساسي صراع العصر من أجل الحصول على الحقوق المدنية.
يكرر براون تأكيداته في مقالاته جميعاً بأهمية إبراز التعليم على مستوى السياسات الدولية كعنصر بالغ الأهمية يجب التركيز عليه، وأنه من غير المقبول أن تكون الجهود الفردية أو البدائية سباقة في ذلك. فالشباب أنفسهم أعلنوا في السنوات الأخيرة رفضهم قبول الواقع وأن حقوقهم ليست سوى ما يحدده الآخرون لهم؛ فإنشاء مناطق خالية تماماً من زواج الأطفال، حيث تتجمع تلميذات المدارس لمقاومة مصيرهن المسبق كعرائس طفلات، يسلِّط الضوء على استغلال الأطفال. ومن دون وضع حد لزواج الأطفال وعمالتهم والاتجار بهم، لن نحقق التعليم الشامل أبداً.
انتهاك صارخ
وبناء على ذلك، يوضح جوردون براون في كتابه «كل المواهب لكل الناس »، أنه لانتهاك صارخ للإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه تمت عسكرة المدارس واستخدامها أسلحةً في الحروب، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه ملاذاتٍ للأمان والسلام. يجب أن تجسد المدارس الملجأ للحصول على الحماية وليس بُنى يتم استهدافها عند إطلاق النيران. والانتهاكات لهذا المبدأ هي جرائم ضد الإنسانية.
بان كي مون
تمثل قصة بان كي مون، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، مصدر إلهام لا يزال براون يركز عليه في كثير من مقالاته، فهي خير مثال على الفائدة التي يمكن أن يقدمها العمل المنسَّق بشأن التعليم الشامل. فقد نشأ بان كي مون في كوريا التي مزَّقتها الحرب، وتمكَّن من التعلم فقط بسبب عمل منظمة اليونيسف، التي قدمت التعليم - على الغالب تحت الأشجار - ومنظمة اليونسكو التي قدمت الكتب، حيث حث أحد الكتب التي تم إرسالها من اليونسكو التلاميذ على العمل الجاد كي يعوضوا الأمم المتحدة عن الجهود المبذولة في هذا السبيل. فقوة التعليم العالمي التي غيرت حياة بان كي مون إلى الأبد يمكن أن تغير حياة ملايين آخرين.
قصص ملهمة
يسعى براون من خلال كتابه إلى إيصال رسالة مفادها أنه لم يكن المنهج التعليمي للطفل أكثر أهمية منه اليوم، لا سيما أنَّ هناك عجزاً في التعليم في كل من التفاهم والتسامح المتبادلين. لذلك فإنه يضع بين دفتي كتابه هذا مقالات تروي قصصاً ملهمة عن رجال ونساء شجعان يحاربون رسائل الكراهية التي نشرها المتطرفون بنشر رسالة التسامح والتفاهم المتبادلين. إنه يحاول جاهداً إبراز أهمية تعليم التسامح، وهو منهج حملت رايته حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، (كما يقول براون) لمستقبل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباقي أصقاع عالمنا إلى حد كبير.
ملالا والتعليم
ومع الحديث عن باكستان، يركز براون في كتاباته ضمن هذه الموضوع عن تلك الفتاة الباكستانية التي واجهت رصاص الجماعات المتطرفة بجسدها متحدية القتل في سبيل أن تبعث رسالة مفادها أننا مصرون على التعلم مهما بلغت التحديات، وإن كانت أرواحنا فداء لتلك الرسالة السامية.
أصيبت التلميذة ملالا يوسفزاي بالرصاص، لأنها لم تعد مستعدة لقبول أمر طالبان بضرورة أن تبقى الفتيات بعيداً عن المدرسة. انضم ملايين الأطفال على مستوى العالم إلى معركتها من أجل التعليم. أبدت الفتيات والفتيان في جميع أنحاء العالم تضامنهم من أجل قضيتها التعليمية، من خلال وضع عصابات الرأس وارتداء القمصان مع شعار «أنا ملالا ». بحلول نهاية يناير، سيتم تقديم عريضة موقعة من مليون طفل من باكستان، غير ملتحقين بالمدارس، إلى رئيس باكستان للمطالبة بفرصة تعليم.
إن رسالة جوردون براون التي ألف الكتاب من أجلها واضحة لا ريب فيها؛ لقد حان وقت التحرك، فبالنسبة لملايين من الأطفال لا يمكن للتعليم أن ينتظر حتى نهاية الصراعات والحروب الأهلية. بينما لا يمكننا ضمان أن الأطفال سيكونون بمأمن نتيجة هذه المبادرات، يمكننا أن نطمئن أولياء الأمور والتلاميذ في جميع أنحاء العالم، بأننا نفعل ما بوسعنا لمواجهة التهديدات المتطرفة، كي ينعم الأطفال بممارسة حقهم في التعليم في مدارس أكثر أماناً والقيام بذلك دون خوف دائم.