نجوى غريس: «مؤشر المعرفة » خريطة طريق العالم نحو الاستدامة
أكدت أن قطاع التعليم ما قبل الجامعي استند إلى رؤية تركِّز على الإنسان كقائد ومحرك للتنمية
نجح مؤشر المعرفة العالمي، الصادر عن مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في أن يكون خريطة طريق للتنمية المستدامة للمجتمعات، حيث يساعد الدول على صياغة استراتيجيات التفكير الاستباقي لدعم المعرفة وتعزيزها باعتبارها عنصراً رئيساً في بناء اقتصاد معرفي أقوى، مع ضمان التنمية المستدامة. ويهدف المؤشر إلى قياس المعرفة كمفهوم شامل وثيق الصلة بمختلف قطاعات الحياة الإنسانية المعاصرة، في سياق مقاربة مفاهيمية ومنهجية متناسقة. وهو ثمرة سلسلة من التقارير التي أنجزها مشروع المعرفة العربي قبل أن ينطلق إلى العالمية.
وانطلاقاً من دورها في تعزيز المعرفة في المجتمعات، واستشراف مستقبلها بمجموعة من المبادرات التي تجمع كبار المتحدثين العالميين، أطلقت مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن بعد، جلسات اليوم الأول من «حوارات المعرفة »، التي تهدف إلى معالجة أهمِّ القضايا المعرفية الراهنة، واستعراض أفضل الممارسات والتجارب العالمية، إلى جانب طرح الحلول لمواجهة التحديات، ولاسيما في ظل انتشار وباء كوفيد 19 ، والتحوُّلات الجوهرية التي طرأت مع تفشي هذه الجائحة. وكان مؤشر المعرفة العالمي، وعلى سبيل الخصوص قطاع التعليم ما قبل الجامعي، هو محور الجلسة التي استضافت الدكتورة نجوى غريس، الأستاذة بالمعهد العالي للتربية والتكوين المستمر، للحديث عن مؤشر التعليم ما قبل الجامعي في مؤشر المعرفة العالمي، حيث أدار الجلسة الدكتور هاني تركي، مدير مشروع المعرفة ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
إفراد التعليم ما قبل الجامعي
بمؤشر يتأتى من قيمة هذه
المرحلة في بناء رأس المال البشري
خريطة طريق
بدأت نجوى غريس حديثها بجولة عامة في مؤشر المعرفة العالمي، حيث أوضحت أنه أصبح خريطة طريق للتنمية المستدامة للمجتمعات، حيث يساعد الدول على صياغة استراتيجيات التفكير الاستباقي لدعم المعرفة وتعزيزها باعتبارها عنصراً رئيساً في بناء اقتصاد معرفي أقوى، مع ضمان التنمية المستدامة.
وأوضحت الدكتورة نجوى أن تقارير المعرفة تؤكد العلاقة التلازمية بين المعرفة والتنمية، وبالتالي لم يعد ينظر إلى المعرفة من المنظور الضيق الذي يمثل المكتسبات التي تخولها الأنظمة التعليمية، وإنما هي نطاق واسع من المعارف التي تحقق التنمية الذكية والعادلة. وطالما أننا نتحدث عن تطور معرفي وتنمية فإنه لا يمكن أن نطور شيئاً لا يمكننا قياسه. ومن هنا كان لا بد من أن تتوافر لدينا أدوات لقياس المعرفة حتى نستطيع أن نشخص ما هي الثغرات ونستطيع أن نتبين أين المواطن التي تستحق التطوير والتنمية.
حاجة ملحة
وأضافت أن أهمية هذا المؤشر تكمن بالخصوص في أنه ولد في ظرف كانت الساحة العالمية تفتقد إلى مؤشر يقيس المعرفة في علاقتها بالتنمية باعتبار أن المؤشر الوحيد الذي كان موجوداً وكان يقيس هذه الأبعاد كان مؤشر منهجية تقييم المعرفة للبنك الدولي الذي كان يرصد الوضع العام لاستعداد البلدان تجاه الاقتصاد القائم على المعرفة لكنه توقف منذ سنة 2012 ، وبالتالي كان هناك فراغ وجاء مؤشر المعرفة العالمي ليسهم ضمن المجهود العالمي في سد هذا الفراغ.
أما القطاعات التي تكوَّن منها المؤشر، فأوضحت الدكتورة نجوى غريس أنه تكون من مجموعة من القطاعات هي قطاع التعليم الجامعي وقطاع التعليم العالي والتعليم التقني والمهني والبحث والتطوير والابتكار تكنولوجيا المعلومات والاتصال والاقتصاد، أضيف إليها كذلك مؤشر آخر لا يقل أهمية باعتبار أن هذه المؤشرات لا تعمل بمعزل عن بيئاتها فهي تتفاعل إذن بالظروف المحيطة وبالبيئات التمكينية التي توجد فيها. وهي قطاعات متفاعلة فيما بينها، ويتأثر بعضها ببعض.
حماية المعرفة
انطلقت أولى جلسات الحدث بمشاركة الدكتور رون يونج، العضو المنتدب في مؤسَّسة «التعليم من أجل التوظيف » بدولة اﻹمارات. وجاءت الجلسة تحت عنوان: «دور الثقافة المؤسسية في إدارة المعرفة الفعالة ». وقد بدأ الدكتور رون يونج حديثه بالحديث عن أهمية دور المعرفة في وقتنا الحالي وربط البروفيسور هذه الأهمية في مواجهة وباء كوفيد 19 والتأكيد أن المعرفة وحدها ستقدِّم لنا الحل، ثم انتقل الحديث نحو دور الثقافة في إدارة المعرفة وحاجتنا إلى إيجاد رؤية وقيم مشتركة وغرض مشترك حتى نحصل على ما نريد، كما تحدث البروفيسور عن أهمية الأمن الإلكتروني والأمن السبراني في حماية المعرفة، وأشار إلى أهمية الدور الذي يقوم به الأفراد في المؤسسات وكيفية التفاعل فيما بينهم ليكونوا مبتكرين باستخدام التكنولوجيا المتاحة، إضافة إلى دور التعليم المستمر ودعم إدارة المعرفة في المستقبل. وانتهى الحوار بالحديث عن استراتيجية وسياسة المؤسسة وأهمية التخطيط المسبق لتطبيق إدارة المعرفة في شتى مجالات الحياة.
الإنسان هو التنمية
أما بالحديث عن التعليم قبل الجامعي، فأوضحت الدكتورة نجوى غريس أن إفراد التعليم ما قبل الجامعي بمؤشر يتأتى من قيمة هذه المرحلة في بناء رأس المال البشري وفي الارتقاء بمنظومة المعرفة ككل باعتبار أن هذه المراحل الأولى من التعليم تؤسس لما سيأتي.
وأضافت غريس، أن مؤشر التعليم ما قبل الجامعي استند إلى الرؤية العامة لمشروع المعرفة، التي تركز على الإنسان كقائد ومحرك لعملية التنمية، وذلك لتعزيز قدراته وتوسيع خبارته بما يؤهله لتنمية ذاته ومجتمعه، وللتفاعل بإيجابية مع التغيرات العالمية، كما تركز على عملية التمكين باعتبارها من أهم آليات التغيير الإنساني المنشود وما تستوجبه من توافر بيئات تمكينية حاضنة ومحفزة على اكتساب المعرفة.
المؤشرات ليست غاية
كذلك من المبادئ التي حرص عليها القائمون على مشروع المعرفة في التعليم ما قبل الجامعي، هي عدم حصر أداء النظم التعليمية في عدد من المتغيرات المحدودة والمتعلقة بالتحصيل المدرسي، بل العمل على بناء مؤشر يظهر هذا الأداء ضمن شبكة من العلاقات تتفاعل فيها العوامل الذاتية المتعلقة مع الظروف البيئية التعليمية وينفتح على المكونات المتعلقة بالقطاعات الأخرى.
أيضاً من الأمور التي تم وضعها في الاعتبار، التأكيد على أن المؤشرات ليست غاية بذاتها، ولا تقاس أهميتها بعددها أو بما ستفضي إليه من معطيات كمية، وإنما بمدى قدرتها على كشف الواقع بكل تجرد وموضوعية، وبقدرة الدول على تحويل الأرقام إلى معلومات تنير القرار التربوي وتساعد على رسم سياسات تطويرية صائبة وفعالة.
الهيكلة العامة للمؤشر
أوضحت الدكتورة نجوى غريس أن مؤشر التعليم ما قبل الجامعي يرتكز على محورين أساسيين، رأس المال المعرفية والبيئية التمكينية، وأنه تم التركيز على رأس المال المعرفي لأن القول بأن المعرفة هي الثروة الحقيقية للأمم يفترض التسليم بأن الإنسان هو الفاعل الرئيس وأن هذا الإنسان يتطلب تربية وتعليماً لتمكينه وتحويله إلى طاقة بشرية مؤهلة ومدربة. وبالتالي فإن فاعلية أي منظومة تعليمية تكمن في ما ستتيحه لأفرادها من أسباب تلقي المعرفة، وما هي النواتج التي تؤول إليها.
وفي معرض حديثها عما وصفتها بالمعضلة الكبيرة في معادلة التعليم، بينت الدكتور نجوى غريس أنه عندما تم دراسة نتائج المؤشر وجد أن البلدان العربية في أغلبها أمنت بصورة واضحة الالتحاق والإتمام في التعليم، ولكن بقيت معضلة النواتج التي لا يمكن قياسها بنسب النجاح أو المعدلات أو الانتقال من مرحلة إلى أخرى فقط. فقد أصبحنا اليوم نتحدث عن جودة التعليم، وهي لا تقاس بالنسب، ولكن تقاس أيضاً بما يتعلمه الطالب فعلاً. فكثير من التقارير ومنها تقرير للبنك الدولي أفادت بأن هناك الكثير من الطلاب ينهون مراحل الدراسة دون أن يتعلموا.
البيئة التمكينية
وأما المحور الفرعي المتعلق بالبيئة التمكينية، فأفادت الدكتورة نجوى أنه يشمل الإنفاق على التعليم، بوصف التعليم أهم عملية استثمارية وإنتاجية تحتاج إلى تهيئة الظروف الملائمة والموارد المالية والبشرية المطلوبة، وهو ما لا يمكن تحقيقه دون توافر تمويل كافٍ وسياسات إنفاق رشيدة، يكون النصيب الأوفر منها للطالب وللعملية التعليمية ككل.
كذلك فإن برامج الطفولة المبكرة ينبغي أن تتاح لجميع الفتيات والفتيان فرص عادلة للحصول على نوعية جيدة منها، وأن يتم رعايتهم في تلك المرحلة التأسيسية حتى يكونوا جاهزين للتعليم الابتدائي. كما لا بد من العناية بالبيئة المدرسية باعتبارها الركيزة الأساسية الثانية والمكملة لعملية التنشئة الاجتماعية، بحيث توفر مناخاً تربوياً جاذباً، ومرافق تعليمية ملائمة وتنظيماً مدرسياً موظفاً لخدمة التعليم.