ملتقى تحدي الأمية... مشعل نور ومعرفة
مبادرة إماراتية محورها تطوير الإنسان العربي لمستقبل أفضل
لم تتمالك نفسها حين تحدَّثت إليها وسائل الإعام وسألتها عن إنجازاتها في محو الأمية، ففاضت عيناها بالبكاء وهي تستذكر تلك الأيام التي قضتها مع الأشخاص الذين أخذت بأيديهم ونقلتهم من ظلمات الأمية إلى أنوار العلم وبصائره التي أضاءت لهم حياتهم. المفارقة في ذلك أنَّ زهرة بنت سلمان العوفية، تلك السيدة العمانية التي كُرِّمَت في ملتقى تحدي الأمية في نسخته الأولى، لم يتعدَّ تحصيلها العلمي شهادة الصف الخامس الابتدائي، ومع ذلك فإنها أسَّست مشروعها المجتمعي التعليمي في سلطنة عمان، وسخَّرت كلَّ ما لديها من أجل تحقيق رسالتها المتمثِّلة بخلق مجتمع متعلِّم ومحو أمية النساء في جميع القرى العمانية، حيث رأت في العمل التطوعي أماً ومستقبلاً من أجل مجتمعٍ خالٍ من الأمية.
ليس بالأمر المستغرب أن يكونَ همُّ الشباب العربي على قائمة أولويات دولة الإمارات العربية المتحدة، فتطلعاتها كانت ولم تزل تصبُّ في تمكين العرب واستعادة مجدهم المبني على المعرفة والعلم والنهضة. ومن هنا كانت دبي من المدن السبّاقة على مستوى العالم في طرح المبادرات والفعاليات النوعية الداعمة للتعليم وبناء الإنسان، بفضل الرؤية الثاقبة لقيادتنا الرشيدة التي تولي التعليم وتأهيل الأفراد اهتماماً كبيراً في كافة استراتيجياتها التنموية التي تجعل الإنسان محورها الأول. وانطلاقًا من الاستثمار في الإنسان العربي كانت انطلاقة مبادرة «تحدي الأمية » التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لتنهض بالمستوى المعرفي للطبقة الأمية التي مثَّلت نسبتُها الكبيرةُ مشكلةً تعوق التنمية والازدهار الذي ترنو إليه كلُّ الدول.
الأمية خطر يهدد الأمن
القومي، والأميون ثروة ضائعة
يجب استثمارها
كان «ملتقى تحدي الأمية » الذي انطلق برعاية سموه، وتحت توجيهات سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس دبي للإع الم، رئيس مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، مؤتمراً عالمياً في قلب دبي، عكفت من خلاله المؤسَّسة على توفير منصة شاملة تجمع الخبراء والمعنيين بمجال محو الأمية من كافة دول العالم، لتبادل الخبرات والتجارب وتوطيد أواصر التعاون والعمل المشترك لتقديم الحلول الناجعة للقضاء على الأمية في الوطن العربي، وتسليط الضوء على تجارب الأفراد والمؤسَّسات الملهمة في مجال محو الأمية إضافة إلى تكريم أصحاب الإنجازات في مجال محو الأمية، وتنظيم ورش عمل لعرض أحدث الدراسات والتجارب الإقليمية والدولية المرتبطة بالأمية، ومحاولة الوصول إلى أفضل التجارب المناسبة لخصوصيات المنطقة العربية.
ثروة يجب استثمارها
كان ملتقى تحدي الأمية ثمرة لشهور عديدة سبقته، وجهود كبيرة للبحث عن أولئك الأبطال الذين رهنوا أنفسهم وطاقاتهم في خدمة أبناء مجتمعاتهم من الذين لم تساعدهم ظروفهم على اللحاق بركب العلم في المدارس النظامية، والمؤسَّسات التي وضعت على عاتقها همَّ محو الأمية على قائمة أجندتها، وهي موقنة أنَّ العلم والمعرفة هما السبيل الوحيد للنهوض بالمجتمع والوصول بالدول إلى التنمية والتقدم. فالأمية – كما صرح بذلك سعادة جمال بن حويرب في لقاءاته وزياراته للمسؤولين العرب - خطر يهدد الأمن القومي، والأميون ثروة ضائعة يجب استثمارها.
معايير مبتكرة
بناء على عالمية الرسالة السامية التي تسعى الإمارات ودبي دائماً إليها في كافة مبادراتها ومشروعاتها، فقد جاءت مبادرة تحدي الأمية شعلة أمل أطلقت من دبي لتنير الدرب لجميع العالم العربي الذي يقبع الكثير من أفراده تحت وطأة الأمية. من هنا كانت معايير اختيار المشاريع المكرَّمة تستند إلى معايير الابتكار في التعليم من أجل التنمية المستدامة التي تتطلَّب تجاوز «التفكير في العمل كالمعتاد »، كما ينبغي أن يبرهن المشروع المرشَّح على اتّباع نهج مبتكر في التعليم من أجل التنمية المستدامة، سواء أكان ذلك في الموضوعات التي يغطيها، أو المنهجية التي يستخدمها، أو طريقة تصميم بيئة التعلم. يمكن أن يكون الوصول إلى قطاعات خارج التعليم والعمل مع شركاء جدد علامة على الابتكار. إضافة إلى إحداثه تحسناً كبيراً في أعداد المتعلمين وزيادة كبيرة في كفاءتهم مع السعي المتواصل إلى التحسين.
كما ينبغي أن يمارس المشروع أو البرنامج التعليم كتعليم تحويلي لدعم التنمية المستدامة، ما يؤدي إلى التغيير الفردي والمجتمعي، حيث يمكّن التعليم التحويلي المتعلمين من تغيير أنفسهم والمجتمع الذي يعيشون فيه. ولذلك ينبغي أن يتيح المشروع/ البرنامج للمتعلمين إحداث تغييرات في عالم أكثر عدلاً وسلمية واستدامة. وهذا يمكن أن يعني، على سبيل المثال، تغيير أنماط التفكير، والاستثمار الأمثل للإمكانات والموارد الطبيعية، وتطوير روح المبادرة الاجتماعية وسبل العيش المستدامة، أو دعم جهود القضاء على الفقر.
أبطال التحدي.. مشاعل نور
في دورته لعام 2018 ، كرَّم تحدي الأمية الروَّاد الذين أسهموا في مواجهة الأمية بمشروعات ومبادرات بنّاءة أثمرت عن نتائج إيجابية في تعزيز دور العلم والمعرفة ضمن المجتمعات العربية التي استهدفتها. وذلك خ الل فعاليات قمة المعرفة 2018 ، التي نظَّمتها المؤسَّسة تحت شعار «الشباب.. ومستقبل اقتصاد المعرفة ». وتمَّ تكريم كلٍّ من: وزارة التربية والتعليم في جمهورية مصر العربية عن فئة الحكومات، وذلك عن دورها الرائد في تحديث وتطوير منظومة التعليم قبل الجامعي في مصر وذلك في إطار المشروع القومي للتعليم. كما حصدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو »، الجائزة عن فئة المؤسَّسات والمنظمات الدولية، لما قدمته من مشاريع نوعية في مختلف دول العالم للقضاء على الأمية. كذلك حصلت الدكتورة الشفاء حسن، مديرة كرسي «اليونسكو » والمنظمة الإس المية للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو » في جامعة العلوم والتكنولوجيا في جمهورية السودان، على الجائزة عن فئة الأفراد، حيث عملت على تأسيس مشروع محو اﻷمية العلمية والتكنولوجية الشامل للمرأة في السودان، والذي استفادت منه 2420 امرأة.
توصيات الملتقى مثَّلت خريطة
تطريق نحو محو الأمية وتعزيز
نشر المعرفة لتحقيق التنمية
العربية الشاملة
منصة عالمية
رأت مؤسَّسة محمد بن راشد آل مكتوم أنَّ تحدي الأمية مبادرة رائدة ينبغي أن تُخَصَّص لها قمة مستقلة تناقش من خلالها مع المسؤولين والمتخصصين الفرص والتحديات التي تواجه الدول العربية للقضاء على الأمية، إضافة إلى توفير منصة شاملة تجمع الخبراء والمعنيين بمجال محو الأمية من معظم دول العالم، لتبادل الخبرات والتجارب. فكان الملتقى الذي انعقد في دبي تحت شعار «تحديات وحلول ». حيث كُرِّمَ عن فئة الحكومات محافظة الوادي الجديد في جمهورية مصر العربية، والتي بثّت الأمل للأميين ببرامج فائقة الأثر، نتج عنها انخفاض نسبة الأمية في المحافظة إلى 2 %، وهي الأقل في جمهورية مصر العربية.
أمّا عن فئة المؤسَّسات، فَكُرِّمَت مؤسَّسة فودافون مصر لتنمية المجتمع، إذ عملت على تنفيذ أعمال وأنشطة غطت 100 قرية في مصر، لتشمل تطوير 100 مدرسة، وبناء قدرات 57 ألف طالب، وتدريب أكثر من 2500 مدرس من القائمين على العملية التعليمية، وتقديم ما يقارب 100 ألف خدمة طبية، إضافة إلى محو أمية 419 ألف مواطن مصري. وعن فئة الأفراد، تمَّ تكريم كلٍّ من السيدة العمانية زهرة بنت سلمان العوفية، التي أسَّست مشروعها المجتمعي التعليمي في سلطنة عمان، وسخَّرت كلَّ ما لديها من أجل تحقيق رسالتها المتمثِّلة بخلق مجتمع متعلِّم ومحو أمية النساء في جميع القرى العمانية. ومحمود عباس، مؤسِّس ومدير جمعية الأطفال والفتوّة، من فلسطين، الذي حمل على عاتقه همَّ من لم تسعفهم ظروفهم لتحصيل التعليم النظامي، دون النظر إلى جنسياتهم، فكان أن أسَّس مشروعه «مركز الأطفال والفتوة عام »1996 ، الذي يُعَدُّ أولَ مؤسَّسة اجتماعية فلسطينية في لبنان تقوم على أساس تطبيق الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
توصيات بنّاءة
مثّل ملتقى تحدي الأمية طاولة مستديرة جمعت أصحاب الخبرة والمعرفة والتجارب الناجحة في مجال تحدي الأمية، على مستوى المنظمات الدولية والمؤسَّسات الوطنية والأفراد، وهذا ما جعل منه فرصة لتلاقي العقول وتبادل الأفكار حول مشكلة الأمية. وقد قام المشاركون بدراسة الوثائق التي أعدتها الجهات المنظِّمة والمشاركة في الملتقى وناقشوا المداخ الت المختلفة التي قدمها الخبراء الدوليّون من اليونسكو والخبراء من دولة الإمارات. ليخرج الملتقى بتوصيات تمثل خريطة تطريق نحو محو الأمية في العالم العربي.
▪ ▪ توفير الدعم والمساعدة على الصعيدين الوطني والإقليمي لكسب المزيد من التأييد لقضية محو الأمية وتعليم الكبار.
▪ ▪ دعم قدرات الدُّول في مجال تبنّي سياسات وتوجّهات وبرامج معاصرة في تعليم الكبار في إطار التعلُّم مدى الحياة.
▪ ▪ تعزيز استفادة الدُّول العربية من التقرير العالمي عن تعليم الكبار.
▪ ▪ تشجيع الدول العربية على الاستفادة من مدخلات استراتيجية اليونسكو لمحو أمية الشباب والكبار 2020 - 2025 .
▪ ▪ تطوير محتوى إلكتروني حول مفاهيم ومضامين ومنهجية التعلم مدى الحياة.
▪ ▪ الإسهام في إيجاد فضاءات ومنصات عالمية من شأنها تعزيز تبادل الخبرات والمعلومات وربط ما يحدث على الصعيد الدولي والإقليمي.
▪ ▪ تهيئة السبل أمام الدول العربية للاستفادة القصوى من مدخ الت ومخرجات المؤتمر العالمي حول تعليم وتعلُّم الكبار، الذي سوف يعقد في المملكة المغربية 2022 .
▪ ▪ التوصية بتشديد العقوبات على الأسر التي يتسرَّب أطفالها من مراحل التعليم.
▪ ▪ إنشاء مسارات مختلفة للتعليم الابتدائي لجذب الأطفال المتسربين من التعليم.
▪ ▪ العمل على تغيير القوانين المحددة لسن الأمية للقضاء عليها في مراحلها المبكِّرة في الأعمار الصغيرة.
▪ ▪ دعوة المنظَّمة العربية للتربية والثقافة والعلوم إلى تبنِّي تلك التوصيات وعرضها على مجلس وزراء التعليم العرب لاعتمادها.
تعليم مدى الحياة
لا ينفك موضوع مواجهة الأمية عن مسألة تعليم الكبار، إذ هما وجهان لعملة واحدة، وانطلاقاً من التحديات التي يواجهها التعلُّم المستمر للكبار والمتمثلة في أزمات مثل الزيادة السكانية، والاقتصاد الجديد، والصراعات السياسية، إلى جانب أزمة اللاجئين، وعدم توافر فرص متساوية في التعليم للنساء، وغيرها، جعلت منه قضية محورية في ملتقى تحدي الأمية، وقد نتج عن الجلسات المتعلقة بهذه المسألة المهمة من مسائل مواجهة الأمية توصيات بنّاءة أكَّد المشاركون فيها ضرورة تبنيها لينعم أبناء المجتمعات العربية بحياة ملؤها العلم والمعرفة. خلاصة هذه التوصيات:
▪ ▪ ضرورة أن يكون التعلُّم مدى الحياة مطلباً إلزامياً دولياً، وأن تصل مرحلة التعلُّم إلى القدرة على الفهم والتحليل ونقل المعرفة للآخرين.
▪ ▪ التركيز في تعليم الكبار على اكتساب المهارات المهنية والحياتية والوطنية، والتأكُّد من مستوى مُقدِّم التعليم، وهو المعلِّم، وتأهيله بشكل جيد.
▪ ▪ الاستفادة من النجاحات المتحققة في هذا المجال من الاهتمام بالتعليم المهني وتنوع برامج تعليم الكبار، مع استخدام وسائط متعددة في هذه البرامج، والتوجه نحو التعليم المفتوح إط الق مبادرات إبداعية تساعد على التعلُّم مدى الحياة، ومن أبرزها العقد العربي وتحدي الأمية.
▪ ▪ إنَّ ضعف توافر البيانات يشكِّل عائقاً رئيساً للتصدي لأوجه عدم المساواة في المشاركة بتعلُّم الكبار وتعليمهم، على جانب أنَّ تمويل تعلّم الكبار وتعليمهم غير ملائٍم وكافٍ.
▪ ▪ ربط المعايير والرؤية الفكرية لبرامج تعليم الكبار بآلية تطويره وأهدفه الاستراتيجية، وهنا تظهر ضرورة ربطه برؤية استشرافية تهدف لبناء مجتمع متعلم مستدام.
▪ ▪ إنَّ تعلم الكبار لا يتوقَّف على أساسيات التعليم كالقراءة والكتابة، بل يستهدف التمكين وتحقيق الاندماج الاجتماعي.
▪ ▪ ضرورة ديمومة واستمرار التعليم، وتطوير المهارات المكتسبة، وتبني المهارات الرقمية والعملية، وتوفير فرص التوظيف للمتعلمين .
▪ ▪ ضرورة توفير برامج التعليم والدعم والتوعية النفسية والاجتماعية للأطفال والكبار في مناطق النزاع المسلح، إضافة إلى أهمية قياس الأثر الاجتماعي لهذه المشروعات.
منصة جمعت الخبراء
والمعنيين بمجال محو الأمية
لتبادل الخبرات والتجارب
وتوطيد أواصر التعاون والعمل
المشترك لتقديم الحلول
الناجعة للقضاء على الأمية