جائحة كورونا والعلاج بالمعلومات الوهمية
سمعنا من قبل عن مصطلح العاج بالقراءة الببليوثيرابيا Bibliotherapy ، والآن ظهر لنا مصطلح جديد، وهو العاج بالمعلومات الوهمية أو الإيحاء، هذا النوع من العاج يسمى «البلاسيبو» والبلاسيبو كلمة لاتينية الأصل تعني « I shall Please » أي «سأتحسن ». حيث خَلُصت الدراسات والتجارب العلمية إلى أن المعلومات والعواطف تؤثر بالسلب أو الإيجاب في صحة المرضى.
ما هو البلاسيبو Placebo؟
إذاً ما هو البلاسيبو؟ البلاسيبو هو الع الج بأدوية لا تحتوي على مادة فعالة، وإنما تعتمد على المعلومات الوهمية والقدرة على إقناع المريض بها. على سبيل المثال، إذا قدَّمت لمريض يعاني من الصداع النصفي حبوب بلاسيبو، وهي في الأصل عبارة عن قطعة سكَّر مُغلَّفة تأخذ شكل وطعم الحبوب الدوائية ولا تحتوي على مادة فعّالة، وأقنعت المريض أن هذه الحبوب تحتوي على مادة فعّالة قوية لمعالجة آلام الصداع، هنا يستقبل العقل هذه المعلومات الوهمية ويحوِّلها لإشارات يبُثها على هيئة أوامر عن طريق الحبل الشوكي لجميع أجهزة الجسم، وتحديداً المنطقة المراد علاجها، وكأنه يُهيئها للترحيب بهذا العقار وُيخبرها بقدوم المساعدة، ومن ثم يشعر المريض بتحسن. وهل هذا صحيح؟ نعم هذا صحيح؛ حيث إن العقل له تأثير قوي في الجسم. هذه العلاقة أكدتها البحوث والتجارب العلمية في هذا المجال، وأكَّدتها أيضاً السنة النبوية في أحاديث عِدَّة نذكر منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمّى ». فهذه دلالة قوية تشير إلى أن أعضاء الإنسان متشابكة بعضها مع بعض، ومركز قيادتها العقل الذي يعمل على أساس المعلومات المرسلة إليه.
كيف ظهر البلاسيبو؟
ابتكر هذا النوع من الع الج الطبيب الأمريكي هنري بيتشر، الأستاذ بجامعة هارفارد إبان الحرب العالمية الثانية، حيث ارتفع عدد الجرحى في صفوف الجيش الأمريكي مع نقص شديد في الأدوية والموروفين المخدِّر؛ وعليه قامت إحدى الممرِّضات بحقن الجنود المصابين بالمحلول المحلّي وإيهامهم بأنَّه موروفين مخدر، وبعد قليل لُوحظ تحسُّن في الحالة المرضية للجنود، ومن هنا جاءت فكرة الع الج بالمعلومات الوهمية «البلاسيبو ». وعن تأثير الع الج بالمعلومات الوهمية يقول فابر بينيد أستاذ علم وظائف الأعضاء بجامعة تورينو بإيطاليا: إن البلاسيبو ظاهرة نفسية عصبية تعتمد على المعلومات المرسلة للمخ ومدى إقناع المريض بها من خ الل ع الج وهمي أساسه المعلومات وظاهره الدواء غير الفعال. وأكد أن هذا الع الج له تأثير حقيقي وملموس في التعافي من بعض الأمراض مثل القلق والاكتئاب والإدمان والأوجاع المزمنة.
البلاسيبو ابتكار حديث أم موروث ثقافي؟
وُجدت حالة من الجدل بين الأطباء حول تحديد ماهية البلاسيبو، هل هو ابتكار حديث أم موروث ثقافي قديم؟ وباستثارة الأدلة التاريخية في الع الج النفسي الذي هو أساس البلاسيبو، تبيَّن أن جذور هذا الع الج ترجع إلى 3500 سنة ماضية، حيث وجدت العبارة التالية مُدونة على ورقة من البردي الفرعوني: «ضع يدك على الألم وقل بصوت مرتفع على الألم أن يزول الآن ،» وهذا دليل على قدرة الإنسان على التشافي من الأمراض بالإرادة أو الاعتقاد؛ لذا فالمريض الذي يتوقَّع الشفاء نتيجة عقار طبي مُعيَّن سيشفى بإذن الله، والعكس صحيح؛ فالمريض الذي يتوقع عدم فاعلية هذا العقار سَيُبطل فاعليته بالإرادة أيضاً مهما بلغت قوة تأثيره في الجسد.
إذاً ما علاقة المعلومات بعلاج المرضى؟
تقول روان عبد الحميد، الباحثة في مجال المكتبات والمعلومات بجامعة الإسكندرية: إن خدمة الع الج بالمعلومات Infotherapy قُدِّمت لأول مرة منذ عقدين من الزمن في مكتبات العلوم الصحية في الدول المتقدمة، ومن هنا ظهر مسمى وظيفي جديد يقدِّم هذه الخدمة، وهو متخصِّص المعلومات الطبية Informationist الذي يصفه ليو دافيدوف، وهو أستاذ ورئيس قسم الجراحة العصبية بكلية ألبرت أينشتاين بمدينة نيويورك، بأنه الشخص الذي يقدِّم المعلومات في سياق الرعاية السريرية للمريض، هذه المعلومات تتمثَّل في سرد القصص Storytelling المبتكرة أو الواقعية المتعلِّقة بمرضه لتحسين حالته النفسية، ويجب أن يكون القائم على هذه الخدمة مُلمّاً بمصادر المعلومات في مجال الصحة النفسية، فضالً عن التحلّي ببعض المهارات الشخصية للتعامل مع المريض.
البلاسيبو علاج بأدوية لا تحتوي على مادة
فعالة وإنما تعتمد على المعلومات الوهمية
والقدرة على إقناع المريض بها
وعن أهمية الع الج بالمعلومات الوهمية «البلاسيبو » يقول الدكتور مارك شيسزر، أستاذ جراحة الجهاز الهضمي بمستشفى هيرزلاندين بسويسرا: إنها ستقلِّل تكاليف الرعاية الصحية للمريض، التي ينفقها في شراء الأدوية والإقامة في المستشفيات وزيارات الطبيب المتكررة، وأيضاً تحافظ على مناعة الجسم التي تُفقدها الموادُّ الكيميائية التي تحتويها الأدوية.
هل البلاسيبو يعالج كورونا؟
حتى هذه اللحظة لم يتم الإع الن بشكل رسمي عن ع الج نهائي لفيروس كورونا، ولكن ما يجري الآن ما هو إلا محاولات واجتهادات لاكتشاف الع الج. ومن هنا قد نحتاج إلى الع الج بالمعلومات الوهمية «البلاسيبو » في ظل الظروف الراهنة. ربما هذا المصطلح سيثير دهشة القارئ ويجعله يتساءل: هل يمكن ع الج كورونا بالمعلومات الوهمية «البلاسيبو »؟ نعم، البلاسيبو ع الج نفسي لكورونا، ويمكن أن يترتَّب عليه الشفاء الجسدي.
يقول الدكتور ديفيد بولوار: إنه أجرى تجربة نشرت نتائجها بمجلة إنجلترا للطب في يونيو 2020 بمعاونة فريق طبي على عينة من المرضى بلغ عددهم 800 مصاب بفيروس كورونا، قُسمت هذه العينة لمجموعتين متماثلتين من حيث العدد، وقُدِّمت لهم حبوب الكلوروكين المستخدمة في ع الج الملاريا على أنها ع الج جذري لهذا الفيروس، ونجحت التجربة وتعافى 630 مصاباً من إجمالي العينة، واتَّضح لاحقاً أن هذا التعافي ناتج عن تهيئة الجسم نفسياً للع الج وليس من آثار الكلوروكين؛ حيث إن التجارب المعملية أثبتت فيما بعد أن المادة الفعالة للكلوروكين لا تعالج فيروس كورونا. ومن التجارب السريرية الحديثة أيضاً في ع الج فيروس كورونا بالبلاسيبو ما قدمته الطبيبة البريطانية إلي كانون ضمن فريق عمل كبير بجامعة أكسفورد، حيث أكدت تعافي بعض المصابين بفيروس كورونا باستخدام البلاسيبو؛ وكان ذلك من خ الل إعطاء المريض جرعة لا تحتوي على أي مواد فعالة، لاكتشاف ما إذا كان الشخص سيتعافى من المرض بفضل استعداده النفسي أم لا؟ وقد نجحت التجربة. وقالت كانون: إن المرحلة الثانية من التجربة ستشمل 10 آلاف مصاب، ومن المتوقع أن تمتد فترة التجربة لمدة عام كامل للتأكد من فاعلية البلاسيبو في ع الج هذا الفيروس. ويقول إريك جي لينز الباحث بجامعة واشنطن الأمريكية، إنه وبمشاركة مجموعة من الباحثين يدرسون حالياً علاجًا جديداً قد يكون الأمل في ع الج فيروس كورونا، وهو دواء فلوفوكسامين »Fluvoxamine« المضاد للاكتئاب، وفقاً لما نشرته صحيفة «ذا صن » البريطانية، وهذا يؤكد صحة ما سبق بأن الع الج النفسي بالمعلومات الوهمية «البلاسيبو » أحد الأسباب الرئيسة للتعافي من بعض الأمراض وعلى رأسها كورونا.
علاج نفسي مساعد
من العرض السابق يجد القارئ نفسه أمام تساؤل بحاجة إلى إجابة: هل البلاسيبو يُغني عن الأدوية ذات المواد الكيميائية الفعّالة؟ استغرقت الإجابة عن هذا التساؤل وقتاً كبيراً من جانب الكاتب لتجميع الآراء المنشورة وتحليلها بشكل منطقي وعرضها في سياق علمي، وعليه يُمكن القول بأن نسبة نجاح البلاسيبو كبيرة في ع الج بعض الأمراض مثل الاكتئاب والقلق والأرق وآلام العظام والإدمان والربو، أي الأمراض المرتبطة بالجانب النفسي والعصبي، أما بالنسبة للأمراض المُعضلة كالسرطان والفيروس الكبدي الوبائي مثلاً فيأتي البلاسيبو كعلاج نفسي مساعد للأدوية ذات المركبات الكيميائية لتهيئة الجسم للتعافي.
أخيراً، قد يُجدي هذا النوع من العلالج «البلاسيبو » نفعاً لمعالجة هذا الفيروس، فالشخص المصاب بكورونا بحاجة إلى ع الج نفسي بالمعلومات الإيجابية الوهمية أكثر من الع الج الجسدي لما يواجهه من تنمّر وعُزلة، فضالً عن النظرة السلبية في أعين الناس تجاهه؛ فقد أصبح منبوذاً في المجتمع. وقد أكّد الأطباء من خ الل تجاربهم أن المعلومات التي تُنقل إلى المريض تؤثر في نفسيته، ومن ثم تؤثر في القلب وبالتبعية تؤثر في باقي أعضاء الجسم؛ فكلما كانت المعلومات والعواطف المقدَّمة لمريض كورونا إيجابية فإن نسبة التعافي تكون أكبر؛ لذا من الواجب علينا الآن أن نمد يد العون لهؤلاء المرضى من خ الل التشجيع وبث المعلومات الإيجابية التي ترفع من معنوياتهم، ونقدِّم لهم جرعات التفاؤل والأمل، وأن ننظر لهم نظرة إيجابية خالية من التنمّر والتهميش، وعلينا أن نعي تماماً أن هذا الوباء ابت الء من عند الله وليس من اختيار الفرد.
*د. عمرو حسن فتوح: مدرس تكنولوجيا المعلومات - جامعة الوادي الجديد، مصر