جاي ساميت: هكذا نعدُّ الجيل القادم لعصر الابتكار اللانهائي

البيانات ركيزة بناء اقتصاد المستقبل

لا عجب في عصر شاع الحديث فيه عن التكنولوجيا المتسارعة أن تكون أكبر سلسلة فنادق على مستوى العالم لا تمتلك فندقاً واحداً! وأكبر شركات سيارات الأجرة لا تمتلك سيارة واحدة، وأكبر شركات الإعلام على مستوى العالم لا تمتلك أي محتوى، وأكبر متاجر التجزئة ليس لديها أي مخزون، وأكبر العملات نموّاً ليست تابعة لأي دولة. ولكن ما يشترك فيه كل هؤلاء هو الاستفادة من كم هائل من البيانات.

انطلاقاً من هذه المقدمة يسلِّط جاي ساميت، رائد الابتكار المعروف، عبر منصة قمة المعرفة 2018 ، على ثلاثة متغيرات متسارعة تؤثر بشكل أكبر في دولة الإمارات: العملة المشفرة (الإلكترونية)، والواقع المعزز، والمثقاب الكهربائي؛ مبيناً أن القيام بالأعمال بشكلها التقليدي قد انتهى؛ فقد استُبدلت اليد العاملة الماهرة باليد العاملة غير الماهرة؛ لتصميم التطبيقات والبرامج، وقد يخسر المحاسبون وظائفهم تماماً؛ لأنه يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بمهامهم. أما فكرة أن الموظف بإمكانه أن يعمل عشرين عاماً ثم يصبح شريكاً فقد ولّى زمانها وانتهت. فما سبب ذلك؟ السبب، برأي جاي ساميت، هو جميع أنواع التكنولوجيا المتسارعة، فتكنولوجيا الجيل الخامس تستهدف نقل كم أكبر من البيانات بسرعة أكبر، وكل شيء فيها يخضع للحوسبة.

تحوّلات الحوسبة

ثمة أربعة تحولات في عالم الحوسبة، فالأول هو الربط بالآلة الذكية، والثاني هو أن الإنترنت يوصلنا بجميع مراكز المعلومات في العالم. أما الثالث فهو أن الهواتف المتحركة مكَّنتنا من حمل المعرفة التي تحصّلت للإنسان منذ 40 ألف سنة مضت! بينما أحضر الواقع المعزّز كل هذه البيانات ووضعها على شاشة أمام أعيننا. لكن، حينما نركز على أمر واحد متسارع، وهو الطباعة ثلاثية الأبعاد، نجد أن هذه التقنية ستحل محل 320 مليون وظيفة على مستوى العالم. يوضح جاي ذلك بقوله: تخيل أن طفلاً وُلد بدون أصابع، فكيف سيؤثر ذلك في حياته وشخصيته! لكن بالطباعة ثلاثية الأبعاد يمكن بأقل من 50 دولاراً أمريكيّاً أن يطبع طرفاً صناعيّاً! كما يمكن أيضاً صناعة القرنية للمحرومين من النظر، وزراعة الأنف، إذاً لن تحتاج إلى انتظار المتبرعين أو وفاة أي شخص.

الطباعة ثلاثية الأبعاد ستحل
محل 320 مليون وظيفة على
مستوى العالم

العملة الرقمية

في الصين، جرت عمليات دفع عن طريق الهاتف المتحرك تقدر ب 5 مليارات دولار في العام 2018 ، الذي يتحدث فيه جاي ساميت أمام جمهور دبي، فقد تخطَّوا عصر بطاقات الائتمان. ولكن ما الذي سيحدث للعملات إذا أصدرت شركة أمازون أو آبل مثلاً عملة بدلً من البتكوين؟ فهي لا تتقيد بالحدود، وموثوق بها، وعقلانية، ولا تستدعي القلق بشأن استقرار الدولة. إذن ستتحرك الأموال بسهولة وسلاسة يداً بيد في كل مكان في العالم! إنها توفر حلًّ لملياري شخص لا يتعاملون مع البنوك، ومع الوقت سنرى تضاؤل عدد الدول التي تتعامل بعملتها، وزيادة أعداد الدول التي تستخدم العملات الرقمية.

ما الأمر المشترك بيننا جميعاً؟ إنها البيانات، %99 من البيانات غير محللة. نحن نتوسع في تكديس البيانات ولم نحلِّلها لنرى ما الأشياء المهمة بها. والشركات الأكثر نجاحاً تستقي أكثر أعمالها من تحليل البيانات، وهذا هو السر! إذن، كمية البيانات الكبيرة المتوافرة تتطلّب إبداعاً أكثر.

الواقع المعزّز

إن شغف جاي ساميت بالواقع المعزز ينبع من الآثار الرهيبة التي تنشأ منه والتسهيلات الخيالية التي يوفرها، فعلى سبيل المثال، في العام 2018 ، بِيعَ في الولايات المتحدة وحدها أكثر من 18 مليون نظارة (يبلغ سعر الواحدة منها أكثر من 100 دولار أمريكي) عن طريق تطبيق واحد هو فوكاس ( Focus )، و 15 مليون نظارة أخرى من تطبيق يدعى صن (SUN)، في المستقبل، لن يحتاج المستهلك إلى شراء نظارة واحدة مرتفعة الثمن تؤدي وظيفة واحدة فقط، بل سيكون بإمكانه شراء نظارة تترجم كل ما تقع عليه عيناك إلى لغة مفهومة، وهذا ما سيكون نقلة نوعية في الإنتاج والخدمات.

يظن الجميع أن الواقع المعزز يعني إضافة الأشياء، لكن الواقع المعزّز يتعلق بتحديد الأشياء؛ فإذا ذهبت إلى الطبيب وأخبرك أنك مصاب بمرض السكري وعليك ألا تأكل المواد الغذائية التي تحتوي السكر، فيمكنك الوقوف أمام متجر يحتوي آلاف المنتجات وتقول: أظهر لي المنتجات التي لا تحتوي السكر، فتختفي المواد التي تحتوي السكر ويتبقى ما تريد.

المثقاب الكهربائي

لعلنا ننتظر من جاي ساميت أن يخبرنا عن قصة المثقاب الكهربائي، وما الذي يريد أن يوضحه من خلاله. لعلنا جميعاً نستخدم المثقاب الكهربائي لمدة ثلاثين دقيقة عندما يلزمنا لإنجاز عمل ما، فلماذا نمتلك مثقاباً كهربائيّاً إذا أمكننا استئجاره؟! فننجز به المهمة ثم نمرِّره إلى الشخص التالي. هذا ما يسمى اقتصاد التشارك، أي إننا لا نحتكر الأشياء المادية التي نملكها؛ فأوبر اقتصاد تشارك، وإير بي إن بي هو اقتصاد تشارك. إذاً لن نصبح في حاجة إلى استهلاك كثير من الأشياء؛ حيث إننا نمتلك البيانات التي تحسّن من احتياجاتنا، ولن يتوجب علينا تحريك هذا المثقاب والأشياء الأخرى في الصناديق من مكان لآخر. وما يربط كل هذا هو تجربة المستهلك الجيدة؛ ففي المستقبل سترتبط خدمة التوصيل المقدمة من أوبر بحساب نت فليكس، ليعرف ما هو موجود على قائمة تشغيلك، وزمن الرحلة، ويقترح ما سيُعرض.

دوام التعلّم

الآن أغلب الناس يضعون حدوداً لقدراتهم، وإذا كان الكون لا حدود له وهو مخلوق مما خُلقنا منه فهذا يعني أننا لا حدود لقدراتنا أيضاً. آباؤنا ومعلمونا حاولوا جاهدين أن يجنبونا الإخفاق مع أن الإخفاق هو أهم شيء يمكن أن نتعلم منه! ابدأ
النظر إلى المشكلات التي في حياتك وفي العالم على أنها فرص. وتذكَّر أنه لا توجد عقبة لا يمكن تخطيها؛ فالنجاح يبدأ في اللحظة التي تُقرر فيها أن تكون على حقيقتك. والطريق الوحيد لفعل ذلك هو الالتزام بالتعلّم المستمر مدى الحياة. ونهاية القول، إنه لن يوظفك أحد إلا إذا استمررت في التعلّم، فداوِم على التعلّم، وواصل القراءة.

 

يعد جاي سامت واحداً من روّاد الأعمال النشطين المعروفين على نطاق واسع في مجال الابتكار، وقد عمل أستاذاً جامعيّاً في جامعة جنوب كاليفورنيا، وكان أستاذاً للابتكار في كبرى كليات الهندسة في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو مؤلف كتاب «إتقان تغيير الشخصية، اغتنام الفرص».