ضرورة مساعدة البلدان الإفريقية خلال أزمة كوفيد 19

أبيبي إيمرو سيلاسي

واشنطن - أرى أنه من السابق لأوانه تحديد حجم الخسائر البشرية والصحية لجائحة كوفيد 19 في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. لكن الأثر الاقتصادي الرهيب للجائحة على المنطقة واضح بالفعل.

لقد عملت في مختلف أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء منذ أوائل التسعينيات، وبالنسبة إليَّ، يُعدُّ حجم التحدي الاقتصادي الذي يُواجه المنطقة اليوم مختلفاً تماماً عن حجم أي تحدٍّ آخر خلال تلك الفترة. سيكون الانكماش الاقتصادي المُتوقع في المنطقة هذا العام - مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.6٪ على الأقل، وبنسبة 4٪ من حيث نصيب الفرد - الأكثر حدة منذ عام 1970 على الأقل.

هناك عدة أسباب تجعل هذا الوباء يُشكل تهديداً قوياً للمنطقة. بداية، كان للأزمات الإفريقية السابقة، مثل تلك الناجمة عن الكوارث الطبيعية وتراجع أسعار السلع الأساسية، تأثير مختلف على اقتصاداتها. ومع ذلك، لن يخرج أي بلد سالم من التداعيات الاقتصادية لهذا الفيروس.

على الرغم من أن عبء فيروس كورونا المُستجد في بعض البلدان الإفريقية ظل محدودًا حتى الآن، فإنَّ هذا ناتج عن تدابير الاحتواء والتخفيف الصارمة التي تتراوح بين عمليات الإغلاق التام وإغلاق الحدود. ونتيجة لذلك، عرف النشاط الاقتصادي الرسمي تراجعاً ملحوظاً في جميع المجالات.

علاوة على ذلك، من المرجح أن يتحمَّل الفقراء وطأة الأزمة. إنَّ الأشخاص الذين يتعيَّن عليهم العمل بشكل يومي وكسب لقمة العيش لإعالة أسرهم مُطالبون الآن بالبقاء في المنازل وممارسة التباعد الاجتماعي. وسوف يتمكن عدد قليل منهم من العمل من المنزل.

في الواقع، يُضاعف التدهور الكبير في البيئة الخارجية من تأثير هذه العوامل. على وجه الخصوص، تؤدي الظروف المالية الأكثر تشدداً والتراجع الحاد في أسعار السلع الأساسية (وخاصة النفط) إلى تفاقم التحديات التي تواجه العديد من الاقتصادات.

أخيراً، ولسوء الحظ، فإنَّ قدرة معظم دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى على تحقيق أي تقدم نحو الاستجابة السياسية المالية والنقدية الضرورية مُقيدة بشدة. تُعاني هذه البلدان من مستويات عالية من الديون الحكومية ومدخرات محلية محدودة، وقد نضبت خيارات التمويل الخارجي الخاص عندما اشتدت الحاجة إليها.

ماذا يتعين على حكومات المنطقة القيام به؟ يجب إعطاء الأولوية القصوى لحماية صحة ورفاه المواطنين. وهذا يتطلب تعزيز الإنفاق لتحسين تأهب أنظمة الرعاية الصحية وتوفير تحويلات نقدية أو عينية مُوجهة للفئات الأكثر ضعفاً. حيثما كان ذلك ممكناً، يجب على الحكومات أيضاً التفكير في توسيع نطاق الدعم المالي للمؤسَّسات الصغيرة والمتوسطة الحجم لضمان استمرارها خلال هذه الفترة الصعبة. يجب تقديم هذه المساعدة بطريقة شفافة ووفقاً لأعلى معايير الحوكمة.

علاوة على ذلك، تحتاج دول إفريقيا جنوب الصحراء أكثر من أي وقت مضى إلى تمويل خارجي واسع النطاق. ويقدر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أنَّ المنطقة تواجه فجوة تمويل حكومي (مع افتراض موقف مالي داعم بشكل متواضع) بقيمة 114 مليار دولار على الأقل في عام 2020.ولن تتمكن الحكومات الإفريقية من جمع هذا المبلغ محلياً.

من جانبه، يمكن لصندوق النقد الدولي تقديم نحو 19 مليار دولار من التمويل السريع الصرف للبلدان الإفريقية هذا العام. وقد تلقت بالفعل بعض الدول الإفريقية التي يبلغ عددها 26 بلداً تمويلاً من مرافق الطوارئ التابعة لها. إضافة إلى ذلك، ستتلقى 19 دولة من أفقر دول المنطقة تخفيفاً مباشراً للديون، مع قيام صندوق الإغاثة الدولي للكوارث واحتواء الاحتياطيات (CCRT) التابع لصندوق النقد الدولي بتقديم منح لتغطية مدفوعات خدمة ديونها تجاه صندوق النقد الدولي التي يحل أجل استحقاقها.

كما يعمل شركاء إنمائيون آخرون مثل مجموعة البنك الدولي ومصرف التنمية الإفريقي على زيادة التمويل. وأطلقت دول مجموعة العشرين مبادرة فعالة لتعليق مدفوعات خدمة الديون حتى نهاية عام 2020 للدول الفقيرة التي تطالب بالتخفيف.

على الرغم من هذه الجهود، لا تزال الحكومات الإفريقية تواجه فجوة تمويل كبيرة متبقية لا تقل عن 44 مليار دولار لعام 2020.

يُعدُّ قيام المجتمع الدولي بسد هذه الفجوة أمراً ضرورياً. ومن شأن توفير هذه الأموال أن يزيد إلى حدٍّ كبير من قدرة البلدان الإفريقية على تنفيذ تدابير مالية للتخفيف من الآثار المدمرة للوباء. وسيكون بوسع المقرضين الدوليين تحقيق واحدة من أكبر الاستثمارات الإستراتيجية طويلة الأجل الممكنة إذا قاموا إلى جانب هذا التمويل بدعم الانتعاش الاقتصادي في المنطقة.

إنَّ ما يحدث في إفريقيا سيؤثر في هذا القرن بطريقة أو بأخرى. بعد عشر سنوات فقط من الآن، ستُمثل إفريقيا جنوب الصحراء أكثر من نصف الزيادة السنوية في القوة العاملة العالمية. علاوة على ذلك، ستأتي الزيادة الهامشية في الاستهلاك العالمي والطلب على الاستثمار من هذه المنطقة على نحو متزايد. كلما كان سكان إفريقيا أكثر صحة، كانت القوى العاملة العالمية المستقبلية أقوى. وكلما كان التمدن في القارة أكثر مراعاة للمناخ، أصبح مستقبلنا أفضل.

من المؤكد أن المبالغ اللازمة يمكن إدارتها. على سبيل المثال، يُمثل التمويل الجديد بقيمة 100 مليار دولار لدعم الانتعاش الاقتصادي في المنطقة نحو 2٪ فقط من الدعم المالي الذي حققته حكومات مجموعة السبع في اقتصاداتها في الأسابيع الأخيرة. ومع انخفاض أسعار الفائدة العالمية كما هي الحال الآن، من الصعب التفكير في وقت أنسب للتعهد بمثل هذا الالتزام لإفريقيا - أو استثمار أكثر أهمية لمستقبل كوكبنا.

أبيبي إيمرو سيلاسي هو مدير القسم الإفريقي في صندوق النقد الدولي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org