التكنولوجيا وأهمية استثمارها في خدمات أفضل للعملاء
* دارون أسيموغلو
** سيمون جونسون
تُفيد تقارير صادرة حديثاً بأن شركة مايكروسوفت سعيدة بإطلاق برنامج الدردشة الآلي المطلق بالذكاء الاصطناعي «ChatGPT» الذي طورته شركة «أوبن أي آي» الأمريكية، وهو برنامج ذكاء اصطناعي بلغة طبيعية قادر على إنشاء نص يُقرأ كما لو أنّ إنساناً هو من كتبه.
ومن خلال الاستفادة من سهولة الحصول على التمويل على مدار العقد الماضي، استثمرت الشركات وصناديق رأس المال الاستثماري المليارات في سباق تسلح الذكاء الاصطناعي، ما أسفر عن تقنية يمكن استخدامها الآن لتحل محل البشر في مجموعة واسعة من المهام.
قد تكون هذه كارثة ليس فقط بالنسبة للعمال، ولكن أيضاً بالنسبة للمستهلكين، بل وحتى المستثمرين.
إنّ المشكلة بالنسبة للعُمال واضحة: سيكون هناك عدد أقل من الوظائف التي تتطلب مهارات تواصل قوية، وبالتالي ستقل فرص العمل بأجور جيدة. سيحتفظ عمال النظافة والسائقون وبعض العمال اليدويين بوظائفهم، لكن يجب أن يتوقع العمال في المجالات الأخرى فقدان وظائفهم في أي وقت. يجب النظر إلى خدمة العملاء. بدلاً من توظيف أشخاص للتفاعل مع العملاء، ستعتمد الشركات بشكل متزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعي المولدة مثل تطبيق «ChatGPT» لتهدئة المتصلين الغاضبين بكلمات ذكية ومطمئنة. إن تراجع معدل الوظائف للمبتدئين يعني فرصاً أقل لبدء حياة مهنية، ما يؤدي إلى استمرار الاتجاه الذي أرسته التقنيات الرقمية السابقة.
قد يُواجه المستهلكون أيضاً تحديات مماثلة. قد تكون برامج الدردشة الآلية جيدة في التعامل مع جميع الأسئلة الروتينية، ولكن ليست الأسئلة الروتينية هي التي تدفع الأشخاص عموماً إلى الاتصال بخدمة العملاء. عندما تكون هناك مشكلة حقيقية، مثل توقف شركة طيران أو انفجار أنبوب في الطابق السفلي لديك، فأنت تريد التحدث إلى محترف مؤهل جيداً ومتعاطف يتمتع بالقدرة على حشد الموارد وتوفير الحلول في الوقت المناسب. أنت لا تريد الانتظار لمدة ثماني ساعات، لكنك لا تريد التحدث على الفور إلى روبوت محادثةٍ بليغٍ ولكنه عديم الفائدة في نهاية المطاف.
في عالم مثالي، على سبيل المثال، تظهر شركات جديدة تقدم خدمة أفضل للعملاء وتستولي على حصتها في السوق. ولكن في العالم الحقيقي، هناك العديد من الحواجز التي تجعل من الصعب على الشركات الجديدة التوسع بسرعة. قد تحب مخبزاً قريباً من منزلك أو ممثل شركة طيران ودوداً أو طبيباً مُعيناً، ولكن فكر في الذي يلزم لإنشاء سلسلة متاجر بقالة جديدة أو شركة طيران جديدة أو مستشفى جديد. تتمتع الشركات القائمة بمزايا كبيرة، بما في ذلك أشكال مهمة للقوة السوقية التي تسمح لها باختيار التقنيات المتاحة التي ينبغي لها اعتمادها واستخدامها كيفما تشاء.
والأهم من ذلك أن الشركات الجديدة التي تقدم منتجات وخدمات أفضل تتطلب تقنيات جديدة، مثل الأدوات الرقمية التي يمكن أن تجعل العمال أكثر فاعلية وتساعد في إنشاء خدمات مخصصة بشكل أفضل لعملاء الشركة. ومع ذلك، نظراً لأن استثمارات الذكاء الاصطناعي تضع التشغيل الآلي في المقام الأول، لم يتم إنشاء هذه الأنواع من الأدوات حتى الآن.
سيخسر المستثمرون في الشركات المتداولة علناً أيضاً في عصر برامج الدردشة الآلية المطلقة. يمكن أن تعمل هذه الشركات على تحسين الخدمات التي تقدمها للمستهلكين من خلال الاستثمار في التكنولوجيات الجديدة لجعل القوى العاملة لديها أكثر إنتاجية وقدرة على أداء مهام جديدة، وكذا من خلال توفير قدر أكبر من التدريب لتحسين مهارات الموظفين. لكنها لا تفعل ذلك. لا يزال العديد من المديرين التنفيذيين مهووسين باستراتيجية سيتذكرها الناس في نهاية المطاف باعتبارها هزيمة ذاتية، حيث تتمثل هذه الاستراتيجية في تقليص فرص العمل وإبقاء الأجور عند أدنى مستوى ممكن. يتابع المسؤولون التنفيذيون هذه التخفيضات اتباعاً لما يأمرهم به المحللون والخبراء الاستشاريون والماليون وغيرهم من المسؤولين التنفيذيين، ونظراً لأن وول ستريت تحكم على أدائهم مقارنة بالشركات الأخرى التي تضغط على العمال قدر المستطاع.
قد يعمل الذكاء الاصطناعي أيضاً على تضخيم الآثار الاجتماعية الضارة للأسهم الخاصة. وبالفعل، بات من الممكن تحقيق ثروات هائلة من خلال شراء الشركات، وتحميلها بالديون أثناء التحول إلى القطاع الخاص، ثم تقليص القوى العاملة لديها - كل ذلك مع دفع أرباح عالية للمالكين الجدد. واليوم، ستعمل برامج الدردشة الآلية وتقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى على تيسير الضغط على العمال قدر الإمكان من خلال مراقبة أماكن العمل، وظروف العمل الأكثر صرامة، وعقود ساعات العمل غير المُحددة، وما إلى ذلك.
قد تُخلف كل هذه الاتجاهات عواقب وخيمة على القدرة الشرائية للأمريكيين - محرك الاقتصاد الأمريكي. ولكن كما نوضح في كتابنا القادم «القوة قيد التقدم: كفاحنا المستمر منذ ألف عام من أجل التكنولوجيا والازدهار»، لا ينبغي أن يكون المحرك الاقتصادي المتعثر جزءاً من مستقبلنا. بعد كل شيء، كان لإدخال الآليات الجديدة والاختراقات التكنولوجية عواقب مختلفة للغاية في الماضي.
منذ أكثر من قرن من الزمان، أحدث هنري فورد ثورة في إنتاج السيارات من خلال الاستثمار بكثافة في الآلات الكهربائية الجديدة وتطوير خط إنتاج أكثر فاعلية. صحيح أن هذه التقنيات الجديدة جلبت قدراً من التشغيل الآلي بلا شك، حيث مكّنت مصادر الكهرباء المركزية الآلات من أداء المزيد من المهام بكفاءة أكبر.
يمكن استخدام الأدوات الرقمية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي لمساعدة الممرضين والمدرسين وممثلي خدمة العملاء في فهم ما يتعاملون معه وما الذي قد يساعد في تحسين النتائج للمرضى والطلاب والمستهلكين. يمكن تسخير القوة التنبؤية للخوارزميات لمساعدة الناس بدلاً من استبدالهم. إذا تم استخدام برامج الذكاء الاصطناعي لتقديم توصيات لمراعاة البشر، فسيتم الاعتراف بالقدرة على استخدام هذه التوصيات بحكمة باعتبارها مهارة بشرية قيّمة. من الممكن أن تعمل تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى على تيسير تخصيص العاملين على نحو أفضل للمهام، أو حتى إنشاء أسواق جديدة.
ومن المؤسف أنه يتم إهمال هذه الفرص، لأن معظم قادة التكنولوجيا في الولايات المتحدة يستمرون في الإنفاق بشكل كبير لتطوير البرمجيات القادرة على القيام بما يقوم به البشر بالفعل. إنهم يعلمون ويمكنهم جني الأموال بسهولة من خلال بيع منتجاتهم للشركات التي طورت الرؤى الضيقة. يركز الجميع على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لخفض تكاليف العمالة، مع القليل من الاهتمام ليس فقط بتجربة العملاء المباشرة ولكن أيضاً بمستقبل القوة الشرائية الأمريكية.
أدرك فورد أنه من غير المنطقي إنتاج سيارات بكميات كبيرة إذا لم يكن باستطاعة الأفراد تحمل شرائها. وعلى النقيض من ذلك، يستخدم عمالقة الشركات اليوم التقنيات الجديدة بطرق من شأنها تدمير مستقبلنا الجماعي.
* أستاذ الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا
* * كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، وأستاذ في كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا