أسعار النفط المرتفعة من الممكن أن تساعد البيئة

جيفري فرانكل

كمبريدج ــ في شهر أكتوبر/تشرين الأول، سجَّلت أسعار الوقود الأحفوري ارتفاعًا حادًّا. فقد بلغت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية ذروة غير مسبوقة. كما وصلت أسعار الفحم الحراري في الصين إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. وتجاوزت أسعار النفط الخام الأميركي 80 دولارًا للبرميل، وهذا أعلى مستوياتها في سبع سنوات، مما دفع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في أغسطس/آب إلى توجيه الدعوة إلى منظمة أوبك والدول الرئيسة الأخرى المصدرة للنفط لزيادة إنتاجها.

على الرغم من أنَّ هذه الأسعار تعكس جزئيًّا عوامل خاصة بكل بلد، فمن المؤكد أنَّ الأمر لا يخلو من سبب أكثر جوهرية. فكما هي الحال مع أسعار الوقود، تعافت أيضًا مؤشرات أسعار السلع المعدنية والزراعية من ركود دام ست سنوات، لتعود إلى مستويات 2014. وتشير علاقة الارتباط الطويلة الأجل بين أسعار السلع الأساسية المختلفة إلى تفسير يتعلق بالاقتصاد الكلي. والسبب الواضح وراء ارتفاع أسعار الطاقة في عام 2021 هو النمو الاقتصادي العالمي السريع.

لكن ما هي الآثار البيئية المترتبة على ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، وتحديدًا في ما يتعلق بمكافحة تغير المناخ؟ يبرز هذا السؤال بشكل خاص مع استعداد المسؤولين من أكثر من 200 دولة للتجمُّع في جلاسجو لحضور مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP26)، حيث من المتوقَّع أن يعلنوا عن اعتزامهم الوصول بصافي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الصِـفر بحلول عام 2050.

من ناحية، يُـعَـدُّ التأثير الذي تخلفه أسعار النفط والغاز والفحم المرتفعة على المستهلكين مفيدًا للبيئة، لأنها تثبط الطلب على الوقود الأحفوري. من ناحية أخرى، سيكون تأثير الأسعار المرتفعة على المنتجين ضارًا بالبيئة، لأنها تشجِّع العرض.

لكن أسعار الوقود الأحفوري المرتفعة اليوم قدمت حتى الآن حافزًا أضعف من المتوقع للاستثمار الخاص في هذا القطاع. يشير هذا إلى أَّن الشركات ربما بلغت نقطة تحوُّل في ما يتعلق بمدى جديتها في التعامل مع الحاجة إلى مكافحة الانحباس الحراري الكوكبي. فهي تعلم أنَّ التحوُّل إلى الطاقة الخضراء قادم لا محالة.

لذا، ربما يكون الآن هو الوقت المناسب لكي تعيد الولايات المتحدة النظر في ضريبة الكربون أو النظام (المكافئ إلى حد كبير) الخاص بتصاريح الانبعاثات القابلة للتداول، والمعروف أيضًا بمسمّى "تحديد السقف والمقايضة". في الوقت الحالي، يذهب قسم كبير من الإيرادات من أسعار النفط والغاز المرتفعة إلى روسيا، والمملكة العربية السعودية، وغيرهما من المنتجين الأجانب. لماذا لا يُـحـتَـفَـظ بهذه الإيرادات في الداخل؟ الواقع أنَّ العائدات المتحصلة من الضريبة أو مزاد التصاريح يمكن إعادتها كأرباح إلى المواطنين من خلال خفض الضرائب المفروضة عليهم، وبالتالي تعظيم القبول السياسي للمخطط.

النقطة المهمة هنا هي أنَّ تحديد سعر للكربون سيكون إلى حد بعيد الطريقة الأكثر فاعلية لتحقيق تخفيضات الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون اللازمة للحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.

في الولايات المتحدة، اعـتُـبِـر فرض نظام السقف والمقايضة أمرًا مستحيلًا من الناحية السياسية منذ زوال قانون ماكين-ليبرمان للإشراف على شؤون المناخ في عام 2007 وقانون واكسمان-ماركي للطاقة النظيفة والأمن الأميركي في عام 2009. لكن الفشل الذي منيت به في وقت سابق من هذا الشهر محاولة بايدن لإقرار برنامج الكهرباء النظيفة في الكونجرس ربما يقدم الفرصة لبديل معقول: ضريبة الكربون.

صحيح أنَّ التنظيم الـفَـعّـال للانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري الكوكبي ــ من خلال ضريبة الكربون، على سبيل المثال، أو مخطط السقف والمقايضة ــ من الممكن أن يتسبَّب في توليد مقاومة سياسية قوية في أيِّ مكان. وربما يرفض المشرعون فرض تكلفة التشغيل الإضافي على الشركات المصنعة الأميركية إذا تسبَّب ما يسمّى التسرب الكربوني، أو نقل الأنشطة الكثيفة الاستخدام للكربون إلى بلدان حيث أسعار الكربون أقل، في وضع هذه الشركات في موقف تنافسي ضعيف.

لكن من الناحية المنطقية، ربما تكون الولايات المتحدة آخر دولة ينبغي لها أن تقلق بشأن استفادة غيرها من ركاب المجان من جهودها في مجال المناخ. الواقع أنَّ مشكلة ركاب المجان التي تثني معظم البلدان الأخرى عن التنفيذ الكامل لاتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 تتمثل في المقام الأول في الخوف من امتناع الولايات المتحدة عن اتخاذ تدابير قوية لخفض الانبعاثات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي (واستمرار الانبعاثات التي تصدرها الصين في النمو بسرعة). إذا تولت أميركا دورًا قياديًّا في العمل المناخي، فمن المحتمل أن يتبعها آخرون.

كانت الولايات المتحدة تاريخيًّا أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم. والآن تصدر الصين كميات أكبر كثيرًا إجمالًا، لكن نصيب الفرد من الانبعاثات في الولايات المتحدة لا يزال أعلى من ضعف مثيله في الصين.

ربما فعلت الدول الأوروبية أقصى ما في وسعها لخفض الانبعاثات. ومن عجيب المفارقات أنَّ الأوروبيين الذين يفترض أنهم أكثر ميلًا إلى التعاون الدولي تبنوا آليات السوق في ملاحقة هذا الهدف، في حين اعتبرت الولايات المتحدة الموجهة نحو السوق هذا النهج أقل جدوى من الناحية السياسية من التنظيم المباشر.

تمتلك أوروبا آليتين على قدر خاص من الأهمية من آليات السوق: فرض ضرائب مرتفعة على البنزين، ونظام مقايضة الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي. من المتوقع بشكل معقول أن يرتفع السعر الفعلي الحالي الذي يبلغ 59 يورو (69 دولارًا) لكل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال هذا العقد.

لكن ماذا عن الدول التي لا تقوم بنصيبها العادل؟ الآن يتحرَّك الاتحاد الأوروبي إلى الأمام في ما ما يتصل بآلية تعديل الحد الكربوني، التي تفرض ضريبة على الواردات من الصلب والألومنيوم والأسمنت والأسمدة والكهرباء ــ وجميعها سلع يتطلب إنتاجها استخدام الكربون بكثافة ــ من البلدان التي لا تفرض سعرًا للكربون يضاهي سعره في الاتحاد الأوروبي.

في عموم الأمر، من الواضح أنَّ احتمال تحول تعريفات التعديل الحدية إلى أداة لفرض تدابير الحماية وانتهاك قواعد التجارة العالمية يشكِّل خطرًا حقيقيًّا. لكن لا ينبغي لها أن تفعل ذلك إذا جرى تنفيذها بموجب قواعد مرسخة من جانب أطراف متعددة باعتبارها ملحقًا مساعدًا لاتفاقية باريس. يتمثَّل المتطلب الأساسي لمثل هذا النظام في حتمية مشاركة الدولة، أو مجموعة الدول، التي تفرض تعريفة تعديل الحد الكربوني، باعتبارها عضوًا ملتزمًا بموجب الاتفاقية الدولية.

لن تلبي الولايات المتحدة حاليًّا هذا الشرط. فهي تحتاج أولًا إلى الاضطلاع بنصيبها في مكافحة تغير المناخ قبل أن تتأهل لبرنامج تعريفة تعديل الحد الكربوني الأميركية الذي يمكن أن يضمن للصناعة المحلية استمرار القدرة التنافسية الدولية. لذا، ينبغي للولايات المتحدة أن تتحرَّك بسرعة لفرض الضريبة على الكربون (مما يقلل من الحاجة إلى استيراد النفط).

مع اقتراب فصل الشتاء في الشمال، تسبَّب الارتفاع الكبير في أسعار الوقود الأحفوري في إثارة قلق العديد من المستهلكين. لكن الأمر قد لا يخلو من جانب مشرق، في هيئة جهود أميركية أكثر فاعلية في التصدي لتغير المناخ ــ شريطة توافر الإرادة السياسية لفرض مثل هذه التدابير.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

جيفري فرانكل أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org