بايدن وحساباته الضريبية الغامضة

ويليم ش. بيوتر، وآن س.سيبرت

نيويورك- الآن وبعد أن اقترحت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خطة للوظائف الأمريكية وأخرى للعائلات الأمريكية، بدأت تسعى الآن لزيادة إيرادات الضرائب الإضافية إلى ما لا يقل عن 4 تريليونات دولار. وعلى عكس البرامج المالية الستة المتعلقة بالوباء، والتي وضعت بين 6 أذار/مارس 2020 و11 أذار/مارس 2021، لا تهدف حُزم الإنفاق الجديدة هذه إلى توفير تحفيز اقتصادي فوري. ونظرًا لأنها برامج اجتماعية وقابلة لإعادة التوزيع، وتركز أكثر على جانب العرض، فستحتاج إلى التمويل إما من خلال الرفع من الضرائب أو تخفيضات الإنفاق. ولا توجد أي تخفيضات تعويضية من هذا االقبيل قيد النظر، لذا، فإن الزيادات الضريبية تبدو أمرًا محتومًا.

وبطبيعة الحال، قد تصل فجوة الإيرادات إلى مستوى أكبر بكثير من 4 تريليونات دولار إذا تبين أن خطة الإنقاذ الأمريكية البالغة 1.9 تريليون دولار، والتي وضعت في أذار/مارس الماضي لم تحقق أهدافها بالكامل من خلال زيادة العجز فقط. وفي هذه الحالة، قد تحتاج إدارة بايدن إلى إضافة تريليون دولار أخرى إلى الإيرادات الضريبية المستهدفة. ولكن لتحقيق الأغراض الحالية، سننظر فيما يتطلبه الأمر لجمع 4 تريليونات دولار.

إنَّ خطة الوظائف الأمريكية هي عبارة عن برنامج إنفاق وائتمان ضريبي مدته ثماني سنوات، ويتطلب 2.25 تريليون دولار من التمويل الضريبي الجديد. ومن المتوقع أن تكون خطة العائلات الأمريكية (التي لم تكتمل بعد) تقريبًا بحجم خطة الإنقاذ الأمريكية. وفي كلتا الحالتين، سيتحقق هدف النفقات الإضافية على مدى عشر سنوات، مما يقتضي 400 مليار دولار إضافية سنويًّا للعقد القادم. ويمكن بلوغ هذا الهدف، ولكن من المرجَّح أن يقع العبء على عاتق الطبقة الوسطى أيضًا وليس فقط الأثرياء.

والحل الذي تقدمه إدارة بايدن هو خطة ضرائب من صنع أمريكا، والتي كشفت عنها بموازة مع خطة الوظائف الأمريكية. ولكن خطة الضرائب هذه لا تضيف شيئًا. فقد اقترح بايدن ومستشاروه مجموعة مُربكة من إصلاحات ضرائب الشركات التي تهدف إلى جمع 2.5 تريليون دولار على مدى السنوات الـ15 المقبلة، مع زيادة معدل ضريبة الشركات من 21٪ إلى 28٪. وسيكون هناك أيضًا حد أدنى للضريبة على أرباح الشركات الأمريكية العالمية بنسبة 21٪، و15٪ كحد أدنى للضريبة على "الدخل الكتابي" (الأرباح المبلغ عنها للمستثمرين، والتي غالبًا ما تكون مختلفة تمامًا عن تلك المستخدمة لحساب الالتزامات الضريبية)، وتدابير مختلفة لثني الشركات الأمريكية عن السفر إلى الخارج حتى تتجنب الضرائب.

ولكن على الرغم من هذه الأحكام، فإنَّ الحقيقة هي أنَّ الشركات متعددة الجنسيات أثبتت مهارتها العالية في نقل نشاطها إلى بلدان ذات ضرائب منخفضة، مما أدى إلى عقود من المنافسة الضريبية. ونتيجة لذلك، انخفضت معدلات الضرائب العالمية على الشركات (التي تقاس بالناتج المحلي الإجمالي) من 46.5٪ في عام 1980 إلى 25.9٪ في عام 2020، مع وجود أعلى المعدلات في إفريقيا جنوب الصحراء بصورة خاصة. ومن ثمَّ، تعتمد خطة بايدن على تعاون دولي كبير، وقد اقترحت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، على النحو الواجب، ضريبة شركات دولية تنطبق على الشركات متعددة الجنسيات بغض النظر عن مكان مقرها الرئيس.

ولكن من غير المرجح أن ينجح هذا النوع من السياسة المنسقة. فعلى أي حال، لم ينجح حتى الاتحاد الأوروبي في تنسيق ضرائب دوله الأعضاء. إذ بينما تفرض ألمانيا وفرنسا معدلات ضرائب على الشركات بقيمة 29.9٪ و32٪ على التوالي، تفرض جمهورية أيرلندا ضرائب على دخل الشركات بمعدل 12.5٪ فقط.

وتؤكد إدارة بايدن أنَّ الزيادات المقترحة في ضرائب الشركات ستجمع 2 تريليون دولار إضافية على مدى 15 عامًا- أو 1.33 تريليون دولار على مدى عشر سنوات- من أرباح الشركات في الخارج. ولكن هذا التقدير يبدو متفائلاً. إذ في عام 2017، كان معدل الضريبة على الشركات في الولايات المتحدة 35٪، وبلغت عائدات ضريبة الشركات 297 مليار دولار. وفي عام 2019- بعد أن خفض الإصلاح الضريبي لإدارة ترامب المعدل إلى 21٪- انخفض رقم الإيرادات هذا إلى 230 مليار دولار. ولكي تنجح حسابات بايدن، يجب أن تكون الإيرادات من ضرائب الشركات أعلى بمقدار 133 مليار دولار- نحو 363 مليار دولار سنويًّا.

وفضلًا عن ذلك، حتى إذا كان بالإمكان زيادة الإيرادات الضريبية المستهدفة على الشركات، فسيفرض ذلك تكلفة معينة. وغالبًا ما تؤدي الضريبة المرتفعة على الشركات إلى زيادة تدفقات رؤوس الأموال الخارجية، وانخفاض النسبة المحلية لرأس المال إلى العمالة، ومن ثمَّ، انخفاض الأجور الحقيقية (المعدلة حسب التضخم). وهذا هو السبب في أنَّ الحكمة السائدة بشأن مهنة الاقتصاد هي أنَّ ضرائب الشركات تعدُّ- بما يتجاوز الأجل القصير- ضرائب ضمنية على العمالة. وبقدر ما تشوه قرارات الاستثمار، فإنها تعدُّ أكثر ضررًا من ضرائب الأجور الصريحة. وهناك أبحاث وفيرة تشير إلى أنه ينبغي إلغاؤها.

وعلى أي حال، حتى لو تمكنت إدارة بايدن من تحقيق أهدافها المتعلقة بإيرادات ضرائب الشركات، فإنها لن تحقق 2.67 تريليون دولار بعد عشر سنوات. ولمعالجة هذا العجز، يجب زيادة ضرائب الدخل الشخصي الفيدراليي على أولئك الذين يكسبون أكثر من 400000 دولار في السنة. ومع الأخذ في الاعتبار أنَّ أولئك الذين يكسبون 400 ألف دولار سنويًّا يقعون في مكان ما بين الشريحة 1٪ و2٪ الأعلى دخلا من جميع أصحاب الدخل، فهل سيؤدي ذلك إلى جمع 267 مليار دولار إضافية سنويًّا؟

وتقدر عائدات ضريبة الدخل الشخصية الفيدرالية لعام 2021 بـ1.93 تريليون دولار أمريكي. وفي عام 2015، حصلت الشريحة 1٪ الأعلى دخلا على نحو 21٪ من إجمالي الدخل ودفعت نحو 39٪ من إجمالي إيرادات ضريبة الدخل. وحصلت الشريحة 2٪ الأعلى دخلًا على 26٪ من إجمالي الدخل ودفعت نحو 47٪ من إجمالي إيرادات ضريبة الدخل. وإذا كانت حصص المدفوعات مستقرة إلى حد ما بمرور الوقت، فإنَّ شريحة 1٪ ستدفع نحو 773 مليار دولار في عام 2021، وستدفع شريحة 2٪ الأعلى دخلًا نحو 908 مليار دولار. وتوصلنا من خلال حسابنا التقريبي، أنَّ الشريحة 1٪ الأعلى دخلًا ستحتاج إلى دفع 35٪ إضافية لتحقيق هدف إيرادات إدارة بايدن؛ وبالمثل، فإنَّ مدفوعات الضرائب من شريحة 2٪ الأعلى دخلًا يجب أن تكون أعلى بنسبة 29٪ كل عام لمدة عشر سنوات.

ولكن جمع ما يقرب من ثلث الضرائب الإضافية من الأثرياء على أساس مستدام لن يكون بالأمر السهل. إذ من المرجح أن يتطلب تحقيق هدف الإيرادات الطموح هذا قاعدة ضريبية أوسع، وليس مجرد فرض ضرائب أعلى على الأثرياء. وخارج الولايات المتحدة، يمكن تحقيق ذلك من خلال زيادة ضريبة القيمة المضافة، وهي ضريبة غير مباشرة واسعة النطاق ذات معدل واحد مع إعفاءات قليلة يتحملها جميع المستهلكين. وعلى الرغم من أنَّ ضريبة على غرار ضريبة القيمة المضافة لن تخدم أهداف بايدن التوزيعية (وقد تواجه اعتراضات دستورية)، فإنها على الأقل يمكن أن تحقق هدفه المتعلق بالإيرادات.

ولكن في الوقت الراهن، من غير المرجح أن توفر المقترحات الحالية لزيادة ضرائب الدخل على الشركات والأفراد التمويل الكامل لخطط بايدن المالية لما بعد الوباء. وسيتعين طرح مقترح توسيع القاعدة الضريبية على الطاولة.

ترجمة: نعيمة أبروش  Translated by Naaima Abarouch

يشغل ويليم إتش. بويتر منصب أستاذ زائر للشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا. وتشغل آن سي. سيبرت منصب أستاذة الاقتصاد في بيركبيك في جامعة لندن.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org