بوريس جونسون يخفق في خطة لمواجهة كوفيد-19

ماريانا مازوكاتو، وأنتوني كوستيلو

لندن- يقول مثل بوذي قديم بصيغة تحذيرية: "إياك أن تنظر إلى الأصبع الذي يشير إلى القمر بدل هذا الأخير". فإذا ركز المرء على الوسائل أكثر من اللازم، قد يغفل عن الغايات. وخير مثال على ذلك، خطة "أوبريشن مونشوت" بمعنى خطة (طموحة جداً فيما يتعلق بالاختبارات)، لرئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، بقيمة 100 مليار جنيه إسترليني (130 مليار دولار)، بهدف تعزيز القدرة الاستيعابية لاختبارات كوفيد-19 في البلاد من 350.000 يومياً إلى عشرة ملايين يومياً بحلول فصل الربيع القادم. ونظراً للطريقة التي صممت بها خطة جونسون، فإنها، على أفضل تقدير، تصرف الانتباه عن إخفاق حكومته المستمر في تنفيذ نظام اختبار وتتبع فعّال؛ وتُمثل، على أسوأ تقدير، جهداً واعياً لتقويض القطاع العام.

ومن المؤكد أنَّ الخطة الطموحة جداً آن أوانها منذ فترة طويلة. إذ يجب على الحكومات أن تعتمد نهجاً موجهاً نحو الأهداف لمواجهة التحديات الجماعية الكبرى مثل تغير المناخ ووباء كوفيد-19. إنَّ خطة الاختبار الشاملة المصممة جيداً والمزودة بمكوني الاختبار والتتبع القويين هي المفتاح لفتح الاقتصاد بأمان، شأنها في ذلك شأن التعبئة الواسعة النطاق للإنتاج الصناعي التي سيكون لها دور حاسم في تحقيق الانتعاش الاقتصادي.

ولكن خطة حكومة جونسون تثير القلق. أولاً، بتركيزها المفرط على الحجم الهائل للاختبارات، فإنها تتجاهل الأغراض الرئيسة للاختبار، والتي تتمثَّل في تشخيص الأفراد، وتتبع مخالطيهم، وتحديد معدلات الإصابة داخل المجتمع. ولتقييم انتشار الفيروس في منطقة معينة، يعدُّ الحصول على عينة غير متحيزة ذات حجم معقول أكثر أهمية بكثير من العدد المطلق للاختبارات التي ستجرى.

وفضلاً عن ذلك، فإنَّ الاختبار الشامل للجميع يستحضر شبح النتائج الإيجابية الخاطئة للاختبارات. وكما أشار المستشار الإحصائي للحكومة، ديفيد سبيغلهلتر، فإنَّ إجراء اختبار دقيق بنسبة 99٪ لعشرة ملايين شخص يومياً سيؤدي إلى 100000 تشخيص خاطئ يومياً، مما سيؤدي إلى حدوث ارتباك وربما تضليل الخدمات الصحية. وعن طريق إعطاء الأولوية للكمية بدل الجودة، يبدو أنَّ مَنْ خططوا لبرنامج "مونشوت" من موظفي الحكومة لم يتشاوروا مع لجنة الفحص الوطنية في المملكة المتحدة.

وتتعلق المشكلة الثانية بالقابلية للتطبيق. فبموجب الخطة، ستواصل الحكومة الاعتماد على الشركات التي تعمل على تعظيم الربح لتحقيق قدرة الاختبار اللازمة. ولكن لماذا يتوقع المرء أن الشركات التي أخفقت في الزيادة في الاختبارات من 700 إلى 7000 يومياً قادرة على إدارة عشرة ملايين اختبار يومياً؟

وكما لاحظ ثيودور أجنيو من مكتب مجلس الوزراء ووزارة الخزانة أخيراً، فإنَّ مثل هذه الاستعانة بمصادر خارجية قد "أفقد الحكومة نضجها" بالفعل، وأسفر عن خدمات متدنية الجودة. وفي الواقع، خلقت الاستعانة بمصادر خارجية لاختبار كوفيد-19 مشكلات بقدر ما خلقت حلولاً، بما في ذلك ضعف مراقبة الجودة، ونقص توافق البيانات مع أطباء الرعاية الأولية، والحواجز التي تحول دون وصول المرضى إلى مواكز العلاج (حيث يضطر كثيرون إلى القيادة لأميال).

وبالنظر إلى هذه العيوب الواضحة، تبدو خطة الحكومة وكأنها فرصة أخرى ضائعة. وقد يكون النهج الأفضل بكثير هو منح عقود الاختبار لسلطات الصحة العامة المحلية ومقدمي الرعاية الأولية الذين يتمتعون بما يلزم من الخبرة ويحظون بثقة مجتمعاتهم. إذ يتوافر كل ممارس عام على مسحات أنف، ويمكن تجهيزه لتقديم خدمات الاختبار على بعد ميل من المكان الذي يعيش فيه الناس. ويمكن للممرضات والموظفين المدربين الآخرين جمع عينات من المجتمع المحيط بهم، واستخدام خدمات البريد السريع الاعتيادية لتقديم الاختبارات إلى مختبرات الخدمات الصحية الوطنية، التي تتبع الإجراءات المناسبة، على عكس المختبرات التي تديرها شركات المحاسبة.

وتجاهلت الحكومة هذه الخيارات لتُلقي اللوم على الآخرين "حالياً الشباب" عندما تسوء الأمور، على الرغم من التزام الناس بالنصائح الرسمية. وإذا تمَّ اطلاع المجتمعات بصورة متكررة بشأن آخر التطورات فيما يتعلق بمعدلات الإصابة بالفيروس في منطقتهم، كما حدث في دول مثل كوريا الجنوبية والنرويج، فمن المرجح أن يلتزموا ببروتوكولات السلامة، وأن يثقوا بالسلطات العامة. لقد أخفقت المملكة المتحدة في القيام بذلك، ولم تستفد أيضاً من 750 ألف شخص تطوعوا لدعم جهود تعقب المخالطين على الصعيد المحلي.

لذلك، رغم أنَّ الحكومة تُبدي طموحاً مناسباً، فإنَّ نهجها الفعلي يشوبه كثير من أوجه القصور. إذ استغل جونسون خطاب "مونشوت"، فألحق ضرراً بالغاً بالجهات التي تعمل وراء الكواليس بجد على خطط موثوقة للتخفيف من أسوأ آثار الوباء.

والأسوأ من ذلك، بسبب إهمال الفلسفة الأساسية للنهج الموجه نحو الأهداف- والذي يهدف إلى إنشاء قدرات ديناميكية للقطاع العام من أجل خدمة الأهداف المشتركة– يمكن أن تزيد الحكومة من تقويضها للصحة العامة. وتشكل تكلفة الخطة البالغة قيمتها 100 مليار جنية استرليني 87.7٪ من إجمالي ميزانية هيئة الخدمات الصحية البالغة قيمتها 114 مليار جنيه إسترليني. وبدلاً من استخدامها لدعم الجهود المحلية، وتحسين الوصول للاختبار، وتقديم الدعم المالي لكل من يعيش في عزلة ذاتية، ودمج الأنظمة الصحية الوطنية والمحلية، فمن المرجح أن تُغذى هذه الأموال في نظام موازٍ يتم الاستعانة فيه بمصادر خارجية، ويخضع لإدارة شركات استشارية لا تفي بالغرض.

وبينما تشتد الحاجة إلى قيادة المملكة المتحدة في مجال الصحة العامة، تتعرَّض هذه الأخيرة للاضطراب بسبب إلغاء وكالة الصحة العامة في إنجلترا، وإنشاء المعهد الوطني لحماية الصحة (الذي يجمع بين الصحة العامة في إنجلترا، وعمليات الاختبار والتتبع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية، ومركز الأمن البيولوجي المشترك (the Joint Biosecurity Centre). ووُضعت هذه الهيئة الجديدة تحت القيادة المؤقتة للبارونة ديدو هاردينغ، وهي سياسية لم تحصل على تدريب رسمي في مجال الصحة العامة.

وأدى النقص المزمن في الاستثمار العام إلى أزمة صحية أسوأ بكثير مما يجب أن تكون عليه. وتحتاج المملكة المتحدة إلى المزيد من القدرات في القطاع العام، وليس إلى المزيد من الاستعانة بالمصادر الخارجية. وبينما ينظر جونسون إلى أصبعه، يتجه مشروعه الطموح نحو الوجهة الخاطئة. إنَّ الشعب البريطاني يستحق نظاماً صحياً أقوى. وهذه هي "الغاية" الذي يجب أن نصبو إليها. وسيتطلب تحقيقها بصورة آمنة وفي الوقت المناسب مزيجاً من الابتكار الشامل والتصاعدي المشترك بين القطاعات، والتنسيق المركزي الفعال.

سيستضيف المؤلفان حدثاً عالمياً في كلية لندن الجامعية يوم الإثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول سيناقش الصحة وعدم المساواة وأهداف التنمية المستدامة. ويمكنك التسجيل هنا لمشاهدة البث الحي.

ترجمة: نعيمة أبروش  Translated by Naaima Abarouch

تشغل ماريانا مازوكاتو، منصب أستاذة اقتصاديات الابتكار والقيمة العامة في كلية لندن الجامعية، ومنصب المديرة المؤسسة لمعهد UCL (يو سي إل) للابتكار والأغراض العامة، وهي مؤلفة كتابThe Entrepreneurial State: Debunking Public vs Private Sector Myths (2013).، وكتابThe Value of Everything: Making and Taking the .Global Economy (2018)  ويشغل أنتوني كوستيلو منصب أستاذ الصحة العالمية والتنمية المستدامة في كلية لندن الجامعية، ومنصب المدير السابق لصحة الأم والطفل في منظمة الصحة العالمية.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org