بناء شراكة إفريقية أوروبية مُتساوية

كارلوس لوبز

كيب تاون - كان من المفترض أن تعمل أوروبا وإفريقيا هذا العام على إعادة تأسيس علاقتهما. في شهر مارس/آذار الماضي، كشفت المفوضية الأوروبية عن رؤيتها لتنفيذ "إستراتيجية شاملة مع إفريقيا" تهدف إلى بدء عملية تشاور مدتها ستة أشهر، والتي ستبلغ ذروتها في قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي في أكتوبر/ تشرين الأول في إطار اتفاق بشأن وضع مُخطط جديد للعلاقات - وهي اتفاقية من شأنها أن تمنح إفريقيا قوة أكبر بشكل ملحوظ. ثمَّ ظهر وباء كوفيد 19.

حتى قبل انتشار الوباء، كان الطريق نحو تحقيق شراكة أقوى وأكثر مساواة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا صعباً للغاية. عند بداية هذا العام، كانت التوترات مُتصاعدة في أجزاء كثيرة من العالم، مما أدى إلى إثارة مخاطر جيوسياسية وأمنية جسيمة. علاوة على ذلك، تحوَّلت المنافسة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين إلى حرب تجارية. وتعثَّرت الأنظمة المتعددة الأطراف.

على الرغم من صعوبة هذه الظروف، فقد شجَّعت على إحراز التقدم من خلال تسليط الضوء على مدى زيادة المخاطر. كان عزم إفريقيا واضحاً: فقد أشارت سلسلة من مؤتمرات القمة والاجتماعات التي عقدها الاتحاد الإفريقي إلى التزام القارة أخيراً بتنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وإصلاح الهيئات الإقليمية، والمضي قدماً نحو مسار تنمية أكثر طموحاً. إنَّ مثل هذه المبادرات تعني ضمناً الإصلاح الشامل لمبادئ أي شراكة مع القارة.

تسبَّبت أزمة وباء كوفيد 19 في تعطيل الخُطط الرامية إلى تنفيذ مثل هذا الإصلاح الشامل مع أوروبا. ومع ذلك، فقد أكدت أيضاً الحاجة إلى إصلاح مُماثل - نظراً لأنَّ الاتحاد الأوروبي يُعدُّ الشريك التجاري والاستثماري الرئيس لإفريقيا.

أظهر الوباء الآثار الفعلية المترتبة على زيادة عدم المساواة؛ وكشف عن الاعتماد المفرط لسلاسل القيمة الحرجة على اقتصادات مُعينة، ولاسيما الصين؛ وسلط الضوء على نقاط الضعف في النظام المالي الدولي، كما أظهر أيضاً حدود الأساليب الحالية للتعاون العالمي، حتى في مُواجهة الأزمات المشتركة.

ونتيجة لذلك، أفسحت الرغبة في "العودة إلى الوضع الطبيعي" المجال بشكل متزايد للدعوات المطالبة "بإعادة البناء بشكل أفضل". يعكس التقدم الذي تمَّ إحرازه في ظل الصفقة الأوروبية الخضراء عزم صُنّاع السياسات على الاستفادة من الاضطرابات الحالية لإحداث تغيير حقيقي. يجب أن تحذو إفريقيا حذوهم - بدءاً بالتعجيل بتنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.

كان بوسع سوق قارية متكاملة التخفيف من حدة أزمة تراجع التجارة الدولية خلال أزمة وباء كوفيد 19، وبالتالي إمكانية توفير فرص العمل وسبل العيش. بدلاً من ذلك، تعمل إفريقيا جاهدة من أجل إنعاش اقتصاداتها، على الرغم من أنها كانت أقل تأثراً بالفيروس بشكل ملحوظ مُقارنة بالعديد من البلدان الأخرى حول العالم. يتعيَّن على زعماء القارة ضمان استعداد إفريقيا عند حدوث الأزمة المقبلة.

ونظراً لاحتمال اندلاع أزمة صحية أخرى - مع تحذير الخبراء من ارتفاع مخاطر الوباء - فإنَّ هذا يعني، من بين أمور أخرى، ضمان إمدادات ثابتة من المعدات الطبية الحيوية. تُظهر القيود المبكرة المفروضة على صادرات الإمدادات الطبية و"قومية توزيع اللقاحات" من جانب بعض البلدان مدى السرعة التي قد تلجأ بها البلدان إلى فرض تدابير حمائية. وبالتالي، من مصلحة إفريقيا أن تعمل على تعزيز إنتاج الإمدادات الإستراتيجية وإنشاء سلاسل قيمة قوية للأدوية والمعدات الطبية في القارة. من شأن اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية أن تُساعد على تيسير هذه الجهود.

ومع ذلك، يجب أن يتزامن تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية مع مشاركة دولية أوسع نطاقاً، خاصة مع الاتحاد الأوروبي. خلال أزمة وباء كوفيد 19، كانت إفريقيا في حاجة ماسة إلى تخفيف أعباء الديون على نطاق واسع وتلقي المزيد من المساعدات المالية، حتى تتمكَّن البلدان من تنفيذ تدابير الدعم الاقتصادي على قدم المساواة مع الاقتصادات المتقدمة. في الواقع، لم تحصل إفريقيا على تسهيلات مُماثلة - على الأقل ليس بالقدر الكافي.

بطبيعة الحال، لا يُعدُّ اعتماد الأفارقة على الآخرين من أجل إنقاذهم حلاً مثالياً. لكن هذا ليس خياراً، بل مشكلة نظامية. في هذه الأثناء، تحتاج بعض البلدان الإفريقية - خاصة الدول التي لديها حيز محدود للغاية للسياسة النقدية - إلى دعم خارجي، وخاصة من صندوق النقد الدولي، حتى تتمكَّن من الاستجابة للصدمات الخارجية. يمكن للاتحاد الأوروبي، بل وينبغي له أن يلعب دوراً رئيساً في هذا الصدد.

يجب أن يتجاوز هذا التعاون الضرورات الملحة قصيرة الأجل لمواجهة التحديات الهيكلية على المدى المتوسط والطويل. على سبيل المثال، على الرغم من أهمية تخفيف أعباء الديون، والترحيب بالدعم المستمر لهذا الإجراء من قبل العديد من دول مجموعة العشرين، إلا أن ذلك لن يكون كافياً لتنشيط الاقتصادات الإفريقية. إنَّ إعادة النظر في نهج تمويل الاستثمار في البنية التحتية، لدعم تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، سيكون لها تأثير أكبر في المدى البعيد.

كما سيتطلب بناء شراكة أقوى وأكثر استراتيجية مع إفريقيا من دول الاتحاد الأوروبي التخلي عن تركيزها على "التهديدات" التي تفرضها الهجرة، والاعتراف بالأهمية الإستراتيجية للقارة. من شأن النقاش الصريح حول توسيع المسارات القانونية لضمان التنقل، بما في ذلك الهجرة الدائرية، أن يُساعد على حل الأمور.

ربما لا تزال فكرة العودة إلى الوضع "الطبيعي" بعد أزمة وباء كوفيد 19 تحظى باهتمام الكثيرين. ولكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقة بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا، فإنَّ هذا ليس خياراً وارداً. يجب إعادة النظر في هذه الشراكة، فضلاً عن إعادة تأسيسها. لتحقيق هذه الغاية، يتعيَّن على كلا الطرفين التخلي عن نهج الماضي غير المتوازن والتدريجي، والعمل نحو إنشاء آلية فعّالة للحكم المشترك.

في "القمة المصغرة" القادمة، يتمتع قادة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بفرصة مثالية لتحفيز هذه العملية. بحلول الوقت الذي ينعقد فيه مؤتمر القمة الكامل في العام المقبل، ينبغي أن يكونوا قادرين على تقديم رؤية واضحة لشراكة مُناسبة للقرن الحادي والعشرين.

كارلوس لوبز أستاذ بكلية نيلسون مانديلا للحوكمة العامة بجامعة كيب تاون، والممثل السامي للاتحاد الإفريقي للشراكات مع أوروبا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org