الصعود أم الهبوط في عام 2021؟
جيم أونيل
لندن ــ في اثنين من تعليقاتي السابقة التي تناولت عالم أسواق الأسهم الغريب في عام 2020، عرضت نظرة صعودية متفائلة لكيفية تطور الأحداث مع تقدم العام (مع كل التحذيرات المستحقة بشأن عدم القدرة على التنبؤ بتحركات السوق في الإجمال). في واقع الأمر، سارت الأمور في المجمل كما توقَّعت، بسبب التوسُّع غير العادي في السياسة النقدية والمالية ووصول لقاحات تبدو قادرة على إنهاء هذه الجائحة الرهيبة في الوقت المناسب.
تُـرى ماذا يمكن أن نتوقع في عام 2021؟ سأبحث في احتمال الصعود واحتمال الهبوط قبل أن أكشف عن الاتجاه الذي أنحاز إليه. على الجانب الإيجابي، سيتبع العام سيناريو أشبه بذلك الذي شهده عام 2020، حيث تبرر السياسات النقدية والمالية السخية المزيد من التفاؤل بشأن الأسهم.
في النهاية، لا تموت الأسواق الصاعدة بالشيخوخة. بل ينتهي صعودها عادة بسبب تدخل بعض العوامل أو القوى الجديدة، بخلاف مسألة التقييم أو مدة صعود السوق. علاوة على ذلك، يبدو أن التعليقات الأخيرة الواردة على ألسنة صنّاع السياسات تشير إلى أنَّ المزيد من السخاء في الطريق، وخاصةً في الولايات المتحدة. لا يخلو الأمر أيضاً من احتمال معقول بأنَّ يدعو الرئيس المنتخب جو بايدن، بمجرد توليه منصبه، إلى عقد اجتماع خاص لمجموعة العشرين لكي يثبت أنَّ "أميركا عادت".
الأمر الأكثر أهمية من كل هذا من منظور الأسواق هو أنَّ العودة إلى التعددية من الممكن أن تطلق العنان لنسخة جديدة من "كل ما يلزم"، حيث تبذل حكومات الاقتصادات الرائدة قصارى جهدها لتعزيز التعافي بعد الجائحة. إضافة إلى دعم الشركات والأسر، تحتاج الأنظمة الصحية على وجه السرعة إلى الاستثمار للاستعداد للتهديد البيولوجي التالي ــ والذي قد يأتي من أزمة مقاومة مضادات الميكروبات الـمُـهـمَـلة.
على نحو مماثل، مع تغير القيادة في الولايات المتحدة، يمكننا أن نتطلَّع إلى المزيد من التعاون الدولي في مجال مكافحة تغير المناخ، وفي السعي إلى تطوير ونشر أشكال جديدة أنظف من الطاقة. وهنا يبدو أنَّ الجائحة غرست حساً جديداً بالإلحاح بدلاً من كبح التقدم في هذه القضية الحرجة.
أخيراً، في أعقاب الأخبار السارة حتى الآن حول اللقاحات من إنتاج Pfizer/BioNTech، وModerna، وAstraZeneca/جامعة أكسفورد، من المرجَّح أن تحصل لقاحات وعلاجات أخرى فَـعّـالة على الموافقة في عام 2021، مما يسمح بتطعيم أعداد كبيرة من الناس قبل نهاية العام. وإلى جانب التفاعل الناشئ عن انتعاش اقتصادي دوري أقوى، تشير هذه القائمة من العوامل الإيجابية إلى أنَّ الصعود سيظل قائماً إلى أن يأتي سبب آخر للارتباك والتعطل.
ولكن ما هي إذاً الحجة لصالح توقع الهبوط؟ على الرغم من توضيحي حول التقييمات وعمر التوسُّع، فإنَّ الحقيقة هي أنَّ الأسهم ليست رخيصة، وخاصة في الولايات المتحدة. ورغم أنَّ التقييم المرتفع في حدِّ ذاته لا يكون أبداً الشرارة التي تؤدي إلى انقلاب الاتجاه، فمن المؤكد أنه يقدم لنا سبباً لتوخِّي الحذر. وعندما يأتي هذا الانقلاب، إذا أتى، فسوف تسقط أسواق الأسهم الباهظة الثمن بسرعة في الأرجح.
علاوةً على ذلك، ربما ينطوي الأمر على ثلاث قوى مترابطة تلعب دوراً مؤثراً، وقد لمحنا أحدها بالفعل. أولاً، مع انطلاق عملية التطعيم في المملكة المتحدة وترقُّبها في كل مكان آخر، قد يتحوَّل قطاع الأسهم من التكنولوجيا وغير ذلك من أسهم "التزام المسكن" عائداً نحو تركيبة أكثر طبيعية للسوق.
ثانياً، هناك أسباب أقوى تدعو إلى الاعتقاد بأنَّ مسافة التقدم الهائلة التي أحرزتها أسهم التكنولوجيا على غيرها من الأسهم ربما تضيق بعض الشيء قريباً. سوف يتوقَّف الكثير على مدى استعداد القائمين على التنظيم لقطع شوط أطول في معالجة المواقف الاحتكارية الواضحة التي تتبناها شركات التكنولوجيا الكبرى. علاوة على ذلك، سيعمل التعافي الدوري القوي عند نقطة معينة على دفع صنّاع السياسات إلى مراجعة السياسات المالية والنقدية وربما تشديدها. لا أحد يستطيع أن يجزم متى قد يحدث هذا، لكن أحد العوامل التي من شأنها أن تضيق الخيارات المتاحة لصنّاع السياسات قد يتمثّل في عودة التضخم بشكل مفاجئ.
من الجدير بالذكر، مع ذلك، أنَّ الاقتصادات المتقدمة عجزت مراراً وتكراراً عن تلبية أهداف التضخم السنوية، مما دفع واضعي النماذج والمتنبئين إلى تعديل توقعاتهم. على الرغم من الخسائر في الوظائف في الآونة الأخيرة، كانت البطالة منخفضة إلى الحد الذي كان ليجعلنا نتوقع أن تتسبب في توليد تضخم أعلى قبل سنوات، لكنها لم تفعل.
بطبيعة الحال، يستطيع من يميلون إلى توقع الهبوط أن يسردوا قائمة طويلة من التهديدات المحتملة الأخرى، من اندلاع المواجهات العسكرية في مختلف أنحاء العالم إلى المشكلات في منطقة اليورو والاضطرابات الجديدة الضالعة فيها الصين. أنا أراقب عن كثب عمليات طرح اللقاح، على سبيل المثال. هناك فارق كبير بين الحصول على اللقاحات الـفَـعّـالة وتحصين نسبة كافية من سكان العالم. وسوف نضطر إلى الانتظار ومراقبة ما إذا كانت البلدان التي فشلت في نشر أنظمة الاختبار وتتبع المخالطين قد يكون أداؤها أفضل عندما يتعلق الأمر بإدارة اللقاحات بطريقة منظمة.
على أية حال، يتراوح مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الآن ضمن 10% من النطاق الذي اقترحت في إبريل/ نيسان أنه قد يبلغه ــ 4000 نقطة. ولا أرى أيَّ سبب يمنعه من الوصول إلى هذا المستوى أو تجاوزه في النصف الأول من عام 2021، مع التسليم بأنه قد لا يتبع خطاً مستقيماً (كما فعل منذ إبريل)، وأنَّ الانقلاب عند نقطة معينة في العام المقبل أمر محتمل دائماً.
أخيراً، هناك مسألة الدولار الأميركي، الذي أظن أنه سيرتفع وينخفض (كم أقول مازحاً عادة)، لكنه سينخفض في الأرجح، نظراً للقوى التي أُطـلِـق لها العنان في الأشهر الأخيرة. إذا كان الأمر كذلك، فقد ترتفع أسواق السلع الأساسية، وقد يؤدي هذا إلى إدامة ريادة الأسواق غير الأميركية، وخاصة الأسواق الناشئة.
في عموم الأمر إذاً، أحسب نفسي بين من يتوقعون الاتجاه الصاعد. ولكن حتى لو تبيَّن أنني كنت على صواب (أو على الأقل أقرب إلى الصواب من الخطأ)، فإنَّ 2021 يَـعِـد بأن يكون عاماً خالياً من أيِّ ملل أو إضجار للمستثمرين في الأسهم ــ أو أي شخص آخر.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
جيم أونيل الرئيس الأسبق لشركة جولدمان ساكس لإدارة الأصول، ووزير الخزانة الأسبق في المملكة المتحدة، ويشغل حالياً منصب رئيس تشاثام هاوس.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org