الأساليب المتباينة لآسيا الوسطى في الاستجابة لكوفيد-19
جومارت أوتورباييف
بيشكيك– بدأتُ أدرك تأثير كوفيد-19 في بلدي، قيرغيزستان، في 19 مارس/أذار، عندما وصل ابني إلى مطار بيشكيك الدولي من دولة أوروبية سجَّلت مستوى عالياً من الإصابات بهذا المرض. ولم أتمكَّن من رؤيته لأنه خضع فوراً، إلى جانب عشرات آخرين ممن كانوا معه على متن نفس الطائرة، لحجر صحي. ودام هذا الأخير لمدة 14 يوماً في قاعدة عسكرية أمريكية سابقة، تبرَّعت بها الولايات المتحدة للبلاد في عام 2014.
ولكنه كان حجراً صحياً بالاسم فقط. إذ عمَّت الفوضى وانعدم النظام في المكان الذي استُعمِل سابقاً قاعدة عسكرية. فبدلاً من عزل الوافدين عن بعضهم بصرامة، حوصروا في منطقة غير مهيَّأة تماماً ومسيجة بإحكام، حيث تحركوا وتفاعلوا بحرية.
وفضلاً عن ذلك، كانت النظافة غير موجودة تقريباً، إذ بالكاد كانت هناك مراحيض أو أحواض استحمام؛ وكانت هناك أدشاش يستخدمها أكثر من مائة شخص. لذا، فإنَّ هذه المحاولة لمنع فيروس كورونا من دخول البلاد، كانت في الواقع تخلق ظروفاً مثالية لانتشار العدوى بين الوافدين الجدد.
وبعد خمسة أيام، ودون أي تفسير، أطلق سراح جميع الوافدين المعزولين لإخضاعهم للحجر الصحي المنزلي. وسمعتُ لاحقاً أنَّ واحداً منهم على الأقل، كانت نتيجة اختبار إصابته بكوفيد-19 إيجابية، ولكن إلى يومنا هذا، لا أحد يعرف ما إذا كان الوافدون قد أصابوا أيَّ شخص آخر بالعدوى.
وتُظهر هذه الحلقة من الأحداث، والعديد من الحلقات الأخرى، كيف أنَّ قيرغيزستان، وعلى ما يبدو، جيراننا في آسيا الوسطى، لم يكونوا على أتمِّ الاستعداد لمواجهة الفيروس. وقد اعترفت الحكومة ضمنياً بذلك. إذ بعد أيام قليلة من الإفراج عن الوافدين المعزولين، استقال كبير مسؤولي الصحة في البلاد عن منصبه. وفي 1 إبريل/ نيسان، أُقِيل كلٌّ من نائب رئيس الوزراء ووزير الصحة من منصبيهما.
وتبدو هذه الاستجابة المشوشة لتهديد كوفيد-19غير متناسقة؛ لأنَّ سلطات قيرغيزستان اتخذت في البداية قرارات مناسبة في الوقت المناسب. ففي 27 يناير/ كانون الثاني، أوصى مجلس أمن الدولة الحكومة "بمنع دخول عدوى فيروس كورونا إلى البلاد". ولكن على الرغم من الاعتراف بالمشكلة قبل شهر ونصف من إعلان قيرغيزستان عن أول حالة إصابة بكوفيد-19، فإنَّ السلطات لم تفعل شيئاً إزاء ذلك.
فعلى سبيل المثال، كانت الحكومة تدرك جيدًا أنَّ العديد من مواطني قيرغيزستان كانوا يقومون بمناسك الحج في مكة المكرمة، في وقت سابق من هذا العام. وعادوا إلى قيرغيزستان في 12 مارس/أذار، وكان عدد منهم، فيما بعد، من بين أول المواطنين الذين تمَّ تشخيص إصابتهم بـفيروس كوفيد-19.
ومع ذلك، بدت الحكومة مشلولة. إذ أخفقت في شراء ما يكفي من الكواشف، وعُدد الاختبار، والسترات الواقية، وغيرها من المعدات الضرورية، ولم تقم بإعداد مرافق المراقبة والحجر الصحي. ولم يخضع العائدون من مكة للاختبار حتى 18 مارس/أذار، وبحلول ذلك الوقت كانوا قد أصيبوا بالعدوى. وعقب الاختبارات الإيجابية، لم تُجْرِ سلطات قيرغيزستان أيَّ اقتفاء أثر مخالطي المصابين.
ولم تكن قيرغيزستان وحدها بين دول آسيا الوسطى التي كانت بطيئة نسبياً في استجابتها للوباء. إذ أبلغت كازاخستان عن أول حالة إصابة مؤكدة بكوفيد-19 في 13 مارس/أذار، وفعلت أوزبكستان نفس الشيء بعد ذلك بيومين. وبعد أسابيع من الإنكار، أكدت طاجيكستان أخيراً تسجيل أول حالة لديها في 30 إبريل/نيسان، وربما ليس من قبيل الصدفة أن تفعل ذلك قبل ساعات قليلة فقط من وصول بعثة منظمة الصحة العالمية إلى البلاد.
ولا تزال تركمانستان الدولة الوحيدة في آسيا الوسطى، وواحدة من الدول القليلة جداً في العالم، التي لم تبلغ عن تسجيل أي حالات إصابة بـ كوفيد-19حتى الآن (رفضت حكومتها أخيراً دعوة بعثة منظمة الصحة العالمية لزيارة البلد). ومنذ 19 مايو/أيار، أبلغت دول آسيا الوسطى الأربعة الأخرى عن المجموع الكلي المتواضع نسبياً للإصابات، الذي بلغ 12525 حالة، أو نحو 169 حالة لكل مليون نسمة، وعدداً إجمالياً متواضعا تماماً للوفيات بلغ 106 حالات.
ويمكن الوثوق بالأرقام من أوزبكستان وكازاخستان و قيرغيزستان؛ إذ تقدم حكومات هذه البلدان بعض التحديثات حول الوباء كل يوم، بينما يتم مناقشة الوضع بنشاط في وسائل الإعلام المستقلة (بما في ذلك المنافذ الأجنبية)، وعلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي. كما تضطلع المنظمات غير الحكومية بدور مهم في المراقبة، ولهذا السبب فإنَّ محاولات حكومة قيرغيزستان المستمرة لتقييد أنشطة هذه الجماعات تثير القلق على نحو خاص.
إنَّ السلطات التركمانية والطاجيكية عادة ما تكون أقل انفتاحاً مع وسائل الإعلام. ولكن راديو أوروبا الحرة/ راديو الحرية (RFE / RL)، الذي له مصادر في كلا البلدين، أفاد أخيراً بأنَّ السلطات التركمانية نقلت أكثر من 400 شخص من منطقة الحجر الصحي في تركمان آباد، ثاني أكبر مدينة في البلاد، إلى المستشفيات الإقليمية الصغيرة. وجاء ذلك في أعقاب تقارير إعلامية أخرى زعمت أنَّ السلطات كانت تحاول إخفاء حالات الإصابة بفيروس كورونا عن منظمة الصحة العالمية.
ولكن الوضع في طاجيكستان يسبِّب حالياً أكبر قدر من القلق، حيث حذَّر البنك الدولي أخيراً من حدوث ما يصل إلى 230500 حالة إصابة خطيرة بـكوفيد-19، وما يصل إلى 21000 حالة وفاة (يبلغ عدد سكان البلاد نحو 9.3 ملايين). ويبدو أنَّ السلطات الطاجيكية بدأت تدرك الخطر؛ إذ في 1 مايو/أيار، ذكرت وكالة أنباء آسيا بلس أنَّ رستم إيمومالي، عمدة العاصمة دوشانبي، خاطب السكان وحثَّهم على عدم الشعور بالذعر، وأكد لهم أنَّ الدولة لديها موارد كافية لمكافحة الوباء.
وأخيراً، خلق كوفيد-19 أيضاً مشكلة خطيرة لما يقدر بـ4 إلى 5 ملايين مهاجر من آسيا الوسطى، الذين يعيشون في روسيا ويعملون فيها. ومعظمهم من أوزبكستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، وهم مصدر رئيس للتحويلات. وفي الواقع، تلقَّت طاجيكستان و قيرغيزستان تحويلات بلغت نحو 30٪ من ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2019، وهما من بين قادة العالم فيما يتعلق بمعدل التحويلات المالية بالنسبة للفرد.
ولكن العديد من هؤلاء المهاجرين فقدوا وظائفهم بسبب الوباء، وحالات إغلاق الحدود تمنعهم من العودة إلى ديارهم. وعلى الرغم من أنَّ قرار الحكومة الروسية بدفع إعانات البطالة للمهاجرين سيساعد على تخفيف الأزمة، إلا أنَّ هذا ليس سوى حلاً مؤقتاً. إذ ستنخفض دخولهم وتحويلاتهم انخفاضاً حاداً، مما سيؤثر إلى حدٍّ كبير في اقتصادات آسيا الوسطى.
إنَّ بعض حكومات آسيا الوسطى كانت بطيئة في الاستعداد للاستجابة لفيروس كورونا عند وصوله إلى المنطقة في نهاية الأمر، مع أنها أدركت تهديد كوفيد-19في وقت مبكر. ومع استمرار أكبر التحديات التي تواجه الوباء، والتي تتمثَّل بصورة رئيسة في الاقتصاد في المنطقة، قد تحدث المشكلات الحقيقية مستقبلاً.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch
شغل جومارت أوتوربايف منصب رئيس وزراء كيرجيستان في 2014-15.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org