التبريد الصديق للمناخ لإبطاء الاحتباس الحراري

ديورود زالكي، وماريو مولينا

سانتا باربرا/سان ديغو – إنَّ المفارقات المتعلقة بالتغير المناخي عادة ما تكون قاسية، ففي عالمنا الذي ترتفع فيه درجة الحرارة فإنَّ الطلب على أجهزة التكييف والتبريد زاد بشكل كبير وخاصة في البلدان النامية، ولكن المزيد من أجهزة التكييف يؤدي إلى المزيد من الاحتباس الحراري سواء من كيماويات التبريد التي تحتويها تلك الأجهزة أو الكهرباء التي تستخدمها، وعلى نطاق العالم فإن التبريد يمكن أن يُشكِّل نحو نصف ذروة الطلب على الكهرباء خلال فصل الصيف الحار والذي أصبح أطول وأكثر حرارة.

يظهر التقرير الجديد لوكالة الطاقة الدولية والبرنامج البيئي للأمم المتحدة والمبني على أساس البيانات التي جمعها فريق شاركت في ترأسه، أن الانتقال إلى تبريد بطاقة ذات كفاءة وصديق للمناخ -باستخدام برادات تشكِّل تهديداً أقل بالنسبة للاحتباس الحراري- هو أمرٌ ذو جدوى تقنية واقتصادية. إن تبني أفضل التقنيات المتوافرة حالية بالنسبة للمبردات وكفاءة الطاقة يمكن أن يزيل ما يعادل نحو 460 مليار طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول سنة 2060، وهي كمية تعادل ثماني سنوات من انبعاثات غاز الدفيئة العالمية، كما يمكن بحلول سنة 2030 تجنُّب انبعاثات تعادل 1600 محطة طاقة متوسطة الحجم والتي تستخدم في حالة الذروة.

إنَّ إزالة المبردات، التي تعدُّ مصدراً عالياً للتلوُّث والتي يطلق عليها اسم المركبات الهيدروفلوروكربونية (اتش اف سي) تعدُّ أمراً حيوياً، كما أنَّ زيادة كفاءة الطاقة في أجهزة التبريد يعدُّ أمراً حيوياً كذلك، وإلا فإنَّ الانبعاثات من هذا القطاع فقط يمكن أن تستهلك ما تبقى من "ميزانية الكربون"  من أجل وضع حد للاحتباس الحراري بحيث لا يتجاوز عتبة الأمان وهي 1,5 درجة مئوية مقارنة بأوقات ما قبل الصناعة.

إن أنجح معاهدة بيئية "بروتوكول مونتريال" هي مصدر للإلهام؛ فالبروتوكول الذي تمَّ الانتهاء منه سنة 1987 وتمَّ إبرامه سنة 1989 تعامل بنجاح مع أول تهديد كبير عالمي للغلاف الجوي وهو المبردات الهيدروفلوروكربونية والغازات المرتبطة بها والتي كانت تدمّر طبقة الأوزون التي تحمي الأرض.

وفي الوقت نفسه فإنَّ إنجازات بروتوكول مونتريال فيما يتعلَّق بتخفيف التهديد المناخي هي أكثر من أي اتفاقية أخرى، أي تجنب الاحتباس الحراري بمقدار يعادل ذلك الذي تسببت به جميع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في القرن العشرين، والتي تشكِّل نصف كامل الاحتباس الحراري. هذه الغازات المفلورة هي أيضاً غازات دفيئة قوية - أو ملوثات مناخية بشكل كبير - مع قوة احترار أكبر بآلاف المرات لكل جزيء من ثاني أكسيد الكربون، وبإزالتها لم يضع بروتوكول مونتريال طبقة الأوزون على طريق التعافي فحسب، بل أسهم أيضاً في إبطاء تطوُّر أزمة المناخ بشكل كبير.

لقد كان تعديل كيغالي لسنة 2016 هو آخر إجراء إلزامي لبروتوكول مونتريال والذي يهدف إلى التخلُّص التدريجي من المركبات الهيدروفلوروكربونية (إتش إف سي) والتي تستخدم بشكل أساسي كمبردات، وتجنب نحو 0،5 درجة مئوية من الاحتباس الحراري بحلول سنة 2100. إنَّ البرنامج الأولي للتعديل يتحقَّق من إنجاز نحو 90% من ذلك الهدف.

إن تعديل كيغالي يعني أن 200 طرف موقِّع على بروتوكول مونتريال ( بما في ذلك كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ) تقر كذلك بأهمية تحسين كفاءة الطاقة المتعلقة بوحدات التكييف وغيرها من أجهزة التبريد خلال التحول من المركبات الهيدروفلوروكربونية (إتش إف سي) إلى مبردات صديقة للمناخ بشكل أكبر. فمكتسبات الكفاءة يمكن أن تزيد من فوائد المناخ المذكورة في تعديل كيغالي بأكثر من الضعف بحلول منتصف القرن، بينما تخفض من تكاليف توليد الطاقة والنقل بنحو 3 تريليونات دولار أمريكي تقريباً، كما أنَّ تلك المكتسبات سوف تخفض من فواتير الكهرباء الشهرية للمستهلكين وتخلق الوظائف لموظفي التركيب والصيانة، علماً بأنه بتقليل تلوث الهواء فإنَّ ذلك سيحمي الصحة العامة والإنتاجية الزراعية.

إنَّ تقرير البرنامج البيئي للأمم المتحدة-وكالة الطاقة الدولية يسلِّط الضوء على عشر سياسات سوف تساعد على تحقيق تلك الفوائد وهي تشمل التصديق العالمي على تعديل كيغالي (لقد تمَّ تحقيق الإنجاز المتمثِّل في تصديق 100 دولة على التعديل في يوليو الماضي) وخطط عمل وطنية للتبريد وإجراءات أثبتت جدواها مثل المعايير الدنيا المتعلقة بأداء الطاقة وقواعد البناء، وتجميع الطلب على التبريد المستدام من خلال نوادي المشترين والمشتريات بالجملة. سوف يساعد ذلك على تطوير سلاسل تبريد مستدامة لتقليل فقد الغذاء وضمان توزيع اللقاحات بشكل فعّال. يعدُّ تحسين الخدمة والصيانة أمراً ضرورياً كذلك، إضافة إلى منع إغراق الدول النامية بوحدات التكييف غير الفعّالة.

فالنمو الكبير في الطلب على التبريد يعني أنه يجب علينا العمل بسرعة، علماً بأنه في عالمنا اليوم يتم استخدام ما يقدر بنحو 3،6 مليارات من أجهزة التكييف والبرادات والأجهزة ذات الصلة لتلبية احتياجات العالم من التبريد، وهذا الرقم سيتضاعف بأكثر من ثلاث مرات ليصل إلى 14 مليار وحدة تبريد بحلول سنة 2050.

إن القدرة على الوصول للتبريد قد أصبحت بالفعل قضية بارزة ترتبط بالمناخ وبالعدالة الاجتماعية حول العالم، وخاصة في العديد من الدول في آسيا وإفريقيا وكوريا الجنوبية والتي أصبحت تتعرَّض بشكل متزايد لدرجات حرارة لا تطاق، وهي بالفعل تعاني من الفقر ونقص المياه وغيرها من المشكلات ذات العلاقة، فعلى سبيل المثال فقط 7-9% من المنازل الهندية لديها القدرة على الوصول لأجهزة التكييف اليوم مقارنة بنسبة 60% في الصين و90% في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الهند لوحدها فإنَّ الطلب على أجهزة التكييف سوف ينمو بأكثر من مليار وحدة خلال العقود القادمة، وخلال هذا الوقت فإنَّ جعل التبريد أقل تلويثاً سيكون عاملاً حاسماً، حيث إن تخفيض التكلفة كما عملت الهند من خلال برنامجها المبتكر للمشتريات بالجملة سيكون مفيداً كذلك.

يجب علينا جميعا أن نستلهم قصة نجاح بروتوكول مونتريال في إصلاح طبقة الأوزون، وتخفيف المزيد من الاحتباس من غازات الدفيئة بشكل أكبر من أي إجراء آخر. كما يجب على جميع البلدان الآن تبني مبادرات قائمة على المنطق السليم، لجعل التبريد أكثر كفاءة، وتقليل الانبعاثات الصادرة عنه وبأسعار معقولة للمستهلكين. إن الموضوع الأكثر إلحاحاً هو استيعاب التقييم الأخير لحساسية الأرض لاستمرار الانبعاثات، والإقرار بأنه من دون عمل سريع فإنَّ منع التغير المناخي المنفلت سوف يصبح أصعب بكثير.

ديورود زالكي هو رئيس معهد الحوكمة والتنمية المستدامة ومدير مشارك لبرنامج الحوكمة للتنمية المستدامة في جامعة كالفورنيا، سانتا باربرا. ماريو مولينا، حائز على جائزة نوبل للكيمياء سنة 1995 وهو أستاذ في جامعة كالفورنيا، سان ديغو وجامعة المكسيك الوطنية المستقلة.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org