كيف نعالج الارتياب الناجم عن وباء كوفيد 19؟

باسكالين دوباس، وجوزيف دويل، وكارين ماكورس

ستانفورد / بوسطن / باريس - يمنح توافرُ اللقاحاتِ ضد فيروس كورونا المستجد العالمَ الأملَ في إنهاء الجائحة، لكن العديد من البلدان لا تزال تُواجه عدة تحديات جراء انتشار الفيروس. لذلك، بينما ننتظر توافر اللقاحات وتوزيعها على نطاق واسع، ستظل التدابير الصحية الوقائية التي تتمثّل في ممارسة التباعد الاجتماعي وارتداء أقنعة الوجه الواقية وغسل اليدين ضرورية لاحتواء المرض.

يرى البعض أنَّ إتباع هذه التوجيهات غير مُمكن عملياً. فعلى سبيل المثال، يتعيَّن على العديد من الفقراء مُواجهة الاكتظاظ، ومحدودية فرص الحصول على المياه النظيفة والصابون، وغياب شبكات الأمان الاجتماعي القوية.

ومع ذلك، وبعيداً عن القيود المادية، هناك تحديات أخرى تتعلَّق بالمعلومات والثقة. قد يجهل البعض المبادئ التوجيهية للصحة العامة أو قد لا يفهمون الخطوات المحددة التي يجب إتباعها. يمكن أن تؤدي المعلومات الخاطئة حول فيروس كورونا المستجد إلى تقويض التدابير الضرورية. وفي بعض السياقات، قد يُقلل انعدام الثقة في النظام الصحي نفسه من التقيد بهذه المبادئ التوجيهية.

بينما سارع باحثون في مجال الطب الحيوي وخبراء في مجال الصحة العامة للتعرُّف إلى فيروس كورونا المستجد في أوائل عام 2020، شرع خبراء الاقتصاد وغيرهم من علماء الاجتماع في العمل على اختبار السياسات والبرامج الفعّالة لمكافحة فيروس كوفيد 19. تتضمن مجموعة الأدلة المجمعة دروساً مهمة للتغلب على قيود المعلومات، ومكافحة المعلومات المضللة، وبناء الثقة بالأنظمة الصحية. قد تساعد هذه الأفكار أيضاً على تحسين توفير وتلقي اللقاحات ضد فيروس كوفيد 19.

تضمنت إحدى الدراسات إرسال مقاطع فيديو لمدة دقيقتين ونصف عن فيروس كورونا المستجد عبر رسائل نصية إلى 25 مليون شخص في ولاية البنغال الغربية بالهند. أصدرت مقاطع الفيديو تعليمات للمُتلقين تحثهم على إبلاغ العاملين الصحيين عن أية أعراض صحية وأكّدت أهمية تبني السلوكيات الوقائية. وأفاد المتلقون في وقت لاحق أنهم يُسافرون بوتيرة أقل ويغسلون أيديهم باستمرار، كما ضاعفوا الإبلاغ عن الأعراض الصحية للعاملين الصحيين.

قد تبدو هذه النتائج مُفاجئة، نظراً إلى أن صُنّاع السياسة كانوا ييبعثون رسائل نصية حول الوقاية من فيروس كوفيد 19 لمدة أسابيع إلى الأشخاص الذين تلقوا مقاطع الفيديو. من بين الأسباب المحتملة التي يمكن أن تُفسَّر فاعلية رسائل الفيديو أنها قدمت معلومات مُحددة وقابلة للتنفيذ حول الأعراض التي تستدعي الحذر، مع تحديد الخطوات اللازمة التي يجب على الأشخاص اتخاذها للإبلاغ عنها ومنع انتشار المرض.

حتى عندما تكون المعلومات مُحددة وقابلة للتنفيذ، فقد تختلف النتائج. تسعى إحدى الدراسات الجارية في أوغندا، على سبيل المثال، إلى فهم الآثار النسبية لتأكيد الفوائد الفردية مُقابل الفوائد المجتمعية على التزام الناس بالمبادئ التوجيهية للصحة العامة لمكافحة فيروس كوفيد 19.

وماذا عن الباعث، في الدراسة الهندية، كان الشخص الذي قدم المعلومات في مقطع الفيديو - الخبير الاقتصادي أبهيجيت بانيرجي الحائز جائزة نوبل - شخصية معروفة، وبالتالي ربما كان لرسالته تأثيراً كبيراً. لقد أظهرت هذه الدراسة أيضاً الدور الحاسم الذي يمكن أن يلعبه الأقران في الواقع، حتى أولئك الذين لم يتلقوا رسائل الصحة العامة أبلغوا عن زيادة التقيد بالمبادئ التوجيهية لمكافحة فيروس كورونا المستجد من خلال ملاحظة ومحاكاة سلوكيات جيرانهم المتغيرة.

وهذا يُثير التساؤل عمّا إذا كان الأقران أو النظراء أكثر فاعليَّة من الطرف الثالث في التأثير على السلوك. في زامبيا، يطلب الباحثون من الأفراد إرسال معلومات صحية حول مرض كوفيد 19 إلى عائلاتهم وأصدقائهم عبر الرسائل النصية القصيرة، ومقارنة التأثير على السلوك الوقائي بتأثير الرسائل الواردة من سلطة مركزية.

علاوة على ذلك، يتعين على صُنّاع السياسات اتخاذ إجراءات تتجاوز الإبلاغ عن المبادئ التوجيهية الوقائية فضلاً عن مُكافحة المعلومات المضللة التي تؤدي إلى الارتباك وانعدام الثقة بشكل أكثر استباقية. في زيمبابوي، أرسلت المنظمات المحلية رسائل إلى مُقدمي النشرات الإخبارية عبر تطبيق "الواتساب" لنقل معلومات صحيحة حول فيروس كوفيد 19 ودحض المعلومات الخاطئة حول العلاجات المزيفة. أدت هذه الرسائل من مصادر موثوقة إلى تحسين الوعي وزيادة المعرفة بالمرض والحد من السلوكيات الضارة المبلغ عنها مثل انتهاك أوامر الإغلاق وعدم الالتزام بالتدابير الاحترازية.

وعلى نحو مماثل، يعمل خبراء الاقتصاد في المكسيك بالتعاون مع معهد الصحة العامة لتقييم كيفية تأثير الميول السياسية ومصداقية الجهات المرسِلة على مستوى الثقة بالرسالة والالتزام بالمبادئ التوجيهية.

لا تقتصر مسألة الثقة على المخاوف إزاء انتشار المعلومات الخاطئة. لقد تعلمنا من تجربة أزمة الإيبولا في الفترة ما بين عامي 2014 و2016 في غرب إفريقيا أنَّ السياسات التي تزيد الثقة بالأنظمة الصحية يمكن أن تُحسن التعاون مع المبادئ الصحية التوجيهية، مما يؤدي بدوره إلى زيادة مُعدل الفحوصات الطبية والحد من انتشار الأمراض وخفض مُعدلات الوفيات.

يمكن أن تختلف العوامل التي تُساعد على التغلب على انعدام الثقة في النظام الصحي اختلافاً كبيراً حسب السياق. في الولايات المتحدة، حيث تكون الفوارق الصحية بين المجموعات العرقية هائلة، خلصت دراسة حول الرعاية الوقائية إلى أنَّ الرجال السود يثقون بالأطباء السود وأكثر احتمالاً لاتخاذ تدابير صحية وقائية مُختلفة، بما في ذلك لقاح الإنفلونزا، إذا استشاروا أحدهم. تمَّ دعم هذه النتائج من خلال دراسة مُنفصلة في الولايات المتحدة، والتي وجدت أنَّ البالغين السود الذين شاهدوا مقطع فيديو لطبيب أسود حول الوقاية من فيروس كوفيد 19 كانوا أكثر عرضة للبحث عن معلومات إضافية.

مع مواجهة تحديات جديدة تتزامن مع توزيع اللقاحات ضد فيروس كوفيد 19، يمكن أن يُساعدنا هذا البحث حول كيفية تعزيز اعتماد التدابير الوقائية على فهم كيفية زيادة استيعاب فكرة التحصين. لقد كان معظم التركيز حتى الآن على سلاسل توريد اللقاحات وتحديات التوزيع. ومع ذلك، يُظهر البحث أنَّ تحفيز الناس على تلقي اللقاح أمر ضروري حتى في غياب المعلومات المضللة وانعدام الثقة. من شأن الأبحاث التي أُجريت عن التحصين قبل اندلاع الجائحة توجيه أفكارنا الأولية حول برامج التلقيح ضد فيروس كورونا، ومساعدتنا على صياغة استراتيجيات للمساعدة على رفع درجة الوعي.

يُعدُّ إدراج الدروس المستفادة من البحوث الاقتصادية في السياسات العامة حول أهمية كيفية نقل المعلومات، ومن يقوم بهذه العملية، أمراً بالغ الأهمية بشكل خاص في سياق الإفراط في نشر المعلومات والمعلومات المضللة وانعدام الثقة بالنظم الصحية. لمساعدة أنفسنا على الانتقال إلى عالم ما بعد الجائحة، يتعيَّن على صُنّاع السياسات النظر بعناية في كيفية استخدام هذه النتائج لرفع الإقبال على لقاحات فيروس كوفيد 19.

ترجمة موحى الناجي    Translated by : Moha Ennaji

باسكالين دوباس، أستاذ الاقتصاد بجامعة ستانفورد. جوزيف دويل، أستاذ الإدارة والاقتصاد التطبيقي بكلية إم آي تي سلون للإدارة. كارين ماكورس، أستاذة في كلية باريس للاقتصاد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكت 2021
www.project-syndicate.org