عندما لا يكون "كل ما يلزم" كافيا
ويليم هـ. بيوتر
نيويورك ــ عندما نفسر إعلان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في نهاية الأسبوع عن تدابير جديدة للتخفيف من تداعيات وباء فيروس كورونا 2019 (COVID-19)، فمن الأهمية بمكان أن نتجنب الخلط بين الحركة والعمل.
ربما يكون بوسعنا أن نقول إن أحدث تحرك من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي لتخفيف قيود السياسة النقدية غير مسبوق، خاصة أن الإعلان عنه جاء بعد ظهيرة يوم أحد. قرر بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بمقدار 100 نقطة أساس (إلى نطاق الصِفر إلى 0.25%)، وهو ما قد يترجم في الأرجح إلى انخفاض ملموس في التكلفة الهامشية لاقتراض الشركات والأسر من البنوك. كما يعيد بنك الاحتياطي الفيدرالي تنشيط برنامج التيسير الكمي. فهو يعتزم زيادة أرصدته من سندات الخزانة في الأشهر المقبلة بما لا يقل عن 500 مليار دولار وأرصدته من الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري الصادرة عن واحدة من ثلاث مؤسسات شبه حكومية (المعروفة باسم "جيني ماي"، و"فاني ماي"، وفريدي ماك") بما لا يقل عن 200 مليار دولار. وسوف يعيد بنك الاحتياطي الفيدرالي استثمار كل المدفوعات الرئيسة المستحقة عن هذه الحيازات في الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري التي تصدرها هذه المؤسسة.
إضافة إلى هذه الإجراءات، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي أخيراً بتوسيع عمليات اتفاقية إعادة الشراء لليلة واحدة (ريبو) وأعلن أنه يعتزم تخفيف متطلبات رأس المال والسيولة للبنوك. لكن الجزء الأكثر أهمية في إعلان الخامس عشر من مارس/آذار كان الوعد بملاحقة "إجراءات البنك المركزي المنسقة لتعزيز توفير السيولة بالدولار الأميركي"، بالشراكة مع بنك كندا، وبنك إنجلترا، وبنك اليابان، والبنك المركزي الأوروبي، والبنك الوطني السويسري. لتحقيق هذه الغاية، جرى الآن خفض تسعير خطوط مقايضة الدولار القائمة بمقدار 25 نقطة أساس؛ والأمر الأكثر أهمية أن البنوك المركزية الأجنبية "ستبدأ عرض الدولار الأميركي أسبوعياً في كل منطقة لفترة استحقاق مدتها 84 يوماً، إضافة إلى عمليات الاستحقاق لأسبوع واحد المعروضة حالياً".
بموجب هذا التعهد، يبدو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يعترف أخيراً بأن العالَم لا ينتهي عند الطرف الشرقي لجزيرة لونج آيلاند. ولكن بطبيعة الحال، كان بوسع الاحتياطي الفيدرالي أن يفعل المزيد في الاستجابة لأزمة فيروس كورونا 2019. على سبيل المثال، كان بإمكانه أن يعلن عن أهداف أكثر طموحاً لعمليات التيسير الكمي. وكان بوسعه أن يدفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى المنطقة السلبية، لأنَّ الحد الأدنى الفعّال من المرجح أن يكون عند نقطة ما في نطاق 0.5% بالسالب إلى 0.75% (كان هذا الرقم ليصبح أقل كثيراً لولا الدور المؤسف الذي تلعبه العملة). صحيح أنَّ بعض الباحثين يزعمون أنَّ هناك عتبة (أو "سعر عكسي") يؤدي أي خفض إضافي دونها إلى تقليص وليس تعزيز الإقراض المصرفي، ولكن لا يوجد دليل مقنع لتبرير مثل هذه المخاوف عند مستويات الأسعار الحالية.
في كل الأحوال، حتى لو اتخذ بنك الاحتياطي الفيدرالي هذه الخطوات الإضافية، فإنه سيظل مجرد لاعب صغير في الدراما الأكبر. ويجب أن يضطلع بالدور الأساسي هنا صنّاع السياسات المالية، الذين كانوا متغيبين حتى الآن. على النقيض من انهيار 2008، فإن وباء فيروس كورونا 2019 ليس أزمة مالية تهدد بالانتشار إلى الاقتصاد الحقيقي. بل هي أزمة بدأت في الاقتصاد الحقيقي ــ حيث أحدثت صدمات على كل من جانبي العرض والطلب ــ ولها آثار بعيدة المدى على النظام المالي.
إن تجاهل التداعيات المالية للوباء من شأنه أن يفضي إلى المزيد من الضرر للاقتصاد الحقيقي. ومن الأهمية بمكان بالتالي إتاحة الأموال للمؤسسات والأسر التي تعطلت مصادر دخلها أو زالت تماماً. وسواء جرى توفير هذه الأموال بأسعار فائدة من 1% إلى 1.25% أو صِفر إلى 0.25% فهو أمر ثانوي الأهمية. يتمثل الشاغل الأساسي في أنه في ظل معايير الإقراض "المعتادة"، سيحكم على العديد من المقترضين الحاليين بأنَّ جدارتهم الائتمانية ضعيفة مادياً. ولمنع العجز عن السداد والإعسار على نطاق واسع، نحتاج إلى تدابير مالية مثل ضمانات الائتمان، أو تدخلات شبه مالية مثل الائتمان المقدم من بنك التنمية المملوك للدولة في ألمانيا للشركات التي تفشل في تلبية معايير الجدارة الائتمانية التقليدية.
هناك أيضاً حجة قوية لصالح التحفيز المالي الموجه. من الواضح أن نفقات الرعاية الصحية (اختبار فيروس كورونا 2019 وعلاج المصابين به) يجب أن تغطيها الدولة، كما يجب أن تغطي الإجازات المرضية المدفوعة الأجر للعاملين الذين مُـنِـعوا من الكسب نتيجة للوباء. كما يجب تقديم تعويض مماثل للآباء الذين يتخلفون عن العمل لأن إغلاق المدارس يجبرهم على البقاء في المنزل مع أطفالهم ولكل الذين فقدوا الدخل بسبب الحجر أو العزلة الذاتية. أخيراً، تُـعَـد التخفيضات الضريبية الموجهة وزيادة الإنفاق العام من السبل الواضحة للتعويض عن التكاليف الناشئة عن تعطل سلاسل الإمداد وأنماط الطلب الراسخة.
من المحتم أن يؤدي عدم اليقين الناجم عن الوباء إلى تقويض استهلاك الأسر (عن طريق تعزيز الادخار الاحترازي) والاستثمار في الشركات (لأن قيمة خيار الانتظار قد تزايدت). ربما تكون السياسات النقدية التوسعية التقليدية مفيدة إلى حد ما في معالجة هذه العواقب الكينزية التقليدية المترتبة على الأزمة (التي حذر منها جون ماينارد كينز). ولكن في ظل الظروف الحالية، من المرجح أن تكون الزيادة في الطلب الكلي نتيجة لخفض أسعار الفائدة وبرامج التيسير الكمي متواضعة. ربما تصبح الظروف المالية متساهلة بعض الشيء (بقدر ما يحدث ذلك من خلال إضعاف الدولار الأميركي، فإنه سيشكل التأثير المترتب على سياسة إفقار الجار)، لكن تعزيز الطلب الفعّال سيكون ضئيلاً في اقتصاداتنا المثقلة بالديون.
وعلى هذا، فما لم نحصل على استجابة مالية ذات مغزى لأزمة فيروس كورونا، يجب أن نكون مستعدين لانزلاق مضطرد إلى الركود أو ما هو أسوأ. في ظل الظروف الحالية، لا تملك السياسة النقدية ببساطة القدرة على التأثير في الأداء الاقتصادي بشكل كبير.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
ويليم هـ. بيوتر كبير خبراء الاقتصاد الأسبق لدى سيتي جروب، وهو أستاذ زائر في جامعة كولومبيا.