فيروس كورونا والاقتصاد العالمي
سايمون جونسون
واشنطن، العاصمة- يعدُّ ظهور فيروس كوفيد- 19، وهو فيروس كورونا جديد، حالة طارئة مأساوية في مجال الصحة العامة. ويأمل المرء في السيطرة على هذا المرض بسرعة، لكن صندوق النقد الدولي يحذر بالفعل، من أنَّ النمو الاقتصادي في الصين قد يتباطأ. وبينما نراقب الوضع وهو ينكشف، أصبحت ثلاثة أكبر مخاطر على الاقتصاد العالمي أكثر وضوحاً.
ويتجلى الخطر الأول بوضوح في الصين نفسها. إذ في حين أنَّ المصدر الدقيق للمرض لا يزال مبهماً، من الصعب أن نتخذ وجهة نظر محددة، بشأن ما إذا كان من الممكن تجنب تفشي مرض من هذا النوع- على سبيل المثال، عن طريق تحكم أفضل في النظافة في أسواق المواد الغذائية. ولكن يتضح وضوحاً مؤلماً، أنَّ الافتقار إلى الشفافية في الصين زرع الخوف، بل وبعث موجة من الذعر في جميع أنحاء العالم.
وكما أثبتت الأسواق المالية في الفترة ما بين 2007 و2008، عندما لا يُفهم المعدل المضبوط للمخاطر الكبيرة فهماً جيداً، غالباً ما يتحمل الناس الأسوأ. إذ قد لا يتضمن الانخفاض السريع في أسعار الأصول الكثير من المعلومات- باستثناء أنه لا يوجد هناك الكثير من المعلومات ليتضمنها.
ما هو المعدل الحقيقي للوفيات المرتبطة بCOVID-19؟ ولماذا، من المفترض أن تختلف معدلات الوفيات إلى درجة كبيرة بين المناطق؟ ما الذي يفسِّر سهولة انتقال هذا الفيروس، في بعض الأحيان، عبر مسافات بعيدة؟ ما هي الآثار الدقيقة للحجر الصحي للأشخاص في مبنى، أو مستشفى مؤقت، أو مدينة معينة؟
من المؤكد أنَّ السلطات الصينية ليس لديها كل الإجابات في الوقت الراهن، لكن ميلها إلى قمع البيانات والتفسير ليس مجدياً.
والخطر الثاني، هو أنَّ انعدام القيادة الأمريكية يزداد وضوحاً كل يوم لدرجة مؤلمة. إذ تمتلك الولايات المتحدة أقوى نظام صحي طبي في العالم، مع قدرة لا يعلى عليها على البحث والتطوير (في القطاع الحكومي والخاص). ومع ذلك، يبدو أنَّ إدارة الرئيس دونالد ترامب، منشغلة بالدرجة الأولى بالتقليل من المخاطر، مع إبقاء الفيروس خارج الولايات المتحدة- وهي مهمة شبه مستحيلة.
ويعمل القطاع الخاص بجد لإيجاد لقاح، وهذا أمر يستحق الثناء. ولسوء الحظ، على مدى فترة زمنية أطول، أدى الافتقار إلى سوق ثابت لمثل هذه اللقاحات، إلى تقويض الاستثمار في هذا القطاع. وعن طريق إنشاء أكبر سوق في العالم للعديد من الأدوية، تدعم الولايات المتحدة، دعماً فعالاً، الأبحاث المتعلقة بمجموعة واسعة من الأمراض- ولكن فقط تلك التي يوجد عليها طلب كبير، وثابت، في الولايات المتحدة.
ويجب على حتى أكثر الأشخاص إيماناً بشعار "أميركا أولاً" للرئيس ترامب، أن يكونوا على استعداد للاعتراف بأنه ليس من مصلحة أمريكا أن يمرض بقية العالم. إنَّ هؤلاء هم حلفاء الولايات المتحدة، وأصدقاؤها، وعملاؤها. وشِئنا أم أبينا، بالكاد ستُمنع أمراض من اجتياز حدود أمريكا. إذ في الواقع، قالت المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، إن السؤال ليس هو ما إذا كان كوفيد-19 سينتشر محلياً أم لا، بل متى سيحدث ذلك.
ويكمن الخطر الثالث في الأسواق الناشئة، والبلدان النامية. إن البلدان الفقيرة غير مجهزة للتعامل مع مرض من هذا النوع، كما يتضح ذلك من خلال رفض الدول الإفريقية نقل مواطنيها جواً من الصين.
لقد هزَّت الأخبار عن وصول فيروس كورونا إلى إيطاليا الأسواق المالية العالمية، لكن إيطاليا بلد منظم جيداً، وغني. وتضمن الديمقراطية النابضة بالنشاط أنَّ الناس (داخل البلاد وخارجها)، سوف يدركون بسرعة، ما إذا كانت إجراءات الاحتواء والعلاج فعالة.
يجب أن نكون أكثر اهتماماً بالدول الأخرى، حيث التغذية أسوأ، ومعايير الإسكان ضعيفة، وحيث يمكن أن يحدث انتقال المرض بسهولة أكبر. وإذا تعرضت الأنظمة الصحية في هذه البلدان للضغط، يجب على الولايات المتحدة، وأوروبا، وغيرهما التدخل بسرعة، عن طريق المساعدة التقنية، والإمدادات الأساسية. ولكن، هناك افتقار مقلق للقيادة هنا أيضاً.
ويبدو من غير المحتمل أن يثبت هذا المرض خطورته الفتاكة، مثل بعض الأمراض التي أصيب بها أسلافنا. إذ تقدمت الممارسة الطبية، والصحة العامة تقدماً كبيراً. ويعدُّ مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها منظمة بارزة، ولدى منظمة الصحة العالمية سجل حافل لإنجازاتها في وقت الشدة. وتؤدي مجموعات القطاع الخاص من الأطباء، والممرضين المتفانين جيدا للغاية، عملاً جيداً، في ظل أصعب الظروف، عندما يُمنحون فرصة، مثل التعامل مع الإيبولا. إننا محظوظون للعيش في عصر يضم الكثير من الأبطال.
ومع ذلك، لا يزال هذا الفيروس ناقوس إنذار. إذ تتجاهل المجتمعات الوصول إلى أنظمة الرعاية الصحية، وتحد من الاستثمارات في البحث والتطوير بشكل كبير. ودائماً ما تتطور الأمراض، ويجب علينا أن نزيد باستمرار من قدرتنا على فهم التهديدات المستجدة ومكافحتها.
إنَّ أفضل طريقة للمضي قدماً، هي تقوية العلوم، وتدريب المزيد من العلماء، وبناء المزيد من المختبرات. ويتعيَّن على الدول القادرة على القيام بذلك- مثل الولايات المتحدة- تبادل الأفكار والمعرفة على أوسع نطاق ممكن.
إنَّ تعزيز الاستثمار في العلوم هو اقتراح اقتصادي جذاب. ونظراً لمعدلات العائد الاجتماعي المرتفعة جداً، فإنَّ البحث الأساسي عبر مجموعة واسعة من الأنشطة، مشروع أكثر من مربح.
ولكن هذا لا يتعلق بالاقتصاد. فعلى الأرجح، يوماً ما، سينقذ عالم ما حياتك، أو حياة أحد أفراد أسرتك، لأنَّ عمله السابق أنتج دواء، أو علاجاً، أو مجرد فكرة أحدثت فرقاً مهماً. يجب أن نستثمر في العلماء لإنقاذ أنفسنا، وجيراننا. ويجب أن نتذكر أنَّ لدينا جيراناً في جميع أنحاء عالمنا الشديد الترابط.
ترجمة: نعيمة أبروش Translated by Naaima Abarouch
يشغل سيمون جونسون، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، منصب أستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا التابع لكلية سلون، ومنصب مستشار غير رسمي للحملة الرئاسية للسيناتور إليزابيث وارين. وهو مؤلف مشارك، مع جوناثان غروبر، لكتاب انطلاقة سريعة لأميركا: كيف يمكن للعلم المتقدم أن ينعش النمو الاقتصادي والحلم الأمريكي
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org