عندما يأتي فيروس كورونا 2019 إلى أفريقيا
أركيبي أوكوباي
أديس أبابا ــ من الواضح أنَّ مرض فيروس كورونا 2019 (COVID-19) ــ الذي انتشر الآن إلى أكثر من 100 دولة ــ دَفَـع العالَم إلى "منطقة مجهولة"، على حد تعبير مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم. حتى الآن، سجلت إفريقيا عدداً قليلاً نسبياً من الإصابات، ولكن لا يوجد من الأسباب ما يحملنا على الاعتقاد بأنَّ هذا لن يتغيَّر. وعندما يتغيَّر، فإنَّ النتائج قد تكون كارثية.
ما علينا إلا أن نتذكَّر تفشي وباء إيبولا في غرب إفريقيا في الفترة من 2014 إلى 2016 لكي نفهم الأضرار المحتملة. كانت الدول الأكثر تضرراً هي غينيا (3814 حالة إصابة، ووفاة 2544 منها)، وليبيريا (10678 إصابة، ووفاة 4810)، وسيراليون (14124 إصابة، ووفاة 3956). علاوة على ذلك، منذ أغسطس/آب 2018، واجهت جمهورية الكونغو الديمقراطية تفشي وباء إيبولا على نطاق واسع، مع 3444 إصابة، ووفاة 2264 (حتى العاشر من مارس/آذار 2020).
رغم أنَّ معدل الوفيات بين المصابين بفيروس إيبولا أعلى كثيراً من مثيله بين المصابين بفيروس كورونا 2019، فإنَّ انتشار الأخير السريع يُـظـهِـر أنه من الممكن أيضاً أن يخرج عن نطاق السيطرة سريعاً، مما قد يتسبب في إحداث اضطرابات اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة. على سبيل المثال، لم يبدأ معدل الإصابة بعدوى فيروس كورونا 2019 في الصين يتجه نحو الانحدار إلا بعد أسابيع من التدابير الجريئة المتماسكة، والتعبئة المجتمعية النشطة، فضلاً عن تدابير الإغلاق "القاسية". ويتبقى لنا أن نرى ما إذا كانت الصين نجحت في احتواء الفيروس حقاً.
في إفريقيا، يتواصل سباق التحضير والاستعداد. وهذا يعني التطبيق العاجل للدروس المستفادة من فاشيات فيروس إيبولا الأخيرة ــ بدءاً بإدراك حقيقة مفادها أنَّ أنظمة الصحة الوطنية الضعيفة تجعل المشكلة السيئة أشدَّ سوءاً. الكثير من هذه الأنظمة لا تملك إلا القليل من المال، والبنية الأساسية، والخبرة. على حدِّ تعبير الباحثين بيتر بايوت وجوليا سبنسر، ومعهما الطبيب الليبيري موسى ج. سوكا "يتعين على الدول أن تعمل على تعزيز قدراتها الأساسية لمنع تفشي المرض واكتشافه والاستجابة له، بالاستعانة بالاستثمارات المحلية المناسبة، والدولية إذا اقتضى الأمر".
لكن الاستثمار المباشر في البنية الأساسية وخدمات الرعاية الصحية ليس سوى خطوة أولى. كثيراً ما أعيقت جهود مكافحة فيروس إيبولا بفِعل سياقها الاجتماعي، بما في ذلك الديناميكيات المجتمعية، والمعتقدات المحلية، وانعدام الاستقرار السياسي، والهشاشة الاقتصادية، والافتقار إلى الثقة بالحكومة والمؤسسات. وعلى هذا فإنَّ الجهود المبذولة لتعزيز المعرفة والثقة بين عامة الناس تشكل عنصراً بالغ الأهمية لتعزيز فعالية أي استراتيجية في الاستجابة لفيروس كورونا 2019.
على سبيل المثال، يجب أن يعرف الناس أنَّ التغيرات السلوكية الأساسية ــ وخاصة غسل اليدين المتكرر الشامل، والسعال داخل الذراع مع ثني الكوع، وتجنب الازدحام ــ من الممكن أن تحدث فارقاً كبيراً. ويتعين عليهم أن يدركوا أن الأقنعة الطبية لا توفر سوى قدر ضئيل من الحماية لعامة الناس، وأنَّ محاولات اكتناز الأقنعة أدت إلى التلاعب بأسعارها ونقص المتاح منها للعاملين في مهنة الرعاية الصحية. يجب أن يفهموا أيضاً أن اللقاح الـمُـدَقَّـق المختبر بشكل كامل وافٍ لا يزال بعيداً.
وبالتالي فإنَّ الرسالة المتسقة الجديرة بالثقة ــ المنسقة بين العناصر المؤثرة في المجتمع مثل الشيوخ، والقادة الدينيين، ووسائل الأعلام، والمسؤولين الحكوميين ــ تشكل أهمية بالغة. ويتعين على المسؤولين عن الصحة أن يتبادلوا المعلومات حول تقدم الفيروس، والتدابير المتخذة لاحتوائه، في الوقت المناسب وبطريقة شفافة.
لكن الضرورة تمتد إلى ما هو أبعد من إبقاء جماهير الناس على اطلاع. فكما يقر بايوت، وسبنسر، وسوكا، يجب "إشراك وتمكين" المجتمعات باعتبارها من الشركاء الأساسيين في أنشطة التأهب والاستجابة. وسوف يساعد هذا النهج على تعزيز أولوية أخرى: تكييف التدابير مع الظروف المحلية، بما في ذلك المعايير الثقافية، والهياكل المجتمعية، والمهن السائدة، والقدرة على التنقل، والبيئة السياسية، وقدرة الأنظمة الصحية.
كل هذا يتطلب قيادة حاسمة. فبدلاً من ترك الاستجابة لوزارات الصحة، ينبغي لرؤساء الحكومات الأفارقة أن يعكفوا على إنشاء لجان رفيعة المستوى أو فرق عمل لتبسيط عملية اتخاذ القرار وتعبئة الموارد، بما في ذلك من خلال تسهيل التنسيق بين الهيئات الحكومية. وقد أنشأ بلدي أثيوبيا بالفعل فرقة عمل رفيعة المستوى، وعمل على تنظيم مرافق تشخيصية ومختبرية وطنية، على الرغم من عدم ظهور حالات مؤكدة.
إذا أديرت بشكل جيد، فسوف تؤدي الاستجابة لتفشي مرض فيروس كورونا 2019 إلى زيادة قوة أنظمة الرعاية الصحية وتجهيزها على نحو أفضل للحفاظ على صحة السكان في الأوقات العادية ــ والاستجابة لأزمات حتمية في المستقبل. ولكن لتحقيق النجاح، تحتاج الحكومات الإفريقية إلى دعم خارجي.
قدمت منظمة الصحة العالمية إرشادات حول كيفية مكافحة فيروس كورونا 2019. ومن خلال التنسيق مع مفوضية الاتحاد الإفريقي والمنظمات الإقليمية، ستكتسب المزيد من القدرة على تعبئة الموارد المقدمة من شركائها الدوليين.
ينبغي للحكومات الأكثر خبرة (وخاصة الصين) والهيئات التي تتمتع بموارد أفضل (مثل المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها) أن تعمل أيضاً على تقديم المشورة والدعم. ولتسهيل عملية اتخاذ القرار الفعّال، يتعين على وزارات الصحة الأفريقية أن تحرص على الإبقاء على جميع الهيئات ذات الصلة على اطلاع كامل على الموقف على الأرض.
كما ينبغي لأي استجابة شاملة لتفشي فيروس كورونا 2019 أن تأخذ في الاعتبار العواقب الاقتصادية المترتبة على الوباء. لقد بدأت أسعار النفط تهبط بالفعل ــ وهي أنباء سيئة للدول المنتجة في إفريقيا. علاوة على ذلك، تنذر ارتباكات سلاسل التوريد بانحدار الصادرات. وقد بدأ الضرر الذي لحق بقطاعي السفر والسياحة يتكشف للتو.
فقد أوقفت العديد من شركات الطيران الإفريقية رحلاتها إلى الصين، بما يخالف نصيحة منظمة الصحة العالمية واتحاد النقل الجوي الدولي. لكن شركات أخرى لم تفعل. وتجدر الإشارة إلى أن الخطوط الجوية الأثيوبية، أكبر شركة طيران في إفريقيا (وأكبرها من حيث عدد الركاب الذين تنقلهم بين الصين وإفريقيا)، فرضت بروتوكولات جديدة للتفتيش الصحي وإجراءات الوقاية، بما في ذلك عند نقاط المغادرة ــ وهي عملية تطلبت تعاوناً وثيقاً مع السلطات الصينية. كما تلقى الطيارون وطواقم الطائرات التدريب على حماية أنفسهم وركابهم. كما أنشأت الإدارة العليا للشركة فرق عمل تجري مراجعة عملها يومياً، ويقوم مجلس إدارتها بمراجعة الموقف أسبوعياً.
يتماشى هذا مع السياسة التي انتهجتها الخطوط الجوية الأثيوبية أثناء تفشي وباء إيبولا، عندما قررت أيضاً عدم تعليق رحلاتها. ولكن مع تطور موقف فيروس كورونا 2019، ربما تضطر شركة الطيران إلى تغيير نهجها ــ للحد من خسائر كبيرة محتملة. وقد تواجه العديد من الشركات قرارات مماثلة في الأسابيع المقبلة. ولكي تتمكن من حماية اقتصاداتها، يتعين على الحكومات الإفريقية أن تبادر إلى التحرك الآن، فتعمل بالتعاون مع مراكز الفِكر والبحوث والمنظمات الإقليمية على تصميم حلول فعّالة.
لا أحد يستطيع أن يجزم بمقدار الوقت اللازم للسيطرة على مرض فيروس كورونا 2019، أو عدد الأشخاص المتضررين به. لكن الحكومات الإفريقية، بالتعاون مع المجتمعات والجهات الدولية الفاعلة، قادرة على اتخاذ خطوات ضرورية الآن للحد من الضرر ــ وإرساء الأساس لمستقبل أكثر صحة وقدرة على الصمود.
ترجمة: مايسة كامل Translated by: Maysa Kamel
أركيبي أوكوباي وزير أول ومستشار خاص لرئيس وزراء أثيوبيا، وهو زميل متميز في معهد التنمية الخارجية، وأحدث مؤلفاته كتاب بعنوان "التنمية الاقتصادية الإفريقية: الأدلة، والنظرية، والسياسة"، وكتاب "دليل أكسفورد للمراكز الصناعية والتنمية الاقتصادية".
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org