هل يصمد اقتصاد الصين أمام فيروس كورونا؟

مايكل سبنس

ميلانو ــ تسبب فيروس كورونا المستجد، COVID-19، الذي نشأ في ووهان في الصين في ديسمبر/كانون الأول، في مقتل الآلاف وتغيير الحياة اليومية لملايين من البشر ووضع العالم بأسره على حافة الهاوية. ولأنَّ علماء الأوبئة لم يتوصلوا بعد إلى آليات انتقال الفيروس، فلا أحد يستطيع أن يجزم عن يقين متى يمكن احتواء الفاشية، ناهيك عن تداعياتها الاقتصادية.

لكن هذا لا يعني أنَّ التوصل إلى تخمينات مستنيرة أمر غير وارد. إذ تشير التجربة التاريخية مع الصدمات الكبرى المماثلة إلى أن الأضرار الاقتصادية في الأمد القريب ربما تكون كبيرة. فمع عزوف المستثمرين عن المجازفة في إدارة محافظهم الاستثمارية، ينبغي لنا أن نتوقع تقلب السوق، وخاصة في القطاعات التي تعدُّ أشد عُرضة للخطر، مثل السفر والسياحة، والسلع الفاخرة، والسيارات.

يشير عدد من التقديرات المعقولة (بعضها عام والآخر خاص) إلى أن الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الصين ربما ينخفض بنسبة تتراوح بين نقطتين إلى أربع نقاط مئوية كل ثلاثة أشهر قبل أن يبلغ الفيروس ذروته. وعلى وجه الخصوص، سوف يتأثر الاستهلاك والناتج بشدة، وخاصة بسبب القيود المفروضة على التنقل، سواء طوعاً أو قسراً. ومن الواضح أنَّ الوفرة التي تجلبها عطلة رأس السنة القمرية ضاعت بالفعل.

السؤال الآن هو متى تأتي الذروة. تشير التوقعات المتفائلة إلى انتعاش جزئي في الربع الثاني من هذا العام. وأنا أعتقد أن التعافي في الربع الثالث توقع أكثر واقعية، مع تأثيرات مادية على النمو العالمي السنوي. لكن لا يجوز لنا أن نستبعد احتمال وباء مطول يلحق أضراراً أكبر كثيراً بالاقتصادات، نظراً لفشل الأعمال، وتراجع فرص العمل، وتعثُّر الاستثمار الخاص، والاستجابات السياسية الضعيفة أو المتأخرة.

ولكن بعيداً عن هذا الحدث "النادر"، يشير التاريخ إلى أنَّ التأثيرات المترتبة على فيروس كورونا المستجد في الأمد البعيد ربما تكون ضئيلة أو حتى لا تُـذكَر. ويصبح هذا الاحتمال أكثر ترجيحاً؛ لأن اقتصاد الصين أبعد ما يكون عن الهشاشة. الواقع أنه أقلُّ اعتماداً على التجارة مما كان عليه في عام 2003، أثناء تفشي سلالة أخرى من فيروس كورونا، أو متلازمة الالتهاب الرئوي الحاد (سارس)، والاقتصاد الصيني مجهز للارتداد بسرعة من الصدمات الكبيرة بشكل معقول.

يتلخص أحد مصادر القوة الذي لا ينال حقه من التقدير في التوسع السريع الذي يحققه الاقتصاد الرقمي في الصين. إنَّ ما يقرب من 35.3% (وإن كان الرقم الحقيقي أقرب إلى 25%) من كل مبيعات التجزئة الصينية يحدث الآن عبر الإنترنت؛ وانتشار الإنترنت عبر الأجهزة المحمولة مرتفع للغاية وهو يواصل الارتفاع؛ وأنظمة الدفع بواسطة الأجهزة المحمولة في الصين هي الأكثر تقدماً على مستوى العالم. ولأن أغلب الناس والشركات متصلة ونشطة على شبكة الإنترنت، فمن السهل توليد كميات ضخمة من البيانات التي تعمل بشكل فوري، بفضل الذكاء الاصطناعي، على توسيع نطاق وفعالية الأنظمة الإيكولوجية الرقمية.

وسوف يقطع هذا شوطاً طويلاً نحو تعزيز مرونة الصين الاقتصادية، وخاصة في مواجهة الأزمة التي تحد من الحركة المادية. وتعني البنية الأساسية الرقمية المتقدمة تمكين العاملين في العديد من الوظائف والصناعات من الاستمرار في العمل من المنزل، حتى لو جرى عزلهم أو احتجازهم. على نحو مماثل، ربما تكون المنصات التعليمية المتطورة قادرة على التعويض عن بعض التأثيرات الناجمة عن إغلاق المدارس.

علاوة على ذلك، في ما يتصل بالشركات التي تواجه تحديات مرتبطة بالتدفق النقدي ورأس المال العامل، يمكن تمديد الائتمان وتعديل الشروط عن بُـعد. وهذا من شأنه أن يقلل إلى أدنى حد من الأضرار البعيدة الأمد التي قد تلحق بقطاع الخدمات، وخاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم. كما يمكن تمديد منتجات التأمين عبر الإنترنت في العديد من المجالات، بما في ذلك قطاع الصحة. ومن الممكن أن يجري طلب الإمدادات الطبية عبر الإنترنت والتغلب على النقص الناجم عن الأزمة، حيث تكتشف الخوارزميات بسرعة العوائق والاختناقات وتتعامل معها. كما يمكن أن توفر المنصات عبر الإنترنت دفاعاً قوياً ضد التلاعب الانتهازي بالأسعار، والذي يحد من توافر السلع والخدمات الأساسية، وخاصة لأولئك الأكثر ضعفاً. على سبيل المثال، حذرت شركة أمازون البائعين بالفعل لحملهم على الامتناع عن تقاضي أسعار باهظة على أقنعة الوجه، وإلا فإنهم يواجهون خطر الخروج من موقع أمازون.

لأن حصة أكبر من الاقتصاد تُـدَار عبر الإنترنت، فإنَّ تتبع أدائها يصبح أسهل، وأسرع، وأكثر دقة. ومن الممكن استخدام مثل هذه البيانات لتصميم استجابات سياسية وتحسين دقة التنبؤات، وبالتالي تعزيز ثقة الأعمال، وتشجيع الاستثمار، والتعجيل بالتعافي.

في بقية العالم، تواجه السياحة صدمة سلبية كبيرة بشكل خاص، حتى في الدول التي لم تتضرر بشدة. من المرجح أيضاً أن تعاني الشركات التي لها حضور كبير في الصين ــ كتلك في قطاعات مثل السيارات والسلع الترفية ــ لكنها من المحتمل أيضاً أن تتعافى إلى جانب الاقتصاد الصيني.

ولكن حتى لو نجح احتواء فيروس كورونا المستجد قريباً إلى حدٍّ ما، فربما تفضي الأزمة إلى التعجيل بالجهود الرامية إلى نقل العناصر الرئيسة لسلاسل الإمداد العالمية بعيداً عن الصين. كانت هذه العملية جارية لسنوات عديدة، وكانت مدفوعة بالتحوُّل الذي طرأ على ميزة الصين النسبية من الإنتاج الرخيص الكثيف العمالة إلى الأنشطة التجارية ذات القيمة المضافة الأعلى. وقد عملت التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين على تعزيز هذا الاتجاه. وربما يعطي فيروس كورونا زخماً إضافياً لهذا الاتجاه.

لكن الأمر الأكثر أهمية من وضع الصين في سلاسل القيمة العالمية هو إدراك حقيقة مفادها أن شبكات الإمداد العالمية في الإجمال تخضع لضغوط شديدة وتفتقر إلى المرونة والقدرة على الصمود، وإن كان من غير الواضح ما إذا كان تفشي فيروس كورونا يحفز التغيير. فقد كان هذا أيضاً الدرس المستفاد من زلزال توهوكو وتسونامي اليابان في عام 2011، والذي أدى إلى انصهار المفاعل الذري في محطة دياتشي لتوليد الطاقة النووية في فوكوشيما وتعطيل سلاسل الإمداد العالمية.

يتوقع بعض المراقبين أن يخلف تفشي فيروس كورونا تأثيراً كبيراً على مصداقية الحكومة الصينية أيضاً. وهذا يبدو احتمالاً غير مرجح. فعلى الرغم من التأخر في مستهل الأمر، اتخذت السلطات الصينية في النهاية تدابير حاسمة. وربما لم تكن هذه التدابير مثالية، ولكن في خضم أزمة كهذه، لا توجد اختيارات كبرى، وليس هناك ما قد يضمن نجاح التدابير المختارة.

مع ذلك، هناك دروس لقادة الصين. أحد الدروس الواضحة هنا هو أن المعلومات الموضوعية التي تتجه من الأسفل إلى الأعلى تشكل أهمية بالغة للكشف المبكر والاستجابة الفعّالة. ويبدو من المرجح بمجرد احتواء الأزمة أن تتخذ الصين خطوات لضمان عدم تسبب النظام في حجب تدفق مثل هذه المعلومات أو غربلتها في المستقبل.

الواقع أنَّ المخاطر النادرة الحدوث التي قد تترتب على وباء فيروس كورونا المستجد كبيرة ومخيفة، ولكن في الوقت الحاضر، لا تبدو هذه المخاطر مرجحة، وخاصة إذا افترضنا استمرار الاستجابات الجادة القوية والمتكيفة على المستويات المحلية والدولية. بدلاً من ذلك، من المحتمل أن تكون العواقب الاقتصادية المترتبة على تفشي الوباء كبيرة لكنها عابرة مؤقتة. أما ما لن يكون عابراً فهو التكاليف البشرية.

ترجمة: إبراهيم محمد علي          Translated by: Ibrahim M. Ali

مايكل سبنس حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، وأستاذ الاقتصاد في كلية شترين لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك، وكبير زملاء مؤسسة هوفر.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org