إيطاليا تعاني من أزمة جديدة

باولا سوباتشي

بولونيا- يعدُّ شمال إيطاليا، حالياً، مركز تفشي فيروس كوفيد-19 في أوروبا. وحتى الآن، توفي 17 إيطالياً بسبب فيروس كورونا الجديد، وأصيب به 650 آخرون. وقد أغلقت المدارس في المنطقة، وعَلَّقت الجامعات الدروس، وطلبت الشركات من موظفيها العمل من المنزل، وأغلقت العديد من المسارح، ودور السينما، والحانات. وتسبب الفيروس في إلغاء اليومين الأخيرين من كرنفال البندقية، الذي يستقطب آلاف الزوّار كل عام. وتخضع المنطقة الواقعة جنوب ميلانو، حيث بُلِّغ عن أول حالة إصابة بـكوفيد-19 في إيطاليا، للحجر الصحي.

إنها ليست المرة الأولى التي تضرب فيها الأوبئة شمال إيطاليا، التي كانت في قلب طرق التجارة في العصور الوسطى، وعصر النهضة. وفي الواقع، كانت فينيسيا أول مدينة تُطور طرق احتواء الأمراض الشديدة العدوى، وعلاجها. إذ في ذلك الوقت، كانت السلطات تعزل الأشخاص الذين كانت تظهر عليهم أعراض المرض، في المحاجر البحرية (سفن كانت تظل راسية في الميناء، وكانت تستخدم للحجر الصحي) في الجزر الواقعة خارج المدينة، وقَيدت حركات البندقية وتفاعلاتها مع سكان فينيسيا الذين لم تظهر عليهم أعراض المرض، خلال فترة الحجر الصحي التي استمرت 40 يوماً.

واختلطت الأدلة فيما إذا كانت هذه التدابير فعالة. إذ خسرت ميلانو ما يقرب من نصف سكانها بسبب الطاعون في عام 1630، وفقدت البندقية ما يقرب من 30٪. ولكن كان من الممكن أن يكون معدل الوفيات أعلى بكثير، لو لم تتصدى السلطات للعدوى كما فعلت.

وأسهم الطب الحديث، ومستويات المعيشة الصحية، في التقليل من تواتر الأوبئة إلى حدٍّ كبير، وتباطؤ وتيرة العدوى بشكل ملحوظ، وتراجع معدلات الوفيات. إذ يبلغ معدل الوفيات الإجمالي بسبب كوفيد-19 حالياً، 34 تقريباً في كل ألف، وأكثر عرضة للخطر هم المسنون، والذين يعانون من مشاكل صحية. بينما بلغت معدلات الوفيات جراء الأوبئة، التي ضربت شمال إيطاليا الحديثة في الماضي، بين 300 و400 في كل ألف.

والسؤال الكبير الآن، هو ما إذا كانت تدابير الاحتواء الخاصة بـكوفيد-19، التي تتخذها السلطات الإيطالية تتناسب مع حجم المشكلة، أم أنها شديدة القسوة. وفضلاً عن ذلك، هل تُملى هذه الخطوات انطلاقاً من أهداف حقيقية للسياسة العامة، أم أن معظمها تمليه اعتبارات سياسية؟

وتعدُّ إدارة المخاطر الأساسية، وتعزيز المرونة، من الأهداف الرئيسة للسياسة العامة. إذ يجب احتواء تفشي أنفلونزا شديدة العدوى في منطقة مكتظة بالسكان، حتى لو كان معدل الوفيات ضئيلاً، لأنَّ الوباء سوف يتسبَّب في انهيار المستشفيات، وأنظمة الرعاية الصحية في العديد من المناطق. وكما هي الحال مع الأزمات المالية، من الأفضل دائماً منع حدوث أزمة بدلاً من مواجهتها، لأنَّ هذه الأخيرة تنطوي على تكاليف اقتصادية، واجتماعية، وسياسية ضخمة.

ولا يبدو أنَّ التدابير السابقة التي تهدف إلى احتواء انتشاركوفيد-19، مثل الحجر الصحي وحظر السفر، ناجعة في عصر التنقل والتكامل الاقتصادي. إذ بعد أن أعلنت حكومة الولايات المتحدة، في نهاية شهر يناير/كانون الثاني، أنها سترفض مؤقتاً دخول الرعايا الأجانب، الذين سافروا أخيراً إلى الصين، منعت الحكومة الإيطالية الرحلات الجوية المباشرة من وإلى الصين. ولكن هذا الإجراء- الذي اعتُمد استجابة لضغوط من حزب الرابطة اليمينية الشعبوية- سيخلق توترات مع الصين، الشريك التجاري الرئيس، الذي يشتري نحو 16 مليار دولار من الصادرات الإيطالية كل عام. كما أنَّ حظر الرحلات الجوية، لا يحل مشكلة مراقبة الوصول غير المباشر إلى إيطاليا من الصين.

وقد ينتعش الحظر على إيطاليا بطرق أخرى أيضاً. إذ على سبيل المثال، قد يتم إغراء جيرانها الأوروبيين بفرض حظر على الإيطاليين، من أجل تهدئة القلق الشعبي، والمشاعر المعادية للأجانب. وقد حث الزعيم اليميني المتطرف، مارين لوبان، الحكومة الفرنسية بالفعل على تعليق اتفاقية شنغن، وفرض قيود على الحدود مع إيطاليا. وفي وقت سابق من فبراير/شباط، منعت السلطات النمساوية، لفترة وجيزة، القطارات التي تدخل البلاد من إيطاليا.

وتؤثّر الأوبئة في بلدان مختلفة بطرق مختلفة، ويجب على صانعي السياسات الوطنية، تصميم ردود فعلهم وفقاً لذلك. وفي الوقت نفسه، يجب على الحكومات تنسيق التدابير الرامية إلى حماية العاملين في مجال الرعاية الصحية، والأفراد، والبلدان الضعيفة. والدرس المستفاد من إيطاليا حتى الآن، هو أنَّ عدم التنسيق بين الحكومات المحلية، إلى جانب التفتت السياسي، يعرض جميع تدابير الاحتواء للخطر، عن طريق تشجيع المزيد من الناس على مغادرة المناطق الأكثر تضرراً. فعلى سبيل المثال، عاد الكثير من طلاب الجامعة إلى مدنهم من شمال إيطاليا. لذلك، لن تنجح تدابير الاحتواء في مكان واحد إلا في نقل المشكلة إلى مكان آخر.

ويتوقع حالياً أن فيروس كوفيد-19 سيستمر في الانتشار داخل إيطاليا، وفي جميع أنحاء أوروبا. وعلى الرغم من أنَّ الأرقام لا تزال صغيرة- على سبيل المثال، لا يوجد سوى 41 حالة مؤكدة في فرنسا- فإنَّ مستوى الذعر مرتفع بما يكفي، لفتح المجال أمام تدابير مقيِّدة محتملة.

ونظراً إلى المناخ السياسي السام اليوم، هل يمكننا أن نتأكد من أنَّ الحكومات لن تتخذ تدابير تلغي التشريعات القائمة، وتقيد الحقوق والحريات الفردية؟ هل يفقد الأشخاص المصابون بفيروس كوفيد-19 حقهم في العلاج الصحي أثناء تواجدهم بالخارج، على سبيل المثال؟ أو هل يمكن منعهم من العودة إلى بلدانهم، وهو ما اعتبره الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الحال بالنسبة للأمريكيين المصابين بالخارج؟ لقد أبرز تفشي كوفيد-19، في هذا الصدد، عدم وجود إطار قانوني دولي للتعامل مع الأوبئة.

وفي غضون ذلك، سيكون لتفشي المرض تأثير كبير في الاقتصاد الإيطالي، ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى الركود. إن شمال إيطاليا هو المحرك الاقتصادي للبلاد، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي نحو 35000 يورو (38000 دولار)- مقارنة مع الرقم الوطني البالغ 28000 يورو- ومعدل توظيف 67٪ (مقابل 59 ٪ على الصعيد الوطني). ولكن الأحداث التجارية الكبرى مثل معرض الأثاث في ميلانو قد ألغيت أو أجلت، كما ألغيت رحلات العمل، وانتشرت حالة عدم اليقين. وفضلاً عن ذلك، تضرب عمليات الإلغاء المرتبطة بالفيروسات صناعة السياحة في البلاد، والتي تمثّل 14٪ من الناتج المحلي الإجمالي.

وبعد فترة طويلة مثقلة بالاقتصاد البطيء- نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0.2٪ فقط في عام 2019- وتواجه إيطاليا، الآن، الركود. وإلى جانب التباطؤ الاقتصادي في ألمانيا، وعدم اليقين فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فإنَّ أزمة كوفيد-19 في البلاد، تعدُّ أخباراً أخرى قاتمة بالنسبة إلى أوروبا.

ترجمة:  نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

تشغل باولا سوباتشي، منصب أستاذة الاقتصاد الدولي بمعهد كوين ماري للسياسات العالمية بجامعة لندن، وهي مؤلفة كتاب "تكلفة النقود المجانية".

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org