مقاومة السياسة الصناعية الصينية ممارسة هَـدّامة

تشانج تاي هسيه

شيكاغو ــ حاول القادة السياسيون في الولايات المتحدة لفترة طويلة مقاومة السياسة الصناعية الصينية. والآن، يبدو أنهم قرروا أن أفضل طريقة لمقاومتها هي محاكاتها. لكن أجندتهم تنم عن افتقار عميق إلى فهم التحدي الفريد الذي يفرضه اقتران النظام السياسي الاستبدادي باقتصاد السوق الديناميكي في الصين.

في بعض الأحيان، يُـطـلَـبَ من الملايين من الشركات الصينية، بما في ذلك بعض الشركات الأكثر إبداعًا في العالم، خدمة أهداف النظام السياسية ــ وهو تزاوج غير مسبوق بين شركات خاصة رائدة ودولة لينينية ذات حزب واحد. الواقع أنَّ الدول الغربية لا يمكنها مضاهاة هذا التزاوج، ولا ينبغي لها أن تحاول. لكن القسم الأعظم من الاستجابة السياسية تجاه الصين مضلل.

على سبيل المثال، تريد الولايات المتحدة من الصين أن تقلص دعمها للشركات المملوكة للدولة، على الرغم من الأدلة الدامغة التي تؤكِّد أنَّ مثل هذه المساعدة تحرم الشركات الصينية الخاصة من الموارد. يأتي التحدي الحقيقي لأميركا من جانب الشركات الخاصة مثل هواوي وعلي بابا، التي تنتج السلع التي يشتريها المستهلكون الأميركيون بحماسة وشوق. ولا يأتي من الشركات المملوكة للدولة مثل شركة كوماك لصناعة الطائرات، التي لم تحقِّق أية أرباح على الإطلاق، والأمر الأكثر أهمية أنها حالت دون ظهور شركة صينية من القطاع الخاص تعادل شركة بوينج.

الواقع أنَّ الشركات الخاصة التي تهيمن الآن على الاقتصاد الصيني لم تنطلق إلا بعد أن أغلق رئيس الوزراء الأسبق تشو رونج جي أو خصخص مئات الآلاف من الشركات المملوكة للدولة في أوائل العقد الأول من القرن الحالي. حررت عمليات الإغلاق رأس المال للشركات الخاصة ومهدت الطريق أمامها للنمو. تُـرى هل يعتقد أي شخص بجدية أنَّ الاقتصاد الصيني قد يصبح أقوى إذا تراجع صنّاع السياسات عن إصلاحات تشو وقرروا إحياء كل شركات الدولة القديمة الخاسرة؟

أو لنتأمل هوس الولايات المتحدة بما يسمّى خطة الحكومة الصينية "صُـنِـع في الصين 2025"، التي تقضي بتوجيه إعانات الدعم إلى الشركات الخاصة العاملة في قطاعات "استراتيجية" مثل أشباه الموصلات. ولا تزال المداولات دائرة حول ما إذا كانت مليارات الرنمينبي التي تُـنـفَـق لدعم مثل هذه الصناعات لتثبت فعاليتها، لكن الأدلة حتى الآن غير مشجعة.

الشركة المهيمنة على صناعة أشباه الموصلات هي "شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات"، وليست الشركة الصينية الرائدة "شنغهاي لصناعة أشباه الموصلات". وحتى الآن، أسفرت المبالغ الضخمة التي استثمرتها الصين في هذا القطاع عن إخفاقات مذهلة مثل Hongxin Semiconductor، وظهور ما يقرب من 60 ألف شركة جديدة لا تمتلك الخبرة التكنولوجية لكنها تسعى إلى الاستفادة من الدعم. تصبح مثل هذه النتائج شائعة للغاية عندما تدعم الحكومات قطاعات صناعية، ربما بسبب الافتقار إلى المساءلة ببساطة. فمن قد يتحمّل المسؤولية عندما تُـهـدَر المليارات ويكون المسؤولون الذين خصّصوا الأموال انتقلوا إلى مناصب أخرى؟

لم يكن نمو قطاع الأعمال في الصين مدفوعًا بدعم الشركات المملوكة للدولة أو السياسة الصناعية، بل كان مدفوعًا بدعم الحكومات المحلية القوي للشركات الخاصة ــ بما في ذلك هيونداي في بكين، وتيسلا وجنرال موتورز في شنغهاي. يقول أحد المراقبين القدامى لصناعة السيارات في الصين: "الهدف التجاري وراء بيع المزيد من سيارات جي إم بويك وشيفروليه في الصين يصبح حملة سياسية واقتصادية لتعزيز قوة وقدرة مدينة شنغهاي. فكر في الأمر على أنه شركة شنغهاي، وعمدة المدينة هو رئيس مجلس إدارتها ورئيسها التنفيذي".

يُـعَـدُّ دعم الحكومات المحلية حاسمًا بشكل خاص للشركات الصينية الخاصة. على سبيل المثال، أصبحت مجموعة East Hope Group أكبر منتج خاص للألومنيوم في الصين بدعم من مدينة سانمنشيا في مقاطعة خنان، على الرغم من المعارضة الشرسة من الشركة العملاقة المملوكة للدولة شينالكو.

تتنافس الحكومات المحلية الصينية بشراسة أيضًا بين بعضها بعضًا لاجتذاب الأعمال ــ وهو عامل حاسم في السماح للشركات الخاصة بالنمو. يعكس هذا التنافس بين الأمناء المحليين الأقوياء التابعين للحزب الشيوعي الصيني، الذين أصبح العديد منهم في نهاية المطاف أعضاء في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني. في المقابل، يكاد وزراء الحكومة المركزية الذين يديرون السياسة الصناعية والشركات المملوكة للدولة لا يصلون أبدًا إلى مستويات الحزب العليا.

إذا أرغمت الولايات المتحدة الصين على تفكيك دعمها للشركات المملوكة للدولة والتراجع عن سياستها الصناعية، فلن تنجح إلا في إزالة القيود والأصفاد عن القطاع الخاص، مما يزيد من احتمالية ظهور شركات خاصة مبدعة أخرى، يدعمها أمناء الحزب على المستوى المحلي، لتحدي الشركات الأميركية. ورغم أنَّ المستهلكين الأميركيين سيستفيدون، فإنَّ هذه الشركات الصينية ــ بصرف النظر عن نواياها ــ ليس لديها اختيار سوى الامتثال عندما يُـطـلَـب منها تعزيز أهداف الحزب الشيوعي الصيني السياسية.

لكن يبدو أنَّ استراتيجية الولايات المتحدة تركِّز بدلًا من ذلك على محاكاة أسوأ جوانب السياسة الصناعية الصينية. من الأمثلة على ذلك قانون تسهيل صناعة أشباه الموصلات الأميركية الصنع، الذي جرى تقديمه في الكونجرس أخيرًا، والذي يقضي بتوفير ائتمانات ضريبية لشركات تصنيع الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة. يأتي هذا في أعقاب موافقة مجلس الشيوخ الأميركي في يونيو/حزيران على استثمار بقيمة 52 مليار دولار في القطاع كجزء من قانون الإبداع والمنافسة الأميركي.

من السهل أن نفهم السبب وراء ترحيب صناعة أشباه المواصلات الأميركية بمبلغ 52 مليار دولار. لكن إلى جانب الشك في مدى عدالة دعم شركات أميركية ثرية تستخدم الرقائق الإلكترونية، فإنَّ هذا الإجراء من شأنه أن يفضي إلى ذات النتائج التي انتهت إليها المليارات التي استثمرتها الصين في أشباه الموصلات. إذ سيؤدي هذا إلى ظهور شركات متخصصة في الحصول على أموال مجانية بدلًا من الاستثمار في تكنولوجيات ومنتجات جديدة، وسوف يتسبَّب في المزيد من تخلف صناعة أشباه الموصلات الأميركية عن نظيراتها العالمية الرائدة.

ماذا يتعيَّن على أميركا أن تفعل بدًلا من ذلك إذن؟ في أواخر حياته، قال الدبلوماسي الأميركي من القرن العشرين جورج كينان "إنَّ أفضل شيء يمكننا القيام به إذا كنا راغبين في أن يتركنا الروس نمارس حياتنا كأميركيين هو أن نترك الروس يعيشون حياتهم كروسيين". الواقع أنَّ نصيحته تنطبق أيضًا على السياسة الأميركية في التعامل مع الصين اليوم، مع التعقيد الإضافي المتمثل في أنَّ القوة العظمى الاستبدادية الحالية تتبنى أيضا اقتصاد السوق.

التحدي الحقيقي المرتبط بالأعمال الذي يواجه الولايات المتحدة في مواجهة الصين يتمثل في المقايضة بين الأمن الوطني والفوائد المترتبة على التبادل الاقتصادي، وليس دعم الصين للشركات المملوكة للدولة أو إعانات الدعم الصناعية. وأسوأ ما قد تفعله أميركا في هذا الصدد هو أن تستن سياسات صناعية من ابتكارها.

ترجمة: مايسة كامل            Translated by: Maysa Kamel

تشانج تاي هسيه أستاذ الاقتصاد في كلية بوث لإدارة الأعمال في جامعة شيكاغو.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org