Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

كوفيد-19 ليس مثل الحرب العالمية الثانية

ويليام اتش جاينواي

كامبريدج- على الرغم من أنَّ هناك شعوراً بأنَّ جائحة كوفيد-19 تعدُّ غير مسبوقة ، فإنها ليست المرة الأولى التي تسببت فيها قوى خارجية بتعطيل الحياة العامة بشكل كبير جداً. إنَّ أكثر مقارنة شيوعاً هو الحشد الأمريكي للحرب العالمية الثانية ففي ديسمبر من سنة 1940 - قبل عام تقريباً من بيرل هاربر، وبينما وقفت بريطانيا وحيدة تقريباً في مواجهة العدوان النازي -  أعلن الرئيس الأمريكي فرانكلين د روزفيلت "يجب أن نكون ترسانة عظيمة للديمقراطية".

إنَّ الذي حصل هو أن أول شرح شامل للحشد الصناعي الأمريكي للحرب "الصراع من أجل البقاء" كتبه والدي إيليوت جاينواي سنة 1951، ونتيجة لذلك فلقد كبرت وأنا لديَّ معرفة متوارثة محددة –تمَّ تعزيزها لاحقاً- عن الاقتصاد السياسي لتلك الحقبة والتي تضمَّنت تفاعلاً عميقاً ومعقد بين لوجستيات الإنتاج والتعبير السياسي عن المصالح المتنافسة للقطاعين العام والخاص والظهور الذي ينطوي على مشكلات للمديرين الفعّالين وأساليب الإدارة.

إن الدرس الأول من الأدبيات التاريخية لتلك الحقبة هو أن التحديات التي نواجهها اليوم مختلفة بشكل أساسي عن تلك التي واجهها جيل الحرب العالمية الثانية مع وجود عنصر مشترك واحد يتمثَّل في الإغلاق الإجباري للاقتصاد المدني. إنَّ توجيه الاقتصاد الأمريكي بشكل كامل للإنتاج العسكري جاء بعد أن بدأ التعافي العشوائي الطويل الأمد من الكساد العظيم بترسيخ إقدامه أخيراً ولكن بعد سنة 1940 تمَّ استبدال الغالبية الساحقة من الطلب المدني على المنتجات والخدمات بالطلب العسكري.

عندما حصل ذلك لم يكن التحدي المتعلق بالعرض هو القدرة على البقاء في غياب الإيرادات والتدفقات النقدية، بل كيفية تحديد الأولويات بعد الزيادة الكبيرة في الطلبات المتنافسة من الجيش والبحرية وبرنامج الإقراض والإيجار لتزويد البريطانيين والسوفييت وغيرهم من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكيةن وما تبقى من الطلب المدني (والذي تمَّ الحد منه بشكل متزايد عن طريق التقنين).

بينما توسَّع حجم ونطاق التدخل الحكومي، تعرض أسلوب قيادة روزفيلت لضغوضات شديدة. لقد كان دائماً يسعى لفصل السيطرة الفعّالة عن المسؤولية العامة، مما يعني الحد من قدرة أي مرؤوس على القيام بحركة استباقية ضد سلطته. ولكن هذا أدى إلى شعور بالإحباط من أشد مرؤوسي روزفيلت، ولاءً حيث فشلت كل وكالة تمَّ إنشاؤها حديثاً الواحدة تلو الاخرى في تحديد أولويات متجانسة ومبنية على أساس التوافق بين مجموعة هائلة من السلع تتنافس للوصول للسعة الإنتاجية للاقتصاد الأمريكي الذي كان ينمو بسرعة وإن كان يعاني من توترات مستمرة.

لقد تطرَّق المؤرخ مارك رويلسون في كتابه المعنون بشكل ذكي "الإبداع المدمر: قطاع الأعمال الامريكي والانتصار في الحرب العالمية الثانية" إلى الأعمال الأكاديمية التي تمتد لجيلين والمتعلقة بالحشد الأمريكي. لقد أكد مارك كما أكد والدي في ذلك الوقت أنه تمَّ الانتصار بالحرب من خلال "زخم الإنتاج" حيث تجاوز النمو في العرض حتى أهداف روزفيلت والتي بدت مستحيلة آنذاك.

وبينما نجحت الحملة العسكرية الألمانية الخاطفة في اكتساح أوروبا الغربية في صيف سنة 1940، دعا روزفيلت لزيادة إنتاج الطائرات الحربية إلى ما لا يقل عن 50 ألف طائرة في السنة، وفي ذلك الوقت كان سلاح جو الجيش يتألف من أقل من 5000 طائرة وبحلول سنة 1943 و 1944 كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنتج بالمعدل 90،000 طائرة سنوياً، وذلك بسبب البرنامج المنضبط لتخصيص ثلاث مواد حيوية – الفولاذ والنحاس والألمونيوم – من خلال المقاولين لتغطي كامل سلسلة التوريد، إضافة إلى تطبيق أولويات الإنتاج، كان البرنامج فعالاً لأنه أعفى الشركات من البيروقراطية والروتين المبالغ به.

إن هذا الشرح المختصر يعكس الاختلاف الأكثر أهمية بين ذلك الزمان والوقت الحاضر فعندئذ كان هناك الكثير من الطلب على سلع  كثيرة جداً ومختلفة بينما المشكلة اليوم هي أبسط من ذلك بكثير، وذلك نظراً لأنَّ عدد السلع التي تشتد الحاجة إليها محدود جداً وتسلسل الاحتياجات المتعلقة بتلك السلع واضح.

تأتي مسألة زيادة إمدادات مستلزمات الحماية الشخصية للطواقم الطبية مثل كمامات إن95 والملابس الطبية الواقية، إضافة إلى أجهزة التنفس على قمة الأولويات. وتأتي بعدها وعلى المدى القصير جداً مهمة استخدام اختبارات فعّالة لحالات الإصابة بكوفيد-19 الحالية والسابقة على المستوى الوطني، وبعد ذلك وعلى المدى القصير والمتوسط يأتي تحدي إنتاج اللقاح.

لا توجد أسرار فيما يتعلَّق بمن سوف ينتج تلك العناصر وكيف. إنَّ وجود اختبارات أفضل ولقاح يتطلَّب أبحاثاً وتطويراً بشكل مكثف، إضافة إلى الوقت من أجل عمل الاختبارات السريرية. وفي كلتا الحالتين فإنَّ تصميم العمليات التقنية واللوجستية المرتبطة بذلك ليست بالمهمة الشاقة.

نظراً للبساطة النسبية لتحدي الإنتاج اليوم، فإنَّ حقيقة إن استجابة الولايات المتحدة الأمريكية تشبه الفوضى الأولية للحشد المتعلق بالحرب العالمية الثانية تعكس مستوى استثنائي من انعدام الكفاءة في قلب الحكم ففي حقبة الحرب العالمية الثانية أدى التنافس بين الجيش والبحرية إلى ما يعرف بـ"تضخم الأولويات" ولكن اليوم هناك 50 ولاية وعناصر من الحكومة الفيدرالية تتنافس مع بعضها من أجل الحصول على نفس السلع، مما نتج عنه حصول تضخم بالأسعار على الطريقة التقليدية، وعليه زاد سعر الكمامة إن 95 من أقل من دولار أمريكي واحد إلى أكثر من 6 دولارات أمريكية خلال بضعة أشهر فقط.

إضافة إلى ذلك ومع قانون الإنتاج الدفاعي لسنة 1950 فإنَّ الحكومة الفيدرالية لديها الآن كل شيء تحتاجه لتحريك الإنتاج وإدارة تخصيص الإمدادات الحيوية. إن من الدروس المستفادة من الفترة الممتدة من سنة 1940 إلى سنة 1943 أن قانون الإنتاج الدفاعي يخّول الرئيس أن يطلب من الشركات وضع العقود الصادرة بموجب التوجيهات الفيدرالية على رأس أولوياتها، كما يخّول القانون الرئيس بوضع الأحكام وتأسيس الوكالات حسب الحاجة.

لقد قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتفعيل قانون الإنتاج الدفاعي، وإن كان متأخراً من أجل إصدار العقود للمزيد من أجهزة التنفس والكمامات الطبية، ولكنه لم يضع أي آليه من أجل تخصيص تلك المستلزمات مركزياً طبقاً لاحتياجات الصحة العامة.

أمّا بالنسبة للاختبارات التي نحتاجها من أجل إعادة فتح الاقتصاد بشكل آمن؛ فلقد أعلنت الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ لأول مرة بتاريخ 24 مارس الأوامر من أجل تأمين الحصول على الاختبارات بموجب قانون الإنتاج الدفاعي، ولكنها تراجعت بعد ذلك مباشرة. ومنذ ذلك الحين أصبحت تلك الوكالة تتنافس مع الأذرع الأخرى للحكومة الفيدرالية (دائرة شؤون قدامى المحاربين) والولايات من أجل الحصول على الإمدادات.

إنَّ التحدي الفريد من نوعه تاريخياً، والذي نواجهه في الوقت الحاضر هو أن جانب العرض من الاقتصاد الأمريكي يتطلَّب دعماً مالياً حيوياً، وحتى لو كانت الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بالكفاءة والقدرة المؤسساتية على تكرار نجاح التجربة الألمانية في العمل لوقت قصير، والمتمثل في التمويل الحكومي المباشر لدعم دفع الرواتب من أجل منع تسريح العمل فإنَّ التحدي سيكون ضخماً. لكن مهما يكن من أمر فإنَّ إدارة جانب الطلب من الأزمة يجب أن يكون بسيطاً نسبياً ومهمة مباشرة وبسيطة؛ فحقيقة أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية قد فشلت في تحقيق ذلك يعكس قدرات الزعيم أكثر من طبيعة الأزمة نفسها.

ويليام اتش جانيواي هو مؤلف كتاب "ممارسة الرأسمالية في اقتصاد الابتكار" وهو شريك خاص محدود في شركة الأسهم الخاصة واربيرغ بينكوس وهو يعمل بشكل مؤقت في جامعة كامبريدج محاضراً في الاقتصاد.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org