أهمية التعليم في استجابة إفريقيا لكوفيد-19
جان مارك بيرنارد، وبراهيما كوليبالي، وربيكا وينثروب
واشنطن العاصمة- إنَّ القادة السياسيين الأفارقة مشغولون تماماً؛ فهناك زيادة في حالات كوفيد-19، إضافة إلى الأنظمة الصحية الهشة وتزايد انعدام الأمن الغذائي وفي بعض الحالات تصاعد الاضطرابات الاجتماعية، وبينما تنضب الإيرادات الحكومية في خضم انكماش اقتصادي يعدُّ الأكثر حدة منذ عقود، فإنَّ الموارد المتوافرة للتعامل مع تلك التحديات تتناقص.
إنَّ الحكومات التي تعاني حالياً من نقص في السيولة، وشركاؤها في التنمية الدولية محقون في وضع الصحة العامة والحماية الاجتماعية والتحفيز الاقتصادي في المقام الأول، ولكن يبدو أنهم ينسون واحدة من أهم أدواتهم وهي التعليم.
إنَّ التحليلات الأخيرة تشير إلى أنَّ الحكومات تخفّض من ميزانيات التعليم، استجابة للجائحة وكما تعلَّمنا من الأزمة المالية العالمية سنة 2008 فإنَّ الجهات المانحة ستحذو حذوها. وبينما استطاعت الحكومات المحافظة على ميزانيات التعليم سنة 2008 وذلك من خلال إصدار الدين ، فإنَّ أعباء الدين العام الحالية في القارة مرتفعة بالفعل وظروف الاقتراض غير مواتية.
لكن التعليم هو واحد من أضخم النشاطات وأكثرها تأثيراً في إفريقيا، وصنّاع السياسات ووكالات الإغاثة يعرضون القارة للخطر بتجاهله وفي واقع الأمر فإنَّ الاستمرار في دعم التعليم خلال الجائحة يعني أنَّ بإمكان الحكومات تقوية استجابة بلدانهم الفورية لكوفيد- 19 وتحقيق الانتعاش طويل المدى في أربعة مجالات حيوية.
أولاً، إنَّ التأثير الأكبر لكوفيد -19 هو على الناس الأكثر ضعفاً في إفريقيا: لقد زاد انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا بشكل يدعو إلى القلق كما من المرجَّح أن يدفع الركود الاقتصادي بثلاثة وعشرين مليون شخص إضافي إلى براثن القفر المدقع في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى، ولكن عند إعادة فتح المدارس، ستكون تلك المدارس أدوات قوية من أجل تقديم الحماية الاجتماعية للعائلات التي هي بأمس الحاجة إليها، وهذا سيشجع على الحضور للمدرسة. على سبيل المثال، إنَّ برامج المدارس التي توفِّر حصصاً غذائية يمكن أخذها للمنزل وتدعم التحويلات النقدية ستحفّز العائلات التي لديها الحد الأدنى من الموارد على إرسال أطفالها إلى المدرسة بينما توفّر لهم الدعم الغذائي والاقتصادي، والذين هم في أمس الحاجة إليه.
إنَّ قطاع التعليم يلعب دوراً مهما كذلك في دعم استجابة القطاع الصحي للجائحة، فعلى سبيل المثال فإنَّ الرسائل الصحية التي تنقذ حياة الناس والمتعلقة بكوفيد -19 مثل الطرق الصحيحة لغسل الأيدي.. إلى ارتداء الكمامات يمكن أن تشكِّل جزءاً من برامج وطنية للتعليم عن بعد. إن استراتيجية تمكين الأطفال بالمعرفة من أجل تغيير سلوك عائلاتهم قد أثبتت فاعليتها في حملات صحة عامة سابقة وهناك دول مثل تنزانيا وغانا وأوغندا تبَّنت بالفعل مثل تلك الاستراتيجية لكوفيد-19، وإضافة إلى ذلك فإنَّ المدارس قد لعبت بشكل منتظم دوراً مهماً كمواقع خطوط أمامية لتدخلات الصحة العامة مثل حملات التطعيم.
ثانياً، بينما عدم تقديم مساعدات كافية للفئات الأكثر ضعفاً من السكان يؤدي إلى خطر إشعال الاحتجاجات والاضطرابات المدنية فإنَّ استمرار التعليم يمكن أن يسهم في الاستقرار الاجتماعي علماً أنه خلال هذه الجائحة تظاهر الشباب والشابات في جنوب إفريقيا ومالاوي ونيجيريا للاحتجاج على نقص الغذاء والاحتياجات الأساسية، ولكن بإمكان الحكومات التركيز على قدرة المدارس على توزيع مساعدات الحماية الاجتماعية، بحيث تستخدمها في توزيع المساعدات التي تشتد الحاجة إليها مما يؤدي إلى معالجة مظالم العائلات محدودة الدخل والتي تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
إضافة إلى ذلك فإنَّ الأبحاث المكثفة تظهر أنَّ توفير خدمات التعليم بشكل غير عادل يزيد من خطر الاضطرابات الاجتماعية والصراع، وبدون استمرار الاستثمار في التعليم فإنَّ الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون ستتسع بشكل أكبر، حيث تستطيع العائلات الثرية شراء الفرص التعليمية لأبنائها مما يجعل الطلبة الآخرين يتخلفون عن الركب.
ثالثاً، إنَّ دفع أجور المعلمين يساعد الاقتصاد؛ فطبقاً لمراجعتنا لثلاثٍ وثلاثين دولة إفريقية، وباستخدام بيانات من معهد اليونسكو للإحصائيات والبنك الدولي وجدنا أنَّ رواتب المعلمين والموظفين في قطاع التعليم تصل إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي بالمعدل؛ أي أكثر من ثلاثة أضعاف معدل الحزمة المالية التي أعلنت عنها الحكومات الإفريقية لمكافحة الجائحة. إنَّ المعلمين يعدون من أكبر مجموعات الموظفين الحكوميين في الدول الإفريقية، وعملهم اليومي لا يعدُّ ذا قيمة جوهرية فحسب، بل يسهم أيضاً وبشكل كبير في الاقتصاد على المستوى المحلي ومستوى البلد، وإضافة إلى ذلك فإنَّ تمكين المعلمين حتى يستمروا بالتعليم سوف يجعل رجوع الآباء لأعمالهم أكثر سهولة.
أخيراً، استمرار التعليم ضروري للإنتاجية والتنافسية فالانقطاع المطول للعملية التعليمية أو التدهور الكبير في جودتها سيؤذي التنافسية الاقتصادية لإفريقيا على المدى الطويل. إنَّ العديد من التقديرات الحالية لفقدان التعلم بسبب كوفيد -19 ترسم بالفعل صورة مقلقة للشباب الإفريقي فزملاؤنا في معهد بروكنغز والبنك الدولي يقدّرون أنه بعد أربعة أشهر فقط من إغلاق المدارس وعدم وجود تغيير يذكر في جودة التعليم فإنَّ الأجور التي يجنيها طلاب اليوم طيلة حياتهم في الولايات المتحدة الأمريكية ستكون أقل بشكل كبير مما يمثِّل خسارة تصل إلى 13% تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي خلال الأجيال القادمة.
إنَّ إفريقيا متخلفة بالفعل وبشكل كبير عن المناطق الأخرى في تنمية رأس المال البشري؛ بسبب النقص في الصحة والتعليم وطبقاً للبنك الدولي فإنَّ مؤشر رأس المال البشري لإفريقيا حالياً هو 0،4 (على مقياس من 0 إلى 1) مما يعني أنَّ الناتج المحلي الإجمالي للعامل سوف يزيد بنسبة 250% لو حقَّقت المنطقة أفضل النتائج في مجالي الصحة والتعليم، وعلى العكس من ذلك فإنَّ التدهور في تلك المجالات سوف يوسِّع من فجوات التنافسية بين العاملين في إفريقيا ونظرائهم العاملين في البلدان الأخرى.
إنَّ درجة الضرر الذي سوف يلحق بإنتاجية وتنافسية إفريقيا على المدى الطويل كنتيجة لفقدان التعلم، سوف يعتمد على قدرة الحكومات على الاستمرار بالأنشطة التعلمية خلال الجائحة. إنَّ التقديرات الأخيرة تظهر أنَّ 25% فقط من البلدان محدودة الدخل تقوم حالياً بتوفير التعليم عن بُعد وبث فرص التعليم، ولكن التدريس التفاعلي المصمَّم بعناية من خلال الراديو يمكن أن يكون فعّالاً، حيث تعمل وزارة التعليم في مالاوي مع منظمات المجتمع المدني من أجل تقديم تعليم فعّال لمحو الأمية وتعليم الحساب عبر أجهزة لوحية تعمل بالطاقة الشمسية ولا تحتاج للإنترنت. إنَّ هذه واحدة فقط من مقاربات عديدة لحرق المراحل وتحقيق نتائج سريعة يمكن أن تؤدي لظهور أساليب جديدة وأكثر فاعلية في إعطاء الشباب تعليم جيّد خلال الجائحة وما بعدها.
لقد جعل كوفيد -19 صنّاع السياسة الأفارقة يواجهون وابلاً من الخيارات الصعبة ولكن لو استمرت الحكومات في الاستثمار في التعليم إلى جانب الصحة والحماية الاجتماعية ومبادرات الانتعاش الاقتصادي، فإنها ستعزِّز من رفاهية الشباب وستحسِّن من الرعاية المقدمة للعائلات والمجتمعات والبلدان.
جان- مارك بيرنارد، خبير في اقتصادات التعليم في مؤسسة الشراكة العالمية للتعليم. براهيما كوليبالي، زميل تنفيذي ونائب الرئيس للاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكنغز. ربيكا وينثروب، زميل تنفيذي ومدير مشارك لمركز التعليم العالمي في معهد بروكنغز.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org