Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

رأسمالية عادلة أو أزمة حادة

برتراند بدري، ويان كوتانلم

باريس ـ لقد تزايدت وتيرة وحدة الأزمات العالمية على مدار العشرين عامًا الماضية، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات مُقلقة على التنمية الاقتصادية في المستقبل. ويحذر البنك الدولي من أنَّ الجهود الرامية إلى الحد من الفقر قد واجهت "أسوأ نكسة" منذ ربع قرن، وذلك راجع إلى اندلاع جائحة فيروس كوفيد 19. كما تتعمّق أوجه عدم المساواة داخل البلدان وفيما بينها، وعبر العديد من القطاعات الرئيسة، بدءًا من التعليم إلى الصحة.

ونظرًا إلى حجم هذه المشكلات، لا يمكن للسياسة العامة التركيز بشكل ضيِّق على الدخل والثروة. يتطلب الوضع نهجًا شاملاً مع آفاق طويلة الأمد. وبخلاف ذلك، ستميل الحكومات المُتعاقبة دائمًا إلى السعي وراء التقدُّم قصير الأجل من خلال تحقيق مكاسب سياسية فورية (مثل زيادة القوة الشرائية للأسر)، بدلاً من الاستثمار في الرفاهية المستقبلية. سوف نحتاج إلى تحديد المقايضات الضرورية حتى يتسنّى للسياسيين أن يشرحوا للناخبين لماذا يتعيَّن عليهم دعم مبدأ الحصول على القليل الآن من أجل كسب المزيد لاحقًا.

وعلينا أيضًا أن نعي كيفية قياس أوجه عدم المساواة. هل من العدل مطالبة البلدان النامية بخفض انبعاثاتها من الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري بنفس معدل الاقتصادات المتقدمة، على الرغم من أنَّ الأخيرة قد أسهمت تاريخيًّا بشكل أكبر بكثير؟

يتمثّل التحدي الذي يواجه صُنّاع السياسات في تبنّي استراتيجيات عالمية ومُوحدة على حد سواء، مُصمّمة وفقًا لسياقات محددة. خلاف ذلك، هناك احتمال قوي بأن تؤدي التدابير الرامية إلى تصحيح نوع واحد من عدم المساواة إلى إدخال أنواع جديدة. يمكننا مكافحة تغيُّر المناخ من خلال دعم تركيبات الألواح الشمسية الجديدة، ولكن ينبغي لنا أن نكون على استعداد للاستماع إلى شكاوى أولئك الذين عملوا بالفعل على خفض بصماتهم الكربونية قبل تقديم حوافز الدولة.

تتطلَّب الدعوة إلى تحقيق المساواة بكل أبعادها منظورًا موسعًا فيما يتعلَّق بالتفاوت - وهو ما يُشكِّل نتيجة متكررة لديناميكيات لا تخدم المصلحة، والسعي وراء تحقيق المكاسب، و"الضرائب الخاصة"، والانتفاع المجاني والفساد، والتمييز، وما إلى ذلك. تتغيَّر أبرز أشكال عدم المساواة مع مرور الوقت، وغالبًا ما تتطوَّر مع البيئة القانونية الأوسع نطاقًا. وفي نهاية الحرب العالمية الثانية، كان العمل يُعدُّ حقًّا أساسيًّا، في حين أصبح الوصول إلى شبكة الإنترنت عالية السرعة ومنخفضة التكلفة أولوية قصوى خلال فترة الجائحة.

إنَّ الطبيعة المتغيرة باستمرار لهذه القضايا تعني ضمنًا الحاجة إلى توسيع مفهوم الرعاية الاجتماعية، حتى لا ينتهي الأمر بالسياسات ببساطة إلى إدامة المزايا التي يتمتَّع بها المُطلعون. كما يتعيَّن عليها أن تصبح أكثر قدرة على التكيُّف، حتى يتسنّى لنا مواجهة تحديات مثل تغيُّر المناخ وارتفاع أسعار الطاقة. كما ينبغي لها العمل على تطوير أدوات جديدة (مثل الدخل الأساسي الشامل) لمساعدة المحرومين والمُهمّشين في التغلُّب على العقبات الهيكلية طويلة الأمد وتحمُّل مخاطر محسوبة في مجال الأعمال (والتي تعود بالنفع على المجتمع بأسره في نهاية المطاف).

يجب أن يسترشد صُنّاع السياسات بمفهوم العائدات الاجتماعية. في قطاع التعليم، على سبيل المثال، نعلم أنَّ تنمية رأس المال البشري منذ الطفولة المبكرة توفِّر أفضل عائد على الاستثمار في الأمد البعيد. لكن السياسة الاجتماعية لا تعني بالضرورة اتخاذ إجراءات عامة أو حكومية. يجب أن نظلَّ على استعداد لاستخدام الأسواق في المواقف التي تمنح فيها قيمة مُضافة. على سبيل المثال، في أنظمة المعاشات التقاعدية، يمكن أن تضمن ركيزة الرسملة استفادة أكبر عدد من الناس من عوائد أكبر للأسواق بشكل عام، بدلاً من التمسُّك بالعوائد الفاترة لنظام دفع الاستحقاقات أولاً بأول.

تُشكِّل الضرائب أداة رئيسة أخرى لمكافحة عدم المساواة، حيث تعمل على توليد الإيرادات اللازمة لدعم السياسات الاجتماعية الشاملة والحد من فجوات الدخل والثروة. إنَّ الهدف ليس التعامل مع الثروة نفسها على أنها مشكلة. بل يتعيَّن علينا بدلاً من ذلك اتباع مبدأ الاختلاف الذي تبنّاه الفيلسوف جون راولز، والذي ينصُّ على أنَّ عدم المساواة لا يمكن تبريره إلا إذا عاد بالنفع على الفئات الفقيرة. يُظهر بحث الخبير الاقتصادي فيليب أغيون أنَّ الابتكار يستوفي هذا الشرط: على الرغم من أنه يزيد من شريحة أعلى 1٪ (من حيث الدخل والثروة)، إلا أنه يميل أيضًا إلى زيادة الحراك الاجتماعي، ولا يؤدي بالضرورة إلى زيادة عدم المساواة بين بقية السكان.

ومع ذلك، يمكن تحسين الهيكل الحالي للضرائب لتلبية الأهداف المرغوبة مثل البساطة، والكفاءة، والاستقرار، والمساواة (سد الثغرات التي لا تُفيد سوى الأغنياء)، وزيادة الحوافز (للعمل أو حماية البيئة)، والحياد (بحيث لا تُفرض ضرائب على اليورو الذي يتم كسبه في عام واحد أكثر من اليورو الذي يتم كسبه في عشر سنوات).

وأخيرًا، تتمثَّل الخطوة الأساسية في إصلاح الرأسمالية المعاصرة في مراجعة قواعد المنافسة. تتفوق السوق بشكل واضح على أيِّ نظام مركزي عندما يتعلَّق الأمر باكتشاف الأسعار ونشر المعلومات الاقتصادية؛ ولكن يجب أيضًا أن تخضع للإشراف والتنظيم الصارمين من قِبَل السلطات العامة. أصبح التنظيم وإنفاذ القوانين لضمان المنافسة أكثر أهمية الآن بعد أن عملت التقنيات الرقمية والآلية على إعادة هيكلة الأسواق وتقديم ما وصفته شوشانا زوبوف من كلية هارفارد للأعمال باسم "رأسمالية المراقبة".

تنعكس الأزمة في التفاوت الحاد في أداء الشركات. ففي عام 2016، أشار مجلس المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض إلى أنَّ 90 في المائة من "الشركات زادت عوائدَ على الاستثمار في رأس المال بخمسة أضعاف المتوسط. وكانت هذه النسبة أقرب إلى اثنين قبل ربع قرن فقط". علاوة على ذلك، وكما يوضِّح أغيون، فإنَّ أعلى 1٪ من المصدرين يمثلون الآن 67٪ من إجمالي الصادرات، في حين تُمثِّل أعلى 1٪ من شركات تسجيل براءات الاختراع 91٪ من براءات الاختراع و 98٪ من المراجع في الأوراق البحثية (وهو مؤشِّر على براءات الاختراع الأكثر قيمة). لقد زادت هوامش أكبر 10٪ من الشركات بنسبة 35٪ منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وزادت ربحيتها بنسبة 50٪ - وهي المؤشرات التي شهدت ركودًا بالنسبة لمعظم الشركات الأخرى.

ومن شأن التغييرات المُقترحة أن تحشد الطلب الواسع النطاق على المساواة في خدمة الكفاءة، بما يكفل المساواة الحقيقية في الفرص للأفراد والشركات. يتلخص البديل في العودة إلى مجتمع هرمي مُتشدد يتمتَّع بقدر أقل من الحرية للجميع باستثناء أولئك الذين يحتلون قمة الهرم.

ويبقى أن نرى ما إذا كان من شأن سلسلة الأزمات المالية والبيئية والجيوسياسية الحالية أن تعطي الزخم لهذا النوع من التحوُّل المطلوب. ويكمن الخطر في أنها يمكن أن تصبح ببساطة وسيلة إلهاء أو ما هو أسوأ من ذلك، ذريعة للاستسلام.

برتراند بادري، المدير الإداري السابق للبنك الدولي، والرئيس التنفيذي ومؤسِّس شركة "Blue like an Orange Sustainable Capital" ومؤلف كتاب هل يمكن تمويل إنقاذ العالم؟ (بيريت كوهلر، 2018). يان كوتانلم، والذي يُعدُّ خبيرًا اقتصاديًّا ومديرًا تنفيذيًّا في مجال التكنولوجيا، هو رئيس نادي براكسيس ومؤلف كتاب "الرأسمالية ضد التفاوت" (جامعة الصحافة الفرنسية، 2022).

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.
www.project-syndicate.org