مستقبل أوروبا الرقمي
مارجريت فيستاجر في مقابلة أجرتها معها آنو برادفورد
أخيرًا، جلست آنو برادفورد، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا ومؤلفة كتاب "تأثير بروكسل: كيف يحكم الاتحاد الأوروبي العالم"، مع نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية مارجريت فيستاجر، التي تُـعَـدُّ من أبرز العقول التنظيمية وصاحبة خبرة عريضة في عالم السياسة الاقتصادية، لمناقشة التطورات والاتجاهات الرئيسة في الاقتصاد الرقمي. من حماية الخصوصية وتدابير مكافحة الاحتكار إلى تنظيم الخطاب على شبكة الإنترنت وسياسة الإبداع والابتكار، يخلف ما يحدث في عالَم الاقتصاد الرقمي في أوروبا عواقب عميقة وبعيدة المدى على بقية العالم في السنوات المقبلة.
آنو برادفورد: في الآونة الأخيرة، كانت أغلب شركات التكنولوجيا الكبرى موضوعًا للأخبار. لنبدأ هنا بشركة أبل (Apple). أصدرت المفوضية الأوروبية أخيرًا بيانًا قالت فيه إنَّ الشركة أساءت استخدام موقعها المهيمن في صناعة بث الموسيقى. هذه واحدة من قضايا المنافسة العديدة التي رفعتها شخصيًّا ضد شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى، بما في ذلك جوجل وأمازون.
ما هو على وجه التحديد همك الرئيس في ما يتصل بكيفية عمل شركات التكنولوجيا الكبرى؟ في نهاية المطاف، يحب المستهلكون منتجات هذه الشركات ويعتمدون عليها، وقد تنامى هذا الاعتماد أثناء الجائحة. فما هو الضرر الملموس الذي قد يعود على المستهلك الفردي، وكيف قد تبدو السوق أكثر تنافسية؟
مارجريت فيستاجر: السوق التنافسية هي في المقام الأول سوق مفتوحة حيث يستطيع الراغبون في الاستثمار والابتكار أن يفعلوا ذلك. لنتذكر هنا الإجراء الأول الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي ضد شركة جوجل في عام 2010 بشأن خدمة جوجل للتسوق (Google Shopping service). في تلك الحالة، لم يكن هناك من الأسباب الوجيهة ما قد يدفع داخلًا جديدًا إلى السوق للاستثمار في تكنولوجيا مقارنة التسوق التي هي من ابتكاره، لأنَّ الخدمات المقدمة لم تكن لتصل إلى العملاء أبدًا، بسبب سيطرة جوجل على عملية البحث. تتمثل النقطة المرجعية لسياستنا في تبني التكنولوجيا والإبداع حتى يتسنّى للعملاء الاستفادة منها بشكل أكبر فعليًّا.
هذا هو أحد الأسباب التي دفعتنا إلى استدعاء سلاح الفرسان وتسليحه بقانون الأسواق الرقمية، الذي اقترحته المفوضية الأوروبية في ديسمبر/كانون الأول الماضي. ويتعين علينا أن نعمل على منع حدوث ما أفضى إلى قضية "خدمة جوجل للتسوق" من الحدوث مرة أخرى.
في ما يتعلق بشركة Apple، لدينا شكوك ــ وقد استنتجنا مبدئيًّا ــ أنَّ الشركة تسيء استخدام موقعها المهيمن من خلال متجر التطبيقات الخاص بها. فليس لدى مستخدم أجهزة iPhone أي مكان آخر يذهب إليه للحصول على التطبيقات. أنا أعيش في بلجيكا، لذا إذا لم أكن راضية عن خدمة متاجر Delhaize، أستطيع أن أذهب إلى كارفور (سلسلة متاجر كبرى أخرى). أما إذا اشتريت جهاز iPhone، فإنني بهذا أصبح حبيسة متجر تطبيقات واحد. وإذا فكرنا في متجر للتطبيقات الرقمية على أنه أحد المتاجر الكبرى، فإن تقييد حركتي على هذا النحو يبدو غريبًا حقًّا. عندما يبدأ العمل بقانون الأسواق الرقمية، سيصبح بوسع هؤلاء الأشخاص وضع متاجر تطبيقات رقمية أخرى على هواتفهم.
آنو برادفورد: كان الدافع وراء إصدار قانون الأسواق الرقمية جزئيًّا إدراك حقيقة مفادها أنَّ مجموعة الأدوات الحالية التي يُـستعان بها لإقامة الدعاوى القضائية ضد شركات التكنولوجيا الكبرى ليست كافية. لقد فرضتم غرامة بنحو 10 مليارات دولار على شركة جوجل، لكن مثل هذه العقوبات لم تنتج سوقًا تنافسية في مجال البحث على الإنترنت. فإلى أي مدى أنت على ثقة بقدرة قانون الأسواق الرقمية على تغيير هذه الحال؟
مارجريت فيستاجر: نعتقد أنَّ القانون سيحدث فارقًا حقيقيًّا. في أوروبا، لا نفرض حظرًا على احتكار قائم؛ بل نحظر السلوك الاحتكاري. ونحن نرحب بنجاح أي شركة ونسمح لها بالنمو في الحجم في الاتحاد الأوروبي. ولكن مع القوة تأتي المسؤولية. بموجب قانون الأسواق الرقمية، تتحمَّل الشركة التي يجري تعيينها حارسًا أماميًّا عددًا من الالتزامات، وتصبح خاضعة لعدد من المحظورات. وسوف تجعل هذه الشروط السوق مفتوحة.
من الأهمية بمكان أن نتذكَّر أنَّ هذه سوق خاصة، لأنها رقمية. ويتعيَّن علينا أن نضع في الحسبان ميزات مثل تأثير الشبكات، والتكاليف الهامشية التي تقترب من الصّفر، والأسواق حيث يدفع المستخدمون ببيانتهم، وليس بالمال. وفي اعتقادي أنَّ هذه سوق حيث يمكنك أن تجد حراس بوابات عمالقة ونظام بيئي نابض بالحياة لريادة الأعمال والإبداع.
ولكن في ظل الظروف القائمة، لدينا عدد من المجالات حيث لا نرى الاستجابات الإبداعية التي كان المرء ليتوقعها. لنتأمل هنا مسألة الخصوصية. في سوق تنافسية، يمكنك أن تتوقَّع وجود العديد من الخدمات التي تلبي طلب المستهلك الأساسي مع دمج سبل حماية الخصوصية كإعداد افتراضي أساسي.
آنو برادفورد: أنت تشيرين إلى التقاطع بين الخصوصية وقانون المنافسة. أحدثت شركة Apple مؤخرا قدرا كبيرا من الانزعاج بإطلاق ميزة جديدة لمكافحة التتبع في أجهزتها. يرحب العديد من المدافعين عن الخصوصية بحقيقة أنَّ الشركة تبدو وكأنها تبتكر في اتجاه قيمة نعدُّها جميعًا على قدر كبير من الأهمية. لكن آخرين يرون في هذا التحرك مثالًا على ترسيخ شركة Apple لموقعها المهيمن وتقليص المنافسة. ويُـنـظَـر إلى شركات أخرى ــ وخاصة فيسبوك ــ على أنها الخاسر الأكبر نتيجة لهذا.
هل كنت مسرورة بهذه الميزة الجديدة، أو تساورك بعض المخاوف؟
مارجريت فيستاجر: كانت مفاجأة إيجابية شديدة عندما رأيت ذلك. المستقبل بسيط، وسوف يفهم أغلب الناس ما يُـطلب منهم عندما يُـطرح عليهم السؤال حول ما إذا كانوا يريدون تطبيقًا بعينه يتتبعهم حتى عندما لا يستخدمونه. هذا درس مهم ما زلنا نتعلمه عندما يتعلق الأمر بفرض حقوق الخصوصية: نحن في احتياج إلى تبسيط الأمور.
الشاغل الوحيد هنا هو أنَّ هذا يجب أن ينطبق على شركة Apple ذاتها. استنادًا إلى ما فهمته حتى الآن، فإنَّ شركة Apple تَـدَّعي أنَّ هذه هي الحال بالفعل. إنَّ المعاملة المتساوية بين التطبيقات المختلفة أمر مهم. لكن شركة Apple قدمت دَفـعة لصالح نماذج أعمال تعتمد على توفير خدمة حقيقية، وليس فقط جمع البيانات. ومن خلال الموافقة المستنيرة، يستطيع المستخدمون أن يتخذوا القرارات بشأن ما يريدون دفعه مقابل هذه الخدمات ــ من بياناتهم الخاصة.
مزاولة الأعمال في أوروبا
آنو برادفورد: عندما نتحدث عن شركات التكنولوجيا الكبرى، نشير دائمًا تقريبًا إلى الشركات الأميركية. وعلى هذا فقد أصبح بعض الناس في الولايات المتحدة ينظرون إلى تصرفات الاتحاد الأوروبي على أنها شكل من أشكال سياسات الحماية، التي يدفعها الحسد. فكيف تردين على هذا الانتقاد؟
مارجريت فيستاجر: عندما ننظر إلى الحقائق والقضايا والأسواق، من الصعب للغاية حقًّا أن نجد أيَّ دعم لقصة الحسد هذه. فقد بدأت القضية الأولى ــ ضد خدمة جوجل للتسوق ــ بشكوى من شركات أميركية، وجدت العديد منها أنها لا يمكنها ممارسة الأعمال التي تريد ممارستها في سوق الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، إذا نظرنا إلى عدد الشركات الأوروبية التي اشترتها شركات التكنولوجيا العملاقة على مدار العامين الأخيرين، فسيتبيَّن لنا أنها ــ يا للعجب! ــ قادمة إلى أوروبا من أجل الإبداع الحادث هنا.
لماذا إذن لا نجد عمالقة أوروبية في قطاع "الأعمال إلى المستهلك" في الاقتصاد الرقمي. أحد الأسباب وراء هذا أننا كنا نفتقر إلى سوق رقمية موحدة وسوق رأس المال اللازمة لتمكين ذلك النوع من التوسع. كنا نبذل قصارى جهدنا لتصحيح كل من أوجه القصور، وسوف تمهد هذه الجهود الطريق أمام مرحلة ثانية من التحوُّل الرقمي ــ الرقمنة الصناعية ــ التي ستتمحور حول الصحة، والطاقة، والنقل، والزراعة، والخدمات العامة، حيث تتمتَّع الأسواق الأوروبية بقوة بالغة. والآن يمكننا أن نشهد بالفعل قدرًا كبيرًا من الطلب على الإبداع هنا، ولهذا سيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيكون أداء أوروبا.
آنو برادفورد: ولكن عندما تذهب شركات أجنبية للتسوق في أوروبا، فإنها تتلقى في بعض الأحيان إعانات الدعم من الدولة، مما يثير المخاوف بشأن سلامة السوق الموحدة وتكافؤ الفرص. للتخفيف من هذا، كشفت المفوضية الأوروبية أخيرًا عن اقتراح يقضي بتنظيم إعانات الدعم الأجنبية التي تدعم شركات أجنبية عاملة في الاتحاد الأوروبي، أو حتى تموِّل استحواذها على شركات أوروبية. فما هو التأثير الملموس الذي تتوقعينه من هذا التنظيم؟
مارجريت فيستاجر: ما نريد تحقيقه هو الإنصاف. كان الاتحاد الأوروبي يسيطر على مساعدات الدولة لمدة ستين عامًا حتى لا تؤدي هذه المساعدات إلى ساحة لعب غير متكافئة أو تؤثر في التجارة. وهذا أمر تتعايش معه الشركات الأوروبية. لكن الأمر لا يخلو من مشكلة حقيقة عندما يكون لها منافسون قادرون على الاستحواذ على شركات أوروبية أو الفوز بعطاءات بمساعدة من دعم حكومي أجنبي، أو حتى الاعتماد على الإعانات الحكومية لتغطية تكاليف التشغيل. وهذه ليست منافسة عادلة.
ما نقترحه هنا هو مجرد أداة تسمح لنا بالنظر في هذه القضايا، لنقول، "يتعين عليك أن تخطرنا إذا كان لديك إعانات دعم على دفاترك عندما تسعى إلى الاستحواذ على شركة أوروبية أو المشاركة في عملية مناقصة أوروبية". إذا فشلت شركة ما في القيام بذلك، فينبغي لنا أن نملك القدرة على أن نقول لها، "إذا تلقينا معلومات من السوق، أو إذا اشتكى أحد، أو اعتقدنا أنَّ شيئًا ما ليس على ما يرام هنا، فمن حقنا أن نستقصي الأمر".
ليس من السهل دائمًا اكتساب تعاون أحد الأطراف، ولهذا نقترح أننا يجب أن نكون قادرين على اتخاذ القرار استنادًا إلى أيِّ معلومات متاحة لدينا. بهذه الطريقة، يصبح لدى الأطراف المعنية الحافز لتزويدنا بالمزيد من المعلومات، حتى يتسنَّى لنا تقييم كل الأدلة حول التأثير الذي تخلفه إعانة دعم بعينها. الأمل هنا أن يعمل هذا كرادع. وأفضل نتيجة ممكنة هي أن يكون السبب وراء قدوم الشركات إلى هنا لمزاولة الأعمال هو أنها تريد حقًّا مزاولة الأعمال وليس الدفع بأجندة أخرى.
آنو برادفورد: نحن نعلم أنه من المرجح أن تتأثَّر العديد من الشركات الصينية بهذا التنظيم. فهل سمعت أي ردود فعل من جانب الحكومة الصينية؟
مارجريت فيستاجر: كلا، لم يحدث ذلك. ولكن من المهم أيضًا أن نقول إنَّ هذا يتعلق بضمان العدالة في السوق الأوروبية. تعكس العديد من سمات الاقتراح تفكيرنا حول الضوابط التي تحكم مساعدات الدولة والتي تُـفرَض على البلدان الأعضاء الأوروبية. ونأمل أن يرى الناس أن الاقتراح متناسب ومتوازن.
الاستقلالية والسيادة
آنو برادفورد: تشير هذه المناقشة إلى مفهوم أوسع أصبح من التعبيرات الشائعة في أيامنا هذه: فكرة الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية والسيادة الرقمية. يدور الآن قدر كبير من الجدال حول ما تعنيه هذه المصطلحات. فكيف يمكننا تعريفها؟ وماذا يعني أن يتمتَّع الاتحاد الأوروبي بالسيادة الرقمية، وهل يشكل هذا هدفًا سياسيًّا قابلًا للتحقق؟
مارجريت فيستاجر: على الرغم من المجازفة بتعقيد الأمور، يمكننا أن نسمّي هذا في واقع الأمر "استقلالية استراتيجية مفتوحة". ما تعلمناه على مدار عقود من الزمن هو أنَّ جزءًا كبيرًا من قوة أوروبا يأتي من انفتاحها. أوروبا هي الشريك التجاري المفضل لأربع وسبعين دولة. ونحن نعمل مع أشخاص من مختلف أنحاء كوكب الأرض في مجالات الأعمال، والبحث، والإبداع، والعديد من المجالات الأخرى.
لكن العالم يتغيَّر. مع ظهور أنماط جيوسياسية جديدة، يتعيَّن علينا أن نعمل على إيجاد أفضل الطرق لمواصلة خدمة المصالح الأوروبية. يجري هذا عادة بطريقة عالمية أو متعددة الأطراف. على سبيل المثال، من مصلحة أوروبا أن تعمل منظمة التجارة العالمية على النحو اللائق، وأن تحافظ أوروبا على تحالفات قوية راسخة داخل الاتحاد الدولي للاتصالات. ولكن في مجالات أخرى، تكون مصالحنا أقرب إلى الوطن. على سبيل المثال، يُـنـتَـج 10% فقط من كل أشباه الموصلات حاليًّا في أوروبا، ونحن نريد زيادة هذا الرقم إلى 20% (من أكثر الأنواع تقدمًا) خلال السنوات العشر القادمة.
لا تعني الاستقلالية الاستراتيجية المفتوحة أن تقوم بكل شيء بنفسك؛ بل تعني القيام بالمزيد من العمل. الواقع أنَّ أوروبا آلة ضخمة إلى الحد الذي يصعب معه تنظيمها. ومن الأهمية بمكان لهذا السبب أن تكون لدينا الخبرة العملية اللازمة للتعرُّف بشكل جيد إلى ما نقوم بتنظيمه. هذا هو تصوري للسيادة الرقمية.
لكن من المهم أن نعكف على بلورة وتبسيط هذا المفهوم بشكل أفضل. فمن غير الممكن أن يظل محصورًا في مناقشة مجردة رفيعة المستوى إلى أجل غير مسمّى. ما يهم هو ما نقوم به بشكل ملموس، سواء كان ذلك بتحديد أهداف لأشباه الموصلات المتقدمة، أو بناء شبكة خاصة بنا من أجهزة الكمبيوتر العالية الأداء، أو إطلاق كمبيوتر كمومي واحد على الأقل في غضون السنوات الخمس المقبلة.
آنو برادفورد: يُـعَـدُّ الذكاء الاصطناعي أحد مجالات الإبداع المهمة، والذي سيشكِّل ضرورة أساسية في سعي أوروبا إلى تحقيق السيادة الرقمية والازدهار الاقتصادي. وهنا أيضًا، اقترح الاتحاد الأوروبي ضوابط تنظيمية رائدة، قانون الذكاء الاصطناعي، لتشجيع استيعاب الذكاء الاصطناعي وحماية المستهلكين والمواطنين الأوروبيين من المخاطر المصاحبة له. فهل ينجح هذا التنظيم في إيجاد التوازن المناسب بين الإبداع والحيطة؟ وفي عموم الأمر، كيف تنظرين إلى العلاقة بين الإبداع والتنظيم؟
مارجريت فيستاجر: قد يبدو هذا التصريح غريبًا، لكن الهدف من التنظيم هو احتضان الذكاء الاصطناعي بشكل كامل. هكذا يصبح بوسعنا أن نضمن شعور العملاء بالأمان وشعور أولئك الذين ينشرون التكنولوجيا بالارتياح في البيئة التنظيمية. يجسِّد قانون الذكاء الاصطناعي استعارة الهرم. فعند القاعدة، هناك العديد من الأشياء التي لا يمسُّها التنظيم. وعلى المستوى التالي ــ روبوت محادثة على موقع على الإنترنت، على سبيل المثال ــ نجد أنَّ الشرط الوحيد اللازم هو أن يكون التفاعل شفَّافًا: إذ يجب أن يعلم الناس أنهم يتفاعلون مع رموز رقمية.
ثمَّ يصبح الأمر أكثر تعقيدًا عندما نقترب من قمة الهرم، فهناك نجد التكنولوجيات التي قد تشكل تهديدًا لقيمنا الأساسية. وقد شهدنا بالفعل حالات حيث تبيِّن أنَّ الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه الخدمات الاجتماعية أو أجهزة إنفاذ القانون متحيز. وعندما يتعلق الأمر بالشؤون الاجتماعية، فإنك تريد أن تُـرى كما أنت حقًّا، وليس كمجرد تكرار لنوع اجتماعي، أو عِـرق، أو خلفية اجتماعية بعينها.
لذلك، يشترط التنظيم أن تكون تطبيقات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في اتخاذ القرار بشأن التوظيف، والرهن العقاري، وما إلى ذلك، مبنية على أساس بيانات عالية الجودة. يجب أن تكون القرارات قابلة للتفسير، ويجب أن تشتمل الحلقة على عنصر بشري، ولا بدَّ من الاستعانة بالتدابير الأكثر صرامة في إدارة الأمن السيبراني. من خلال ضمان مستوى أساسي من الثقة، يجب أن يكون التنظيم عامل تمكين للسوق. ويجب أن يكون بوسع الناس أن يقولوا: "نريد استخدام هذه الخدمة لأننا على ثقة من مراعاتها التامة للأساسيات".
عند أعلى قمة الهرم نجد حالات حيث يمكننا أن نقول ببساطة: "هذا غير ممكن. هذا يتعارض مع قيمنا". هنا، أفكر في أشياء مثل تحديد الهوية بالاستدلال الحيوي عن بُـعد في الأماكن العامة، مع ابتكار الحكومات لسبل التقييم الاجتماعي للأفراد. مثل هذه الأمور يجب أن تُـحـظَر، ربما باستثناء استخدام تحديد الهوية بالاستدلال الحيوي عن بُـعد لفترة محدودة لمنع هجوم إرهابي وشيك أو البحث عن طفل مفقود.
مرة أخرى، المقصود هنا يتلخص في تمكين أفضل استخدامات للتكنولوجيا. للقيام بهذا، يتعين علينا أن نركِّز على حالات محددة والمخاطر المرتبطة بها لضمان التناسب. ويجب أن نضع في الحسبان جميع الأشياء المدهشة التي يساعدنا الذكاء الاصطناعي بالفعل على القيام بها والتي سيساعدنا على القيام بها في المستقبل. ينبغي لنا أن نعمل على تمكين الإبداع في ما يتصل بهذه الاستخدامات، وتساعدنا الضوابط التنظيمية على القيام بهذا من خلال خلق الثقة اللازمة لفتح السوق. أما بيئة الذكاء الاصطناعي التي تفتقر تمامًا إلى التنظيم فهي ليست ما يمنحنا أفضل ما في الإبداع والابتكار.
يتعيَّن علينا أيضًا أن نعمل على فتح التمويل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي. وفي متابعة الاقتراح التنظيمي، أصدرنا أيضًا خطة جديدة منسقة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، بحيث يصبح من الممكن تخصيص المزيد من الأموال للإبداع والابتكار في هذا المجال.
حروب الخطابات
آنو برادفورد: يدعم الذكاء الاصطناعي أيضًا الخوارزميات على منصات التواصل الاجتماعي لتحديد أي خطاب يجري تضخيمه أو إسكاته. ويبدو أنَّ قانون الخدمات الرقمية (DSA)، الذي اقترحه الاتحاد الأوروبي أخيرًا، يهدف إلى تقديم المزيد من الشفافية والمساءلة في هذا الصدد. فهل سيؤسس هذا القانون رقابة ديمقراطية على التعبير عبر الإنترنت؟ ومن برأيك يجب أن يقرر أي الخطابات ضار وأيها مسموح؟
مارجريت فيستاجر: هذا القرار يخص الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. لا يتعلق قانون الخدمات الرقمية بالمحتوى؛ بل بالإجراءات اللازمة لضمان عمل الخدمات الرقمية على نحو يدعم القرارات المتخذة في ديمقراطياتنا حول ما هو قانوني أو غير قانوني. فمثلًا، ستتخذ الدول الأعضاء المختلفة قرارات مختلفة بشأن خطاب الكراهية. وسيكون بعضها صارمًا للغاية، وبعضها أقل صرامة، اعتمادًا على عدد من العوامل مثل القضايا الثقافية وكيفية إدارة الدولة لخطابها العام. وبمقارنة الدنماركيين والسويديين فقط، نتوقَّع طريقتين مختلفتين تمامًا.
سيشترط قانون الخدمات الرقمية شيئين على المنصات. أولًا، سيتعيَّن عليها إنشاء آلية للمستخدمين من أجل تقديم الشكاوى أو طلب الإنصاف إذا أُزيلت منشوراتهم أو ملفاتهم الشخصية بالكامل. بهذه الطريقة، لن تبدو هذه القرارات أحادية الجانب. ثانيًا، سيتطلب القانون تقديم تقييمات مخاطر عامة. وسيتعين على شركات التكنولوجيا أن تسأل نفسها إذا ما كانت منصاتها تجلب تهديدات للديمقراطية، وما الذي يمكنها فعله للتخفيف من حدة هذه المخاطر.
تذكري أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تعمل بمثابة عامل تمكين كبير للديمقراطية؛ وبإمكانها أن تفعل العكس أيضًا. على سبيل المثال، أعمل مع برنامج يهدف إلى مساعدة المزيد من النساء على الانخراط في السياسة، والمشكلة المتكررة التي تواجهنا هي خطاب الكراهية عبر الإنترنت والمضايقات التي تهدف بوضوح إلى تثبيط مشاركة المرأة. في الوقت ذاته، تخلق هذه المنصات فرصا للأشخاص كي يعبروا عن أفكارهم ويتفاعلوا مع الآخرين. في النهاية، أعتقد أن الديمقراطية الكاملة ستحمل جانبًا ماديًّا وجانبًا افتراضيًّا. ونحن بحاجة إلى التأكد من أنَّ يعمل الجانب الافتراضي على تعزيز ديمقراطيتنا، وليس تقويضها.
آنو برادفورد: من أصعب الأسئلة المطروحة مسألة أين نرسم الخط الفاصل بين حرية التعبير الراسخة وتقليص خطاب الكراهية الذي يقوض الكرامة والديمقراطية في حد ذاتها. في الولايات المتحدة، حيث اعتاد الناس على تبني مفهوم واسع للغاية لحرية التعبير، أصبح كثيرون غير مرتاحين بسبب الافتقار إلى وجود حدود للتعبير على الإنترنت. ولكن في الوقت ذاته، تُوجه اعتراضات قوية ضد فكرة تنظيم الخطاب من قِبَل الحكومة أو شركة خاصة.
ظهر أخيًرا أحد الحلول التجريبية، ما يسمَّى بالمحكمة العليا على فيسبوك - وهي هيئة إشرافية مستقلة. ما آرائك حول هذه النسخة من الرقابة الديمقراطية؟ وهل يستوفي هذا النهج معاييرك فيما يتعلق بالشفافية والمساءلة؟
مارجريت فيستاجر: أعتقد أنها فكرة جيدة. فجزء من احترام أي شركة لمسؤوليتها يتمثَّل في إنشاء آليات خاصة بها للمساءلة والشفافية. لكن هذا ليس كافيًّا بالضرورة، سواءً في سياق الشفافية أو من وجهة نظر حماية المصلحة العامة. فلا شك أنها ستضع شروط وأحكام المستخدم الخاصة بها، وبعد ذلك ستسلك أيضًا نهجها الخاص في التعامل مع المجتمع الأوسع. وأعتقد أنه بحكم العادة، سيحدث تداخل بدرجة كبيرة بين الاثنين. لكن من المهم أن نتحرى الشفافية حتى نتمكَّن من الاستمرار في مناقشة القضايا التي تقع في المنطقة الرمادية - مثل الخطاب الذي ربما يكون ضارًّا لكنه لا يخالف القانون. هذه ليست مناقشة يمكن الانتهاء منها مرة واحدة وإلى الأبد. لهذا السبب، نحتاج إلى وضع إجراءات تهدف إلى الحفاظ على الشفافية، ويجب أن تستند هذه الإجراءات إلى إطار قانوني يطبق ذات القواعد على الجميع.
لذلك، لا يمكننا الاعتماد على الأعمال الفردية فقط. وبرغم أنني أعتقد أنَّ شركة فيسبوك حسَّنت أداءها - حيث تعكف الآن على إزالة قدر كبير من المحتوى غير القانوني بشكل واضح - إلا أنني أعتقد أيضًا أنَّ هذه العمليات لا بدَّ أن ترتكز على تشريعات يُنشئها ويناقشها ويعتمدها ممثلونا المنتخبون.
تأثير بروكسل
آنو برادفورد: تُنظَّم شركات التكنولوجيا الكبرى بواسطة العديد من الولايات القضائية؛ لكن الاتحاد الأوروبي كان أكثر نشاطًا في تطوير أطر قانونية جديدة، وقد أثبتت هذه الأطر أنها تشمل نطاقًا عالميًّا واسعًا - وهو ما أسميه "تأثير بروكسل".
خير مثال على ذلك هو اللائحة العامة لحماية البيانات في أوروبا. حيث امتثلت الشركات للائحة عبر عملياتها حول العالم، لأنَّ هذا أسهل وأقل تكلفة من الإبقاء على ممارسات مختلفة في بلدان مختلفة. وبالمثل، ظهرت معايير بشأن خطاب الكراهية من خلال العديد من قواعد السلوك التي تفاوضت عليها هذه الشركات مع الاتحاد الأوروبي. واستخدمت العديد من الحكومات الأخرى قانون الاتحاد الأوروبي نموذجًا لقواعدها التنظيمية الخاصة. لذا، أشعر بالفضول لمعرفة ما إذا كنتم تضعون المستهلكين العالميين في الاعتبار عند صياغة الضوابط التنظيمية. وما هي الفائدة التي قد تعود على الاتحاد الأوروبي عندما يُكرَّر قانون الاتحاد الأوروبي عبر السوق العالمية؟
مارجريت فيستاجر: أعتقد أنك محقة بشأن "تأثير بروكسل". في الواقع، كانت أوروبا في الطليعة عندما أصدرت اللائحة العامة لحماية البيانات. وبدأ العديد من الآخرين الآن في اللحاق بها من خلال وضع تشريعات مشابهة، وإن لم تكن متطابقة تمامًا. أعتقد أنَّ الهند هي أحدث مثال، إلى جانب عدد من الولايات الأميركية.
عندما نصيغ تشريعات لأوروبا، ما نحاول فعله هو تحويل قيمنا إلى شيء حقيقي ملموس في الحياة اليومية. لكن قيمنا ليست أوروبية فقط. أعتقد أننا نتشارك شيئًا جوهريًّا مع معظم الديمقراطيات عندما يتعلق الأمر باحترام النزاهة وكرامة كل فرد. وهذه ليست مجرد فكرة أوروبية. فهي أيضًا فكرة أميركية ويابانية وجنوب إفريقية. أعتقد أنَّ هذا هو السبب في أن تشريعاتنا تلهم الآخرين، وآمل أن تستمر في ذلك، لأننا بحاجة إلى أن تتحد ديمقراطيات العالم.
هذا لن يُـفضي إلى إصدار قانون خدمات رقمية أو لائحة حماية بيانات على المستوى العالمي. لكن ربما نتوصل إلى توافق قانوني وعقلية مشتركة. فعلى مدى العامين الأخيرين، بدأ المزيد من الأفراد، والمزيد من الولايات القضائية، في التفكير على نفس المنوال حول هذه القضايا. والحق أنَّ هذا تغيير جذري. تكمن المسألة الآن في معرفة كيف نترجم هذه العقلية المشتركة إلى أطر تشريعية.
بالطبع، آمل أن تصبح أوروبا مصدر إلهام في هذا الصدد أيضا. لكنني أيضًا أشعر بالتواضع أمام حقيقة مفادها أنَّ الآخرين يسلكون ذات المسار ليس بالضرورة لأنَّ طريقتنا هي أفضل طريقة لإنجاز الأشياء، ولكن لأنها تعكس دافعًا أساسيًّا للديمقراطية. مرة أخرى، نحن بحاجة إلى أن تتحد الديمقراطيات. فثمة تنافس منهجي ناشئ بين الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية. وفي اعتقادي، ينبغي لنا في الاتحاد الأوروبي أن نظهر أنَّ الديمقراطيات لديها الكثير مما تُقدمه للناس في حياتهم اليومية.
آنو برادفورد: بالطبع، في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حدث انقسام عميق عبر الأطلسي حول العديد من قضايا السياسة، بما في ذلك القضايا المتعلقة بالاقتصاد الرقمي. ودار الكثير من النقاش حول عدم التوافق فيما يتعلق بالتنظيم، أو تدفق البيانات، أو الضرائب الرقمية، أو مكافحة الاحتكار. ولا تزال بعض هذه الاختلافات قائمة إلى حد بعيد.
مع ذلك، قد يجادل الكثير من المراقبين بأنَّ الولايات المتحدة تقترب الآن من الموقف الأوروبي. حيث بدأت لجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل الأميركية في متابعة إجراءات مكافحة الاحتكار ضد بعض الشركات الرقمية الكبرى. وفي تغريدة، رحب جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بلوائح الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، وأكد استعداد أميركا للعمل مع دول أخرى ذات عقلية مشابهة في تنظيم هذه التقنيات. وأخيرًا، نشهد أيضًا تقدمًا محتملًا فيما يتعلق بضرائب الخدمات الرقمية، حيث تستكشف الولايات المتحدة سبل التعاون العالمي بشأن ضرائب الشركات بصورة أكثر عمومًا.
بالنظر إلى هذه التطورات، هل أنتِ متفائلة بالعودة إلى تقارب أوثق عبر المحيط الأطلسي؟
مارجريت فيستاجر: حسنًا، أنا أميل إلى التفاؤل، سواء كان ذلك بطبيعتي أو باختياري، لأنني أرى أنَّ المتشائمين لا ينجزون أي شيء أبدًا. ولماذا يفعلون، إذا افترضوا أنَّ الأمور ستصبح أسوأ غدًا؟ لكن موقفي المتفائل ليس من أجل التفاؤل في حد ذاته. فهو يعكس الحقائق. حيث تجري تغييرات كبيرة داخل الولايات المتحدة ومن حيث الاعتبارات الجيوسياسية. وتشجعني حقيقة أنه في خضم المناقشات الدائرة حول الضرائب ومكافحة الاحتكار والخصوصية، أصبحنا بالفعل في مكان مختلف تمامًا عن الذي كنا فيه قبل بضع سنوات. هذا لا يعني أننا سنتفق على كل شيء. لكننا نمهد الطريق لشيء جوهري حقًّا: التعاون بين الديمقراطيات.
تأملي معي في هذا المثال الصغير، ولكنه يوضح سبب أهمية تشكيل جبهة موحدة من الديمقراطيات في ظل تنافس الأنظمة الجاري في الوقت الحالي. في العام الماضي، قدمت الصين اقتراحًا إلى الاتحاد الدولي للاتصالات كان من شأنه أن يقلب بنية الإنترنت رأسًا على عقب، مما يجعلها أكثر مركزية وقابلية للتحكُّم فيها من قِبَل الحكومات. لحسن الحظ، اتفق عدد من الديمقراطيات على رفض هذا الاقتراح، وعلينا أن نحتفي بذلك. لكن ستظلُّ هناك حاجة إلى اليقظة المستمرة لدرء هذه التهديدات التي تواجه النظام، ولإظهار أنَّ الديمقراطيات بحاجة إلى مساعدة ديمقراطيات أخرى من أجل تلبية احتياجات مواطنيها.
الفصل التالي
آنو برادفورد: لنضع تفاؤلك تحت الاختبار. استنادًا إلى فكرة الاتحاد الأوروبي بوصفه قوة تنظيمية عظمى عالمية، هل تستطيع أوروبا أيضًا أن تصبح قوة تكنولوجية؟ متى سنرى عملاقًا تكنولوجيًّا أوروبيًّا ينافس أمثال جوجل، وأمازون، وآبل، وفيسبوك، ومايكروسوفت؟ ما الذي يتطلبه تحقيق ذلك؟
مارجريت فيستاجر: ذكرت سابقًا أننا نبدأ الفصل الثاني من الرقمنة. حيث تمحورت السنوات العشر الماضية حول نمو الأعمال التجارية بين الشركات والمستهلكين. أمّا المرحلة التالية فهي متعلقة بالرقمنة الصناعية لقطاعات الصحة، والنقل، والطاقة، والزراعة، والخدمات العامة. والحقُّ أنَّ السلع والخدمات العامة تمثل مواطن قوة بالنسبة إلى أوروبا. كما أنَّ أنظمة الطاقة المتقدمة للغاية لدينا قيد التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة، ونحن متقدمون بذات القدر في الزراعة.
ثمة طلب قوي للغاية على الحلول التكنولوجية التي ستمكن هذه القطاعات من تطوير وتحويل ذاتها بشكل كبير في السنوات القادمة. وتحظى أوروبا بثقافة الصناعة وريادة الأعمال اللازمة لقيادة عصر الرقمنة هذا. لا شكَّ أنَّ أنواعًا جديدة من الشركات الرقمية ستظهر من أجل التعامل مع جميع البيانات التي يجري إنشاؤها الآن. لكن الكثير منها سيختص بالتعاملات بين الشركات، لذلك لن نسمع عنها بالضرورة بقدر ما نسمع عن الخدمات التي قد نستخدمها على الهاتف الذكي كل يوم.
مع ذلك، تشكِّل الأعمال التجارية جزءًا أساسيًّا من كيفية عمل مجتمعنا، وستكون رقمنة الصناعات عملية مثيرة بشكل خاص في السياق الأوروبي. حيث يوجد عدد كبير من الأشياء التي لا يمكننا القيام بها في غياب التكنولوجيات الرقمية. على سبيل المثال، تعدُّ مكافحة تغير المناخ أمرًا يصعب تحقيقه بدون أدوات رقمية. وأعتقد أنَّ أحدث التقديرات تشير إلى أنه يمكننا السيطرة على 20٪ من الانبعاثات على مدى السنوات العشر القادمة باستخدام وسائل رقمية.
آنو برادفورد: حسنًا، كيف تتوقعين أن يبدو العالم بعد عشر سنوات؟ هذه فترة طويلة بالنسبة إلى الاقتصاد الرقمي. هل تسود القيم الأوروبية في النهاية، مما يترك لنا اقتصادًا رقميًّا أكثر إنصافًا، وشمولية، وديمقراطية، وتركيزًا على الإنسان؟
مارجريت فيستاجر: أخشى دائمًا هذا النوع من الأسئلة. لقد حدث الكثير خلال السنوات العشر الماضية، والشيء الوحيد الذي أراه بمثابة خيط يجب أن نسترشد به هو النضال لكي نجعل مجتمعاتنا أكثر شمولية. كانت الأزمة المالية عام 2008 مروعة في كثير من النواحي، لكن أحد أسوأ فصول تلك الأزمة كان تسريح العاملين وشعورهم بأنهم طُرِدوا ليس فقط من وظيفة، ولكن من مجتمعهم. فلم يجد الكثيرون منهم مكانًا يلوذون به، ونحن نتعامل مع تبعات هذا الأمر منذ ذلك الحين.
عُدت لتوي من قمة بورتو الاجتماعية التي استضافتها البرتغال، حيث رأيت رؤساء الدول والحكومات الأوروبيين، وأصحاب الأعمال، وقادة النقابات، ومجموعات المجتمع المدني يجتمعون معًا للاعتراف بالحاجة إلى تأسيس مجتمع شامل للجميع ولا يضر بالنمو. ومن رؤيتي لهذا المشهد، أعتقد أنَّ العديد من الأشياء ستختلف تمامًا في غضون عشر سنوات، وأننا سنحقق تقدمًا في مساعدة جميع الأفراد على الشعور بمزيد من الانتماء إلى المجتمع.
آنو برادفورد: ما الإرث الأكثر أهمية الذي تودين أن تتركيه بصفتك المنظم الأكثر قوة لصناعة التكنولوجيا؟
مارجريت فيستاجر: ما يدفعني إلى النهوض من فراشي كل صباح هو مزاولة عملي المتمثل في بذل قصارى جهدي لحمل كل واحد منا على إدراك حقيقة مفادها أننا قادرون على الاختيار، وأن اختياراتنا كفيلة بإحداث الفارق. وأرى أنَّ هذا الإدراك هو السبيل الحقيقي إلى التمكين. يجب أن يكون كل شخص قادرًا على الشعور بأنَّ ما يفعله يحدث فارقًا، وينطبق هذا بشكل خاص في السوق. فعندما تكون السوق مفتوحة وتسمح بالمنافسة، يصبح لدى المستهلكين والمواطنين خيارات مختلفة، وبالتالي يمكنهم إحداث الفارق.
وبالمثل، في نظام ديمقراطي، من شأن المساهمات الفردية أن تحدث الفارق. بالنسبة إليَّ، هذا التمكين هو الدافع الذي يُحرِّك أفعالي، ويحدِّد ما أرغب في تحقيقه. وفي ظلِّ الرقمنة، ربما نتمكَّن أخيرًا من الوفاء ببعض الوعود التي نسمعها منذ عقود من الزمن فيما يتعلق بالصحة والتعليم وقضايا أخرى. هذه هي أمنيتي المتواضعة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
مارجريت فيستاجر، نائبة الرئيس التنفيذي للمفوضية الأوروبية من أجل أوروبا ملائمة للعصر الرقمي، ومفوضة شؤون المنافسة في الاتحاد الأوروبي. آنو برادفورد، أستاذة القانون والتنظيم الدولي في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، وكبيرة باحثين في معهد جيروم أ. تشازين لإدارة الأعمال العالمية التابع لكلية إدارة الأعمال في جامعة كولومبيا، ومؤلفة كتاب "تأثير بروكسل: كيف يحكم الاتحاد الأوروبي العالم".
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org