Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

البحث عن أصول كوفيد-19 ومنع جائحات المستقبل

جيفري ساكس

نيويورك ــ تُـرى من أين أتى مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19)؟ إنَّ تحديد مصدر الوباء أمر بالغ الأهمية. لكن بعد مرور أكثر من ثمانية عشر شهرًا منذ ظَـهَـرَ فيروس SARS-CoV-2 (الفيروس المسبب لكوفيد-19)، تظل مسألة منشأ العامل الـمُمرِض غير محسومة. وقد يساعدنا توخي قدر أكبر من الشفافية والوضوح في المناقشة على حل مسألة مصدر الفيروس وكذلك تجنب الجائحات في المستقبل.

هنا، تبرز فرضيتان رئيسيتان؛ الأولى تنبئنا عن حدث طبيعي حيث ينتقل فيروس SARS-CoV-2 من حيوان إلى إنسان في سياق طبيعي، أو مزرعة، أو سوق للمواد الغذائية. وتحدثنا الفرضية الثانية عن عدوى مرتبطة بالأبحاث التي كانت جارية على فيروسات شبيهة بفيروس سارس (أي الفيروسات ذات الصلة بالفيروس الذي أحدث وباء سارس خلال الفترة من 2002 إلى 2004). إذا كان لنا أن نتمكَّن من منع الفاشيات الـمَـرَضية في المستقبل، فيجب أن يكون تحديد مصدر الفاشية الحالية على رأس أولوياتنا.

توجه هاتان الفرضيتان انتباهنا إلى مجموعتين مختلفتين من الاهتمامات وتدابير السياسة، وكل منهما تستوجب اهتمامنا. تستلزم الأمراض التي تنشأ نتيجة لانتقال الفيروسات من الحياة البرية إلى البشر (ما يسمّى بالأمراض الطبيعية الحيوانية المنشأ) اتخاذ تدابير احترازية في التفاعلات البشرية مع المكامن الحيوانية التي تحتوي على مُـسبّبات أمراض مميتة محتملة، على سبيل المثال في تطهير الأراضي، والزراعة واستهلاك لحوم الطرائد، وتربية وتجارة المواشي. تسبّبت الأحداث الطبيعية الحيوانية المصدر في ظهور العديد من الأمراض الوبائية المميتة في العقود الأخيرة، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، وإيبولا، وسارس (مرض الالتهاب الرئوي الحاد)، وميرس (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية).

من الممكن أن تنشأ الأمراض المعدية المستجدة أيضًا في سياق الأبحاث التي تجرى على الفيروسات وغيرها من مسبّبات الأمراض. ويسجَّل التاريخ حالات حيث أصيب باحثون وعمّال مختبرات بعدوى مسببات الأمراض التي كانوا يدرسونها. في حالة SARS-CoV-2، ربما حدثت عدوى مرتبطة بالبحث بأكثر من طريقة. فربما أصيب باحث بالعدوى أثناء جمع عينات من الفيروس والجزيئات الفيروسية في الموائل الطبيعية لخفافيش حدوة الفرس أو غير ذلك من الحيوانات التي ربما أوت الفيروس. أو ربما حدثت العدوى في مختبر حيث كان الباحثون يعملون على عينات جرى جمعها مسبقًا تحتوي على الفيروس أو فرزات فيروسية. يتضمّن سيناريو آخر إصابة العاملين في الأبحاث بفيروسات جُـمِـعَـت من مصدر طبيعي ثمَّ جرى التلاعب بها جينيا في وقت لاحق في المختبر، بما في ذلك إدخال تغييرات قد تجعل فيروسًا منشأه الخفافيش أكثر ميلًا إلى إصابة البشر بعدواه.

الواقع أنَّ كلًّا من الفرضيتين ــ الأمراض الطبيعية الحيوانية المنشأ والعدوى المرتبطة بالأبحاث ــ محتملة في هذه المرحلة من التحقيق. ويتغافل أولئك الذين ادعوا أنَّ المنشأ الطبيعي هو الفرضية الوحيدة المحتملة عن أنشطة بحثية مكثفة كانت جارية في الميدان وفي المختبرات على فيروسات شبيهة بفيروس سارس، بما في ذلك في ووهان بالصين، حيث جرى تحديد أول فاشية، وفي الولايات المتحدة. ويتغافل أولئك الذين يزعمون أنَّ العدوى المرتبطة بالأبحاث هي الفرضية الوحيدة المحتملة عن وتيرة انتقال الفيروسات الحيوانية المصدر بشكل طبيعي، مثل فاشية سارس. ولا يخلو الأمر من العديد من الطرق التي يمكن أن يقع من خلالها حدث طبيعي مع فيروس SARS-CoV-2 في مكان ما في الصين ثمَّ يُـجـلَـب إلى ووهان بواسطة فرد مصاب أو حيوان طُــرِحَ إلى السوق. وقد نتج قدر كبير من الالتباس بسبب الخلط بين فرضية المنشأ البحثي ونسخة معينة من هذه الفرضية، حيث حدثت العدوى بعد تلاعب مستهدف بالفيروس لتعزيز تكيفه البشري.

منذ بدأت الجائحة قدم مؤيدو كل من الفرضيتين ادعاءات مُـبالَـغ فيها، وسابقة لأوانها، وغير مبرَّرة. في وقت مبكر من الجائحة، أعلن العديد من العلماء والباحثين أنَّ هناك أدلة دامغة تؤكَّد أنَّ فيروس SARS-CoV-2 نشأ في الحياة البرية وأنَّ النظريات البديلة حول إطلاق الفيروس في سياق يرتبط بالأبحاث ليست أكثر من "نظريات مؤامرة". كما زعم مراقبون آخرون في وقت سابق، وتبعهم العديد من الساسة الأميركيين بما في ذلك الرئيس دونالد ترامب، ووزير الخارجية مايك بومبيو، وأعضاء في الكونجرس، أنَّ هناك أدلة هائلة الضخامة تؤكَّد إطلاق الفيروس في سياق أبحاث مختبرية، مشيرين إلى الأنشطة البحثية الجارية في مختبرات في ووهان.

حالة المناقشة

لاحظ بعض الباحثين في وقت مبكر أنَّ كلًّا من الفرضيتين معقولة. وقد أثبتت الأبحاث اللاحقة في منشأ كوفيد-19 حتى الآن كونها غير حاسمة، وهذا لا يُـبقي على الفرضيتين الرئيستين ساريتين وحسب، بل إنه يقوض أيضًا ادعاءات صارخة من قِـبَـل بعض ممثلي المعسكرين الرئيسين. في الأصل، كان بعض الأمل قائمًا في أن يكشف جينوم SARS-CoV-2 ذاته عن منشأ الفيروس بسرعة، إما عن طريق العثور على فيروس مطابق تقريبًا (مثل فيروس تستضيفه خفافيش حدوة الفرس أو عائل وسيط مثل حيوان البنغول) أو عن طريق إثبات خضوع الفيروس للتلاعب الجيني في سياق مختبري بالدليل الدامغ.

لم تتحقَّق هذه الآمال في التوصل إلى حل واضح وسريع للمناقشة. إذ يتوافق جينوم SARS-CoV-2 مع حدوث العدوى بشكل طبيعي أو في سياق مرتبط بالأبحاث. من الواضح أنَّ هذه هي الحال إذا أصيب باحث بعدوى الفيروس أثناء جمع عينات من الفيروس في الميدان، لأنَّ الفيروس بذلك يكون ناشئًا من الطبيعة مباشرة، لكن المنشأ سيظل مرتبطا بالأبحاث. ما يزيد الأمر تعقيدًا على تعقيد أنَّ الباحث الميداني ربما أصيب بحالة خفيفة أو بدون أعراض، حتى إنه لم ينتبه هو وزملاءه إلى انتقال العدوى من الميدان، ثمَّ انتقالها الآن بشكل مباشر إلى بشر آخرين.

من ناحية أخرى، لا يُـظهِـر جينوم SARS-CoV-2 أي "بصمة جينومية" قاطعة تؤكد التلاعب الاصطناعي، مثل إعادة التركيب الواضحة للمادة الجينية على نحو يستحيل حدوثه في بيئة طبيعية.

من جانبهم، كان أنصار الرأي القائل بأنَّ SARS-CoV-2 نشأ من حدث طبيعي حيواني المنشأ يأملون في أنَّ يتمَّ التعرُّف إلى الحيوان الذي يؤوي SARS-CoV-2 بسرعة، على سبيل المثال في المزارع أو الأسواق الرطبة، أو أنَّ الفيروس سَـيُـعـثَـر عليه بشكل مباشر في خفافيش حدوة الفرس. هذا الأمل أيضًا لم يتحقَّق حتى الآن، وإن كان من الممكن أن يتحقّق بالطبع. تحدَّث مثل هذه الاكتشافات غالبًا بعد سنوات عديدة من اندلاع الفاشية الأولى. ولكن تظلُّ الحقيقية هي أنَّ الباحثين والعلماء لم يتعرَّفوا بعد على مكمن العائل الثديي الوسيط الذي ربما خدم كمكمن طبيعي للفيروس.

مع ذلك، نجد أنَّ بعض الحقائق التي ظهرت خلال أول عام ونصف العام من الجائحة، والتي ترتبط بقوة بـمنشأها، شديدة الأهمية ومثيرة للقلق. أصبح المجتمع العام والسياسي على دراية متزايدة بالبحوث المكثفة حول الفيروسات الشبيهة بفيروس سارس والتي كانت جارية في الولايات المتحدة والصين وأماكن أخرى، سواء في جمع العينات الفيروسية من الميدان أو في دراسة قدرتها على نقل عدواها وإحداث المرض في المختبر. وقد تعلمنا أنَّ قدرًا كبيرًا من هذا العمل يمكن تصنيفه على أنه من أبحاث "اكتساب الوظيفة". يتضمن هذا المصطلح العام تعديل الفيروسات لإكسابها وظائف بيولوجية جديدة، وكان الاهتمام مركزًا بشكل خاص على ما يسمّى "أبحاث اكتساب الوظيفة محل الاهتمام"، وهي فئة تشمل أبحاث ربما تعزز قابلية الانتقال إلى البشر و/أو إحداث المرض، والتي تُـجرى على مسببات الأمراض الوبائية المحتملة. الواقع أنَّ التجارب التي أجريت في معهد ووهان لعلوم الفيروسات، والتي تضمّنت تعديل فيروسات كورونا التي يرجع أصلها إلى الخفافيش للتعبير عن البروتينات التي من المحتمل أن تعزّز القدرة على الدخول إلى الخلايا البشرية، يرى العديد من العلماء والباحثين أنها تندرج بشكل مباشر تحت فئة أبحاث اكتساب الوظيفة محل الاهتمام.

زعم العديد من خبراء السلامة البيولوجية لفترة طويلة أنَّ مثل هذا العمل ــ الذي يُـسـتَـخـدَم للكشف عن العوائل المستهدفة بسرعة أكبر، وتحسين التنبؤ بالفاشيات، وتطوير اللقاحات والعقاقير العلاجية ــ يتطلَّب قدرًا أعظم كثيرًا من الإشراف، والتحكم، والتدقيق، بما في ذلك تقديم تقرير شفاف لجماهير الناس عن الأنشطة البحثية. في الولايات المتحدة، تتضمن إرشادات المعاهد الوطنية للصحة فقرة شرطية مفادها أنَّ "الآليات المعززة لمراجعة العامل الـمُـمرِض المحتمل للجائحة والتي تستعين بها الوكالات، يجب أن توفّر أقصى حد ممكن من الشفافية لعامة الناس فيما يتصل بالمشاريع الممولة التي تنطوي على إنشاء، أو نقل، أو استخدام عوامل مُـمرضة محتملة معززة".

علمنا أيضًا أنَّ المعاهد الوطنية للصحة قامت بتمويل علماء أميركيين وصينيين للعمل بشكل تعاوني على جمع عينات من فيروسات تشبه فيروس سارس في الميدان، وإعادتها إلى معهد ووهان لعلوم الفيروسات لإخضاعها لتحليل جيني متقدم. وفي إطار العمل البحثي في معهد ووهان لعلوم الفيروسات، تضمَّنت الأبحاث إنشاء مؤتلفات جينية تخيلية لفيروسات شبيهة بفيروس سارس لدراسة قدرتها على إصابة الخلايا البشرية بعدواها وإحداث المرض. كما علمنا أنَّ بعض أعمال الاستنساخ الفيروسي في معهد ووهان للعلوم الفيروسية حدثت في مرافق مختبر السلامة البيولوجية 2، والتي يرى العديد من الباحثين أنها لا توفِّر الحماية الكافية ضد إطلاق الفيروسات في سياق أبحاث مختبرية، حتى وإن بدا الأمر وكأن المعاهد الوطنية للصحة توافق على مثل هذا العمل في مرافق مختبر السلامة البيولوجية 2.

العلوم في مواجهة السرية

حتى يومنا هذا، لم تكن السلطات الأميركية ولا الصينية صريحة بالقدر الكافي لتمكين الباحثين من تعزيز فهمنا لأصل SARS-CoV-2. أعلنت المعاهد الوطنية للصحة مؤخرا أنها لم تدعم أبحاث اكتساب الوظيفة التي ربما أدت إلى اندلاع جائحة كوفيد-19، قائلة إنها "لم توافق قَـط على أي منحة كانت لتدعم أبحاث اكتساب الوظيفة على فيروسات كورونا التي من شأنها أن تزيد قابليتها للانتقال أو قدرتها على الفتك بالبشر".

من المؤسف أنَّ المعاهد الوطنية للصحة لم تكشف بعد عن البحث الفعلي الذي مولته ودعمته. من المعلومات الشائعة في المجتمع العلمي الأميركي أنَّ المعاهد الوطنية للصحة دعمت بالفعل أبحاث إعادة التوليف الجيني على فيروسات شبيهة بفيروس سارس والتي يصفها العديد من الباحثين باسم أبحاث اكتساب الوظيفة محل الاهتمام. وتشير الأدبيات العلمية التي روجعت من قِـبَـل نظراء إلى نتائج مثل هذه الأبحاث الجينية التي دعمتها المعاهد الوطنية للصحة على فيروسات شبيهة بفيروس سارس. لكن عملية مراجعة السلامة البيولوجية لدراسات أبحاث اكتساب الوظيفة محل الاهتمام المحتملة تتسم بالغموض، فلا تكشف لعامة الناس عن أسماء ومؤهلات الأفراد المشاركين في عملية المراجعة، ولا جوهر المناقشات، ولا حتى المحقَّقين أو المشاريع قيد المراجعة.

على وجه أكثر تحديدًا، من الواضح أنَّ المعاهد الوطنية للصحة شاركت في تمويل أبحاث في معهد ووهان للعلوم الفيروسية والتي تستحق التدقيق تحت فرضية إطلاق الفيروس في سياق أبحاث مختبرية. وتضمَّنت هذه الأبحاث جمع فيروسات شبيهة بفيروس سارس من المحتمل أن تكون خطرة، وإجراء تجارب العدوى على هذه الفيروسات، مما أسفر عن النشر الخاضع لمراجعة الأقران للنتائج. تصف منحة حديثة من المعاهد الوطنية للصحة للمشاركة في تمويل العمل في معهد ووهان للعلوم الفيروسية الهدف واحد والهدف ثلاثة من المشروع البحثي كالتالي (مقتبس من المختصر):

"الهدف واحد. وصف تنوع وتوزع مخاطر الانتشار العالية لفيروسات SARS-CoV في الخفافيش في جنوب الصين. سنستخدم تحليلات منحنى الاكتشاف الجغرافي والفيروسي لاستهداف جمع عينات إضافية من الخفافيش والفحص الجزيئي لفيروسات كورونا لملء الفجوات في عيناتنا السابقة وتقديم توصيف كامل لتنوع SARSr-CoV في جنوب الصين. وسوف نقوم بوضع تسلسل لمجالات ربط المستقبلات (spike proteins) لتحديد الفيروسات التي تمتلك أعلى احتمالية للانتشار والتي سنضمنها في تحقيقاتنا التجريبية (الهدف ثلاثة)."

"الهدف ثلاثة. تقديم توصيف مختبري وفي الجسم الحي لمخاطر انتشار SARSr-CoV، مقترنًا بالتحليلات المكانية وتحليلات تطور السلالات لتحديد المناطق والفيروسات التي تشكِّل خطرًا على الصحة العامة. وسوف نستخدم بيانات تسلسل بروتينات سبايك، وتكنولوجيا الاستنساخ الـمُـعـدي، وفي تجارب العدوى في المختبر وفي الجسم الحي وتحليل ربط المستقبلات لاختبار الفرضية القائلة بأنَّ عتبات الاختلاف في تسلسل بروتينات سبايك تتنبأ بإمكانية الانتشار".

(يتضمن الهدف اثنان مراقبة السكان المعرضين لمخاطر مرتفعة والذين يتعاملون مع الخفافيش).

من الواضح أيضًا أنَّ الباحثين الصينيين والأميركيين الذين دعمتهم المعاهد الوطنية للصحة لديهم الكثير من المعلومات التي يمكنهم مشاركتها حول طبيعة هذا العمل. ويشمل هذا سجلات الرحلات إلى الموائل الطبيعية حيث يعيش خفافيش حدوة الفرس وغيرها من السياقات لجمع عينات من الفيروسات الشبيهة بفيروس سارس؛ احتياطات السلامة التي اتخذوها أو لم يتخذوها أثناء مثل هذه الزيارات؛ ومستودع العينات الفيروسية، والفيروسات الحية، والتسلسلات الجينية، وغير ذلك من المعلومات الجينية ذات الصِـلة. كما يشمل السجلات المختبرية للتجارب على الفيروسات الشبيهة بفيروس سارس، بما في ذلك سجل الفيروسات التخيلية التي جرى إنتاجها، واختبارها، واستزراعها في المختبر؛ واحتياطات السلامة التي اتخذت أو لم تتخذ أثناء مثل هذه الأبحاث؛ وبيانات أخرى متعلقة بالمختبر؛ وحساب كامل للعدوى المحتملة بين العاملين في معهد ووهان للعلوم الفيروسية.

صَـرَّحَ كبار الباحثين في مشاريع معهد ووهان للعلوم الفيروسية بشكل قاطع بأنهم لم يبحثوا في فيروسات شبهية بفيروس SARS-CoV-2. مع ذلك، يجب أن تُـفـتَـح جميع دفاتر المختبر وغير ذلك من المعلومات ذات الصلة بواسطة الباحثين الصينيين والأميركيين العاملين على هذا المشروع للتدقيق التفصيلي من قِـبَـل خبراء مستقلين.

القضية الحقيقية

لا يتعلَّق التساؤل حول أصول الفيروس بحكومة أو بأخرى، ولا يدور حول قضية جيوسياسية، ولا يسعى إلى إلقاء اللوم على الصين وتبرئة الولايات المتحدة. إذا كان إطلاق فيروس SARS-CoV-2 جرى في سياق مختبري حقًّا، فربما حدث ذلك في إطار مشروع ممول من قِـبَـل حكومة الولايات المتحدة، وباستخدام أساليب طورها وأيدها باحثون وعلماء أميركيون، وكجزء من برنامج تقوده الولايات المتحدة وتموله لجمع وتحليل الفيروسات التي يحتمل أن تكون خطيرة، بما في ذلك في الصين.

لاكتساب أكبر قدر ممكن من المعلومات حول أصل SARS-CoV-2، نحتاج بشدة إلى إطلاق تحقيق دولي مستقل لفحص الفرضيات البديلة، ويجب على الحكومتين الأميركية والصينية التعاون بشكل كامل وشفاف مع مثل هذا التحقيق. في غضون ذلك، ينبغي للباحثين والعلماء والساسة والمفكرين وأولئك الذين يعرضون آراءهم على وسائط التواصل الاجتماعي أن يعترفوا بأوجه عدم اليقين السائدة حاليًّا.

ينبغي لهم أن يعترفوا أيضًا بأنَّ مأساة الجائحة ألقت الضوء بالفعل على كيفية منع الفاشيات والجائحات في المستقبل. ولأنَّ الأحداث الطبيعية الحيوانية المنشأ حتمية ولا مفرَّ منها، فيتعيَّن علينا أن نعكفَ على إنشاء أنظمة مراقبة وإنذار عالمية أفضل كثيرًا، وبالطبع أنظمة استجابة مبكرة عندما تحدث الفاشيات. نحن في احتياج إلى قنوات اتصال جديرة بالثقة لمنع الانتقال العالمي السريع للأمراض المستحدثة الحيوانية المنشأ، ويتعيَّن علينا أن نعمل على إنشاء آليات مؤسَّسية تمكننا من البحث بأسرع وقت ممكن عن العلاجات المحتملة، واختبارات التشخيص، واللقاحات، وغير ذلك من الأدوات وأفضل الممارسات لاحتواء أي فاشية مَـرَضية. باختصار، يتعيَّن علينا أن نكون أفضل استعدادًا لمشاركة وتبادل الدراية العلمية والتكنولوجية ذات الصلة بطريقة أكثر نزاهة وشفافية ومصداقية مما كانت عليه الحال خلال الجائحة الحالية.

لكن الأمر لا يخلو أيضًا من خطر حدوث فاشيات مَـرَضية وبائية مرتبطة بسياقات بحثية في المستقبل. ويجب على الحكومات أن تعمل على رفع مستوى الشفافية، والإشراف، والسلامة البيولوجية في أي مشروع يسعى بنشاط للتوصل إلى مسبّبات الأمراض الخطيرة في الطبيعة وإعادتها إلى المختبرات، انطلاقًا من إدراكها للمخاطر المتعددة المحتملة. على نحو مماثل، تطورت أدوات التلاعب الجينومي وتقدمت بسرعة كبيرة، حتى إنَّ احتمال خلق مسببات أمراض مميتة جديدة في المختبر وإطلاقها عن طريق الخطأ أو حتى عمدًا بات يشكل مصدر قلق بالغ الخطورة. إنَّ العالم يفتقر حاليًّا إلى القدر الكافي من الضمانات الدولية والوطنية والشفافية فيما يتصل بمثل هذا العمل الخطير، وتتفاقم المخاطر بفعل برامج أبحاث الأسلحة البيولوجية التي ترعاها حكومات عديدة والتي تساعد على استدامتها.

إنَّ لجنة Lancet COVID-19، التي أتولى رئاستها، عازمة على فحص هذه القضايا والتدقيق فيها بعناية قبل إصدار تقريرها النهائي في منتصف عام 2022. يتمثّل هدف اللجنة الرئيس في تقديم التوصيات بشأن السياسات اللازمة لمنع واحتواء الفاشيات المرضية في المستقبل، وسوف يتولى إدارة أعمالها الفنية خبراء مستقلون لم يشاركوا بشكل مباشر في الأبحاث الأميركية الصينية قيد التحقيق والتدقيق. ويجب على الباحثين الذين شاركوا في تلك الأبحاث أن يشرحوا بشكل كامل طبيعة عملهم. من ناحية أخرى، ستستعين اللجنة بخبراء السلامة البيولوجية للمساعدة على تقييم الفرضيات ذات الصلة حول أصول SARS-CoV-2 والتوصية بالطرق والسبل الكفيلة بمنع واحتواء الفاشيات في المستقبل، سواء كانت راجعة إلى أحداث طبيعية حيوانية المنشأ أو أنشطة مرتبطة بالأبحاث.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

جيفري ساكس أستاذ في جامعة كولومبيا، ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، ورئيس شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org