فلوريدا كدولة نامية
مايك سبنس، تشن لونج
ميلانو/هانجتشو ــ وصلت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) في موجات، فبدأت في آسيا، حيث انتشرت بسرعة من بر الصين الرئيس إلى كوريا الجنوبية، وهونج كونج، وتايوان. وكانت استجابة هذه الحكومات سريعة من خلال برامج التتبع والتعقب والاحتواء القوية، وقد استحثت الصين انكماشاً اقتصادياً ضخماً لكنه قصير الأمد لوقف انتشار الفيروس بشكل أو بآخر.
في غضون ذلك، اجتاحت موجة ثانية، في مراحلها المتوسطة إلى الأخيرة الآن، الاقتصادات المتقدمة في أوروبا، وأميركا الشمالية، وأوقيانوسيا غالباً. وكما هي الحال في آسيا، لم يخلُ الأمر من تفاوت في أساليب الاحتواء والنتائج بين البلدان؛ ولكن في عموم الأمر، جاءت استجابة أغلب الحكومات متأخرة، مما سمح للفيروس بالانتشار على نطاق واسع قبل فرض التدابير المضادة.
في كلِّ الأحوال، اتبعت الجائحة نمطاً واضحاً في اقتصادات كل من الموجة الأولى والموجة الثانية. فبعد انكماش اقتصادي حاد (المرحلة الأولى) تأتي النقطة الدنيا أو القاع (المرحلة الثانية)، عندما يتناقص معدل انتشار الفيروس إلى النقطة التي يتجاوز عندها عدد المتعافين الحالات الجديدة المؤكدة. ثمَّ تأتي فترة من إعادة الفتح بالتدريج وعلى مراحل، مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة لاحتواء الفيروس في مكانه (المرحلة الثالثة).
(الرسم البياني 1)
لكن الموجة الثالثة من الجائحة اتخذت هيئة مختلفة، وهي تثير مخاوف حقيقية. فعلى الرغم من وصولها متأخرة، فإنها تجتاح بسرعة معظم بلدان العالم النامي، وهو موطن ثلثي سكان العالم. علاوة على ذلك، تركت هذه الموجة، التي تمثّل الآن أكثر من 60% من الحالات المؤكدة الجديدة، عدداً مثيراً للقلق من البلدان ذات الكثافة السكانية العالية عالقة عند نقطة ما قبل المرحلة الثالثة من "اقتصاد الجائحة"، مع خروج الأزمات الاقتصادية وأزمات الصحة العامة عن السيطرة في الأساس.
(الرسم البياني 2)
تُـعَـدُّ الصعوبة الواضحة في السيطرة على انتشار الفيروس حتى مع فترات مستمرة من الانكماش الاقتصادي سِـمة فريدة ومزعجة للموجة الثالثة. وكما يوضح الرسمان البيانيان 2 و3، نستطيع أن نميز هذه الصعوبة في نطاق واسع من البلدان في آسيا، وأميركا اللاتينية، وإفريقيا.
(الرسم البياني 3)
في معظم البلدان النامية، تفتقر نسبة كبيرة من السكان إلى الموارد اللازمة لتحمل الإغلاق الاقتصادي الممتد، وقدرة الحكومات المالية على توفير حاجز عازل محدودة، وأحياناً محدودة بشدة. نتيجة لهذا، فإنَّ العديد من هذه الدول لن تجد أمامها أي اختيار غير إعادة فتح اقتصاداتها بصرف النظر عما إذا كان الفيروس أصبح تحت السيطرة.
على الرغم من المأساة التي تتوالى فصولها في مختلف أنحاء العالم النامي، فقد حظيت الموجة الثالثة بقدر أقل من الاهتمام إلى حد ما مقارنة بالأزمة في الولايات المتحدة، حيث تحجب البيانات الكلية على المستوى الوطني حقيقة مفادها أنَّ اقتصاد الجائحة في الولايات المتحدة ينقسم إلى فرعين، وكل منهما يتبع نمطاً مختلفاً للغاية. فالعديد من الولايات في الجنوب والجنوب الغربي تُـظـهِر على نحو متزايد (أو تعود إلى) نمط الموجة الثالثة ذاته الملحوظ في الاقتصادات النامية: الانفتاح الاقتصادي مع الانتشار السريع للفيروس.
(الرسم البياني 4)
تشير أحدث البيانات حول الإصابات الجديدة في فلوريدا إلى أنَّ الحالات تتضاعف بمعدل أقل من 19 يوماً، مما يضع الفاشية في الولاية ضمن مرحلة "غير منضبط". ويمكننا ملاحظة نمط مماثل أخيراً في تكساس والعديد من الولايات الأخرى.
(الرسم البياني 5)
في الولايات المتحدة، رفعت 27 ولاية أوامر البقاء في البيوت قبل الخامس عشر من مايو/أيار، في حين بدأت الولايات الثلاثة والعشرين المتبقية إعادة الفتح عند ذلك التاريخ أو بعده. وكما تُـظـهِـر بيانات الحالات الجديدة بوضوح، فقد شهدت الولايات التي أعادت الفتح مبكراً زيادة كبيرة في الإصابات بالعدوى.
(الرسم البياني 6)
بطبيعة الحال، حتى بين الولايات التي بدأت إعادة الفتح قبل الخامس عشر من مايو، اتخذ اقتصاد الجائحة مسارات مختلفة. وفي حين تباطأت ولاية كاليفورنيا عند مرحلة احتواء الفيروس، فإنَّ ولايات أخرى (فلوريدا، وتكساس) تنزلق مرة أخرى عائدة إلى منطقة الخطر، حيث أصبح زمن تضاعف الإصابات 18 يوماً أو أقل.
(الرسم البياني 7)
في ذات الوقت، بين الولايات التي رفعت أوامر البقاء في البيوت في الخامس عشر من مايو أو بعده، ظهر بوضوح في غالبيتها (بما في ذلك مينيسوتا، وواشنطن، ونيويورك المتضررة بشدة) نمط الموجة الثانية المعتاد الذي يتسم بحركة بطيئة لكنها ثابتة نحو تضاؤل عدد الإصابات الجديدة وزيادة النشاط الاقتصادي. والاستثناء الملحوظ هنا هو ولاية أريزونا، حيث عادت الحالات النشطة إلى النمو بمعدلات هائلة مرة أخرى.
(الرسم البياني 8)
السبب الأكثر منطقية وراء انتكاسة هذه الولايات هو أنَّ قادتها أعادوا فتحها قبل الأوان، وبسرعة أكبر مما ينبغي، أو كليهما. ولعلَّ الأمر أنَّ بعض حكومات الولايات قررت ببساطة أنَّ المقايضة بين مكافحة الفيروس والتعافي الاقتصادي يجب أن تميل لصالح الأخير. من الواضح أيضا أنَّ بعض الولايات والمحليات تعاملت بشكل أكثر جدية مع مسألة إنفاذ التدابير الوقائية (التباعد الاجتماعي، وأقنعة الوجه الإلزامية). واللافت للنظر أنَّ ولايات "الموجة الثالثة" هذه تفتقر إلى برامج الاختبار والتتبع الحقيقية، مما يحد من قدرتها على احتواء الفيروس ويزيد من مخاطر إعادة الفتح.
إنَّ تفسير الأزمة المتفاقمة في البلدان النامية واضح: فالعديد منها تفتقر إلى الموارد الاقتصادية، والطبية، والمالية اللازمة لاحتواء الفيروس ودعم سكانها خلال الإغلاق الممتد. لكن هذه الأسباب من غير المعقول أن تنطبق على اقتصاد متقدم مثل الولايات المتحدة.
نتيجة لهذا، يبدو أنَّ جزءاً من الولايات المتحدة سيتبع نمط الموجة الثانية، إلى جانب أوروبا، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، في حين يسلك جزء آخر مساراً مماثلاً لذلك في بلدان العالم النامي. ولكن على النقيض من البلدان النامية، سوف يظل بوسع هذه الولايات في أميركا أن تختار تغيير المسار، وربما تنجح في اللحاق بالموجة الثانية، شريطة أن تمتلك القدرة على حشد الإرادة السياسية اللازمة للقيام بذلك.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
مايكل سبنس حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد، وأستاذ الاقتصاد في كلية شتيرن لإدارة الأعمال في جامعة نيويورك، وكبير زملاء مؤسَّسة هوفر. تشن لونج مدير في أكاديمية لوهان، وكبير مسؤولي الاستراتيجية في ANT Finance سابقاً.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org
مرفق بهذا التعليق رسوم بيانية، يمكنكم تنزيلها هنا.