من الإغلاق التام إلى الانغلاق
بيتر بون وسايمون جونسون
واشنطن العاصمة – للوهلة الاولى يبدو وكأن كوفيد-19 هو عبارة عن تجربة عالمية مشتركة من حيث انتشار المرض وكيفية استجابة البلدان له، ولكن يبدو من الواضح الآن أنَّ البدان بدأت تختلف بشكل جوهري فيما يتعلق بالاستراتيجية والنتائج، وهذا يعني أنه بينما يخرج العالم من الاغلاق التام فإنه يدخل مرحلة صعبة أخرى، وهي الانغلاق الذي يحد بشكل كبير من السفر الدولي.
إن السياحة والتجارة والسفر بشكل عام لن تعود مطلقاً لوضعها الطبيعي، فالنمط الكامل لايزال غير واضح، ولكن من المرجح أن يؤدي الانغلاق إلى تباطؤ الانتعاش الاقتصادي وظهور جولة جديدة من الأزمات وخاصة في اقتصادات الجزر الصغيرة، التي تعتمد على الزوّار الدوليين الذين يأتون إليها لفترات قصيرة.
اليوم يمكن تقسيم استراتيجيات كوفيد-19 الوطنية بشكل عام إلى ثلاث فئات؛ القضاء على المرض، ومناعة القطيع، وكبح جماح فيروس كورونا المستجد وذلك حتى يتم اكتشاف لقاح أو علاج.
إن القضاء على المرض هو الخيار الأصعب من حيث القدرة على الإنجاز. تدعي نيوزيلندا أنها تمكَّنت من تحقيق ذلك كما تطمح أستراليا لعمل الشيء نفسه، ولكن فرصة هذه المقاربة لتحظى النجاح تكون أكبر في المناطق قليلة السكان والنائية نسبياً، مثل منطقة نيونافوت الشمالية في كندا التي لم تسجَّل فيها أي حالة.
على النقيض من ذلك، فإن بعض البلدان سينتهي بها المطاف –لأسباب عديدة- لوضع يصفه علماء الأوبئة بمناعة القطيع. وفي تلك الأماكن سيصاب عددٌ كافٍ من الناس ويتعافون على أمل أن يكتسبوا بعض المناعة، مما يعني أن المرض لن يعود قادراً على الانتشار مثل النار في الهشيم.
يبدو أن التكنوقراط في السويد قد اختاروا سياسة مناعة القطيع لبلدهم. إن الخطاب الرسمي الياباني يعدُّ أقل وضوحاً ولكن الإغلاق المحدود – والفشل في تقصي الحالات المخالطة في بعض الأحيان – يوحي أن مناعة القطيع ستحصل. يطلق الرئيس البرازيلي على المقاربة نفسها «العزل العمودي». يبدو أن الهند ومعظم الدول الإفريقية وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية تسير على نفس الطريق، ولو كان معدل الانتشار الأساسي للمرض، الذي يقيس درجة عدوى المرض هو 2،5، فإنَّ هذا يعني أنه من المرجح أن يصاب 60% من السكان بالمرض في تلك البلدان قبل أن يصبح لدينا مناعة القطيع. ولكن لو كان معدل الانتشار الأساسي للمرض أعلى، فإنَّ المزيد من الناس سوف يصابون بالمرض قبل أن نحصل على مناعة القطاع. وعلى أية حالٍ فإنَّ الإصابات الجديدة المفترضة قد تكون بالمليارات.
إنَّ الفئة الثالثة تتألَّف من بلدان غير قادرة على القضاء على المرض، وإن كانت تبذل جهوداً كبيرة لمنع تفشي المرض لأطول فترة ممكنة. إن هذه البلدان، التي تشمل الولايات المتحدة الأمريكية ومعظم كندا وأوروبا (باستثناء السويد)، هي في وضع صعب وعلى الرغم من أنها تمكَّنت من خفض عدد الإصابات الجديدة بسلسلة من عمليات الإغلاق العشوائية، فإن النشاطات الاقتصادية فيها تقلصت فعلياً بنسبة 10-25%. والآن تدخل تلك البلدان في مرحلة صعبة من أجل كبح جماح معدل الانتشار الأساسي للمرض.
لقد أظهرت كوريا الجنوبية والصين أنه بوجود التعاون الاجتماعي والحماسة السلطوية، فإنَّ بإمكان البلدان التعرُّف سريعاً إلى المصابين الجدد وتقصِّي جميع من خالطوهم ووضع الناس الأكثر عرضة للمرض في الحجر الصحي، حتى ينتهي خطر المرض بشكل تام. إنَّ هناك محاولات لتطبيق تلك الأساليب، ولكن مع فرصة أقل بكثير لتحقيق نجاح شامل في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول المتقدمة، وذلك بسبب تنوع طرق الوصول للرعاية الصحية والثقة المتفاوتة في السلطات والتفاوت الكبير بالدخل. سيتردد بعض السكان في الإبلاغ عن الأعراض بسبب الخوف من فقدان الدخل، أو أن يتمَّ أخذهم بعيداً عن أطفالهم، أو أن يدفعوا تكاليف رعاية صحية مرتفعة. سوف تصعد جيوب المرض ومن ثم تنخفض.
إذن كيف يؤثر ذلك في التنقل العالمي والاقتصادات الوطنية؟
لو افترضنا وجود جزيرة خيالية تدعى نيو كوكلاند، وأنَّ هذه الجزيرة تمكَّنت من القضاء على كوفيد-19 فإنَّ سكان تلك الجزيرة الآن سينظرون وهم محقّين في ذلك "للغرباء" على أنهم حصان طروادة محتمل. إن أي شخص يصل بالطائرة من المرجح أن يتم استقباله من قبل موظفين يرتدون الملابس المقاومة للمواد الخطرة، حيث سيرافقونه إلى مناطق محددة للحجر الصحي، حيث يتوجب على القادمين الجدد الانتظار هناك حتى انتهاء فترة حضانة الفيروس، ومن ثمَّ يتمُّ فحصم. إن النتيجة السلبية تعني أن بإمكانك الدخول لتلك الجزيرة، وأما النتيجة الإيجابية فهي تعني أنه يجب وضعك بالحجر الصحي لفترة أخرى تمتد لمدة 15 يوماً. ومثل تلك القيود والشكوك ستجعل السفر من وإلى جزيرة نيو كوكلاند مسألة غير جذابة بالمرة.
لو عدنا للعالم الحقيقي، لوجدنا أن جميع البلدان التي تسعى لكبح جماح معدل العدوى سوف تفرض قيوداً مماثلة على القادمين من خارج تلك البلدان، حيث سيكون الحجر الصحي والعزل الذاتي وقواعد الاختبار مرهقة وشاقة مثل نيو كوكلاند.
على النقيض من ذلك، فإنَّ البلدان التي تسعى لتحقيق مناعة القطيع لن تخاف من الزوّار الأجانب. سيكون من دواعي سرور السويديين دعوتنا بما في ذلك إلى زيارات قصيرة، لكن لو قرر السويديون دعوة أنفسهم لبلدان أخرى فإنَّ هذا لن يسر أولئك الذين يريدون القضاء على المرض وكبح جماحه، حيث سيخاف هولاء من الناس الذين يتبعون سياسة مناعة القطيع؛ لأن مناعة القطيع لا تقضي على المرض، بل إنها تعني وجود حالات أقل من ذلك المرض، وخطر أقل لتفشي الوباء ولكن فقط في الأماكن التي توجد فيها مناعة كافية.
لقد ولَّت أيام السفر القصير بين الدول أو الرحلات الطويلة لزيارة بلدان متعددة؛ فجميعنا سيخشى أن أي نتيجة إيجابية، حتى لو كانت غير صحيحة، ستؤدي بنا إلى قضاء حجر صحي لا داعي له لمدة 15 يوماً. سوف يكون تعقيم البضائع التي تأتي عن طريق الشحن صارماً كذلك، وخاصة البضائع التي تأتي لدول تتبنى سياسة القضاء على المرض مثل جزيرة نيو كوكلاند.
قد تؤدي الاختبارات التي تثبت وجود أجسام مضادة في النهاية إلى بعض التخفيف في قيود السفر، وهذا يعتمد على مقدار المناعة التي يكتسبها المصاب بالفيروس سابقاً، ولكن في غياب لقاح على مستوى العالم فإنَّ وجود قيود أشد على حركة النقل بين البشر سوف تستمر وربما لفترة طويلة.
بيتر بون، رئيس قسم التدخل الفعّال في مركز الأداء الاقتصادي التابع لكلية لندن للاقتصاد، وسايمون جونسون هو أستاذ في معهد م اي تي سلون ورئيس مشارك (مع ريتسيف ليفي) في تحالف السياسات المتعلقة بكوفيد – 19 وهو تحالف يركّز على المعلومات العملية والتوصيات العملياتية للحد من الضرر الذي يلحق بالبشر من الجائحة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org