مواجهة الفقر العالمي بالتكنولوجيا والابتكار

ستيف هولينغورث

واشنطن العاصمة– منذ تولي الإدارة الحالية رئاسة البيت الأبيض في الولايات المتحدة، غالباً ما تتحوَّل المحادثات بشأن التنمية الدولية إلى شكوى جماعية. إنه نوع من الرثاء، حتى بالنسبة للمتفائلين.

والرثاء له أبيات كثيرة. فهو يبدأ بنهج "أمريكا أولاً"، الذي أدى إلى انخفاض كبير في المساعدات الخارجية الميسَّرة. وبينما هناك تمويل مستمر للمساعدات الطارئة، وخاصة الصراعات الجيوسياسية، ومكافحة التطرف الإسلامي، فإن الدعم المخصَّص للمساعدات الذي استُخدم على مدى التاريخ للبرامج الطويلة المدى- والذي يشمل تطهير المياه، والصحة العامة، والشمول المالي والزراعة- قد تضاءل. ويُنفَّذ الدعم الميسَّر الذي لا يزال قائماً ببطء.

وفي الوقت نفسه، يخصص المانحون في الولايات المتحدة المزيد من الموارد للقضايا المحلية مثل الهجرة، والعنف المسلح؛ وسيُنفق ما يقدر بنحو 10 مليارات دولار على الإعلانات وحدها، في الحملة الرئاسية الأمريكية هذا العام. والآن، سببت جائحة كوفيد-19 ضغوطاً مالية هائلة جديدة. إذ أرهقت الاقتصادات الوطنية والأسرية، وأغلقت الحدود، وتصلبت العقليات القومية.

وهذا يدعونا إلى الجلوس على طاولة النقاش. ولكن فقط عندما مكَّنتنا التكنولوجيا المتطورة، والبيانات، وأدوات التمويل الهجينة من معالجة المشكلات الأكثر إلحاحًا في العالم- مثل الفقر العالمي، ونقص الفرص للشباب، وتغيُّر المناخ- انسحبت الولايات المتحدة.

ومنذ سقوط جدار برلين، تمَّ انتشال 1.9 مليار شخص من الفقر المدقع، ومازال 650 مليون شخص يعانون منه. ومع أدوات مثل التكنولوجيا الرقمية، والمال المتحرك، وتحليلات البيانات، فإنَّ نهاية الفقر في متناول أيدينا- على الرغم من أنها ستأخذ وقتاً أطول في أعقاب هذا الوباء.

وأدى دور الصين في التنمية إلى نقطة تحوُّل في التنمية الدولية. إذ منذ إطلاق مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، سعت الصين إلى زيادة نفوذها الجيوسياسي إلى أقصى حد، من خلال استثمارات في البنية التحتية تبلغ قيمتها نحو تريليون دولار، في أكثر من 100 دولة. وبعد أربع سنوات، أعلنت الصين عن إطلاق طريق الحرير الرقمي، في محاولة لجلب البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات إلى الدول المنخرطة في مبادرة حزام واحد طريق واحد.

إنَّ التقدم الذي حقَّقته الصين في البيانات الضخمة، والموصولية ذات النطاق العريض، والتجارة الإلكترونية، والتكامل المالي، جعل العديد من المحللين ينفضون الغبار عن نظائر الحرب الباردة، لينذروا بأنَّ الصين تتفوق على أمريكا. وما نحتاجه هو استراتيجية شمولية وصارمة مثل تلك التي اعتمدتها الولايات المتحدة عندما ترأست الطاولة العالمية.

فعندما أظهر الاتحاد السوفييتي تفوق تقنية الصواريخ البعيدة المدى التي ابتكرها، وإطلاقه للقمر الصناعي سباتنيك 1 في عام 1957، خشي الأمريكيون فجأة من أنَّ السوفييت سيقومون بتسليح الفضاء. ولكن، بدلاً من مجرَّد توسيع الإنفاق العسكري لاستعادة القوة الأمريكية الصلبة، أدرك الرئيس، دوايت أيزنهاور، الأهمية الاستراتيجية للقوة الناعمة، ووجه الاستثمار العام نحو العلوم، والتكنولوجيا، والتعليم. وكانت أمريكا في سباق نحو أشياء تتعدى النجوم والكواكب. لقد كانت في سباق نحو الوصول للقلوب والعقول، كما هي الحال اليوم.

لقد رأينا مرات عديدة، منذ ذلك الحين، ما يحدث عندما تضع الولايات المتحدة ثقلها وراء السياسات، للتغلُّب على التهديدات العالمية. ففي عام 2003، تصدت إدارة جورج دبليو بوش لفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، وذلك عن طريق خطة بوش الطارئة لإغاثة المصابين بفيروس نقص المناعة، أكبر برنامج صحي عالمي يركز على مرض واحد. وبعد أحد عشر عامًا، استجابت إدارة باراك أوباما لتفشي فيروس إيبولا في غرب إفريقيا، عن طريق نهج متعدد الأوجه، ساعد على إنهاء الأزمة في 18 شهرًا.

إنَّ نهج الإدارة الحالية للتنمية الخارجية يتمثل في المؤسسة الأمريكية لتمويل التنمية الدولية. ورغم أنَّ المؤسسة التي تقدم القروض والتأمين للمستثمرين الراغبين في ممارسة الأعمال التجارية في البلدان النامية، قد تؤدي مهمتها المحدودة، إلا أنَّ هناك حاجة إلى مبادئ توجيهية مدروسة للتخفيف من مخاطر تحوُّل الرياح، والنزوات السياسية. وحتى مع وجود هذه المبادئ، فالمؤسسة وحدها لن تقضي على الفقر في العالم. ولن تكفي استجابة واحدة- ولا حتى الأعمال الخيرية، أو البيانات، أو الرقمنة، أو الاستثمارات المؤثرة. إنَّ المطلوب هو خطة جريئة تجمع بين هذه الموارد التي لا تقدر بثمن.

لقد عاينت مؤسسة غرامين، التي ساعدت أكثر من 14 مليون شخص يعاني من الفقر منذ عام 2016، تأثير الموارد الجديدة والمعاد تصورها على الفقراء. ومكَّنت البيانات الدقيقة والحديثة شركة غرامين من فهم احتياجات الفقراء من الأدوات المالية والزراعية، بما في ذلك التكنولوجيا الرقمية، للمساعدة على انتشالهم من العوز.

إنَّ الرقمنة ستحول الحياة. إذ ستسمح إنترنت الأشياء بدفع البيانات وجذبها إلى ما يقدر بـ38.5 مليار جهاز على مستوى العالم، في عام 2020. وهذا ما مكن ممثلة مجتمع غارمين، في الهند، كومال، المزودة بهاتف نقال، من تقديم الخدمات المالية إلى عقر دار جيرانها الفقراء في الريف . وأساليب التمويل المبتكرة هي ما جعل برويكتو مياردور، وهو عميل لشركة ( تارو وركس) التابعة لشركة غرامين، يستخدم تقنية مواقد الطهي النظيفة للحد من التلوث، الذي يسببه ثلاثة مليارات شخص في جميع أنحاء العالم، بسبب الطهي على مواقد مكشوفة. ويتم تمويل جهود المؤسسة الرامية للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري جزئيًا، من خلال بيع تعويضات الكربون المسجلة وفقًا لمعيار الذهب.

وحتى الآن، فالعالم مستعد لكسر قبضة الفقر. وإذا لم تشغل الولايات المتحدة مقعدها على الطاولة، فستنزل إلى مرتبة الأطفال، ولن يُسمع صوتها، وسيتم تجاهل نوبات غضبها. وستسيطر الصين ودول أخرى ذات قيم بعيدة عن قيم الديمقراطيات الغربية، على حديث الكبار.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated by Naaima Abarouch

يشغل ستيف هولينغورث منصب الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة غرامين.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org