كيف (لا) نكافح الجائحة

بيتر سنجر، جوانا ماسل

ملبورن/توسون ــ عندما ظهر مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) لأول مرة، كانت متطلبات الحجر الصحي الصارمة وعمليات الإغلاق الـمُـحكَمة القصيرة الأمد ثمناً زهيداً نتحمَّله لإبقاء الجائحة تحت السيطرة. والآن بعد أن أصابت الجائحة أكثر من 26 مليون شخص في 213 دولة ومنطقة، بات لزاماً علينا أن نجدَ طرقاً جديدة للسيطرة عليها لا تتسم بالفاعلية وحسب، بل وأيضاً الكفاءة.

لتجنب التسبب في إحداث قدر من الآلام أكثر من اللازم، ينبغي لنا أن نستهدف أوامر البقاء في المنزل بأكبر قدر ممكن من الدقة، بحيث تكون موجهة لأولئك الذين يشكلون في الأرجح خطراً على الآخرين. وهذا لا يتطلَّب تتبع مخالطي المصابين وحسب، بل وأيضاً تمييز أي من المخالطين أصيب بالعدوى في الأرجح.

هنا، من الممكن أن تساعد التكنولوجيا. ينبغي لنا أن نجمع بين التطبيقات الجديدة التي تنبه الأشخاص عند تعرضهم لخطر الإصابة بالعدوى بالاستعانة بطرق اختبار جديدة سريعة وسهلة ومتوافرة مثل اختبارات الحمل. لا يمكن تتبُّع المخالطين بنجاح بدون توافر نتائج اختبار سريعة، لكنه من الممكن أن يعمل بشكل جيد حتى لو لم تكن الاختبارات الأكثر سرعة على ذات القدر من دقة الاختبارات المتاحة لدينا الآن. والتطبيقات قادرة على تحسين ليس فقط قابلية توسيع نطاق تتبع المخالطين، بل وأيضاً، وهو الأمر مهم، سرعته.

يوصي تتبع المخالطين سواء أدير يدوياً أو عن طريق تطبيق ما، بفرض الحجر الصحي على المخالطين القريبين لأولئك الذين تثبت إصابتهم بالعدوى. في الولايات المتحدة، تقول القواعد الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إنَّ 15 دقيقة يقضيها المرء في حدود 1.8 متراً من شخص مصاب أثناء فترة نقله للعدوى يستوجب الحجر الصحي لمدة 14 يوماً. وبموجب هذه القواعد، يمكننا أن نتوقع 59 مخالطاً قريباً في المتوسط لكل شخص مصاب. ومن المعقول أن يكون 2% من سكان الولايات المتحدة مصابين بالعدوى اليوم. بضرب هذا الرقم في 59 يتبين لنا أن أغلب سكان الولايات المتحدة الذين لا يَـلـزَمـون منازلهم يحتاجون بالفعل إلى وضعهم في الحجر الصحي.

لكن الفيروسات لا تخضع لقواعد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها المبسطة. فأنت تتعرض لقدر أقل كثيراً من الخطر بقضاء 15 دقيقة على بُـعد خمسة أقدام من شخص يقترب من نهاية الفترة المعدية مقارنة بقضاء ثماني ساعات على بُـعد سبعة أقدام من شخص في ذروة فترة نقل العدوى.

في ولاية أريزونا، تقوم شركة كوفيد واتش (Covid Watch)، وهي شركة غير ربحية تعمل كمصدر مفتوح لتطوير البرمجيات، بتجربة تطبيق جديد يسعى إلى تقدير مخاطر العدوي بدقة، بدلاً من إعادة إنتاج قواعد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها. لا يوصي التطبيق بالحجر الصحي إلا لمن هم فوق مستوى معين من الخطر، وهو يخبرهم بطريقة تتسم بالخصوصية التامة لأي مدة يتعيَّن عليهم أن يبقوا في المنزل ومتى يتوجب عليهم الخضوع للاختبار.

إنَّ الحجر الصحي لمدة 14 يوماً ليس فكرة سحرية. فإذا لم تظهر عليك أعراض المرض بعد خمسة أيام من التعرُّض للفيروس، فإنَّ هذا يعني ببساطة انخفاض مستوى خطر إصابتك إلى النصف تقريباً. كما ينخفض مستوى خطر إصابتك (ولكن ليس إلى الصِّـفر) إذا جاءت نتيجة اختبارك سلبية، لكن البلدان حيث يخضع كلُّ شخص في الحجر الصحي للاختبار تستخدم قاعدة الـ14 يوماً المتحجرة ذاتها التي تستخدمها البلدان التي لا تجري الاختبار. ولكن بدلاً من ذلك، إذا سمحنا للناس بترك الحجر الصحي عندما ينخفض مستوى خطر إصابتهم بالعدوى إلى ما دون العتبة المستخدمة لتحديد من يجب أن يدخل الحجر، يمكننا أن نحقق قدراً أعظم كثيراً من الأمان بتكلفة أقل للأفراد والاقتصاد.

قد تعتمد عتبة الحجر الصحي على مكان تواجدك. فعدد الحالات في أستراليا ونيوزيلندا قليل نسبياً وتستهدف الدولتان الوصول إلى الصِّـفر في أقرب وقت ممكن. ومن الممكن أن تفرض الدولتان عتبات أكثر صرامة، بوضع الأشخاص الذين تعرضوا للعدوى لفترة أقل من 15 دقيقة في الحجر، واشتراط نتائج اختبارات سلبية متعددة أو الحجر الصحي لفترة أطول بعد التعرض الأكثر خطورة للعدوى. في البلدان الأكثر تضرراً بالفيروس، لن تُـفضي توصيات الحجر الصحي الأكثر مما ينبغي إلى إحداث أضرار اقتصادية ونفسية مفرطة وحسب، بل وقد تؤدي أيضاً إلى تقويض الدعم الشعبي اللازم لفرض القواعد بشكل فَـعّـال.

كلما ذُكِـرَت تكنولوجيا تتبع المخالطين، أثار الناس المخاوف بشأن الخصوصية. وينبغي للتطبيقات الجديدة التي تستخدم إطار عمل Google-Apple أن تزيل هذا القلق تماماً، لأنها اخترعت طريقة لتحذيرك من التعرُّض الخطير دون أن تخرج أي معلومات حول من تقابل من هاتفك.

تتخذ مخاوفنا بشأن شركات مثل Apple هيئة مختلفة. فمن أجل جعل تخمين المستخدمين لمن عرضهم للخطر أمراً صعباً، حددت الإصدارات المتتالية من واجهة برمجة التطبيقات التي تتحكم فيها شركة Apple وشركة Google الحد الأقصى لمدة التعرض المسجلة، ثمَّ قيدت كمية المعلومات المتاحة لتقدير العدوى كمياً. وهذا من شأنه أن يقلل من قدرة التطبيق على التمييز بين المخالطين الأقل والأكثر عُـرضة للخطر.

تضع هذه الأولويات المضللة الخسارة المحتملة المحدودة للخصوصية فوق الحاجة إلى استهداف توصيات الحجر الصحي لتحقيق أقصى قدر من الخير. الحق أنَّ الأمر ينطوي على التزام أخلاقي بالحد من الأضرار الناجمة عن الحجر الصحي، فضلاً عن وقف انتشار الفيروس الذي من شأنه أن يؤدي إلى مئات الآلاف من الوفيات الإضافية وإطالة أمد الإغلاق، مع كل ما يصاحب ذلك من مصاعب يتحملها مليارات البشر، ما لم يُـكـبَـح جماحه بشكل فعّال. تصبح مثل هذه النتائج أكثر احتمالاً إذا أصبحت توصيات الحجر عشوائية وانحدر مستوى الامتثال نتيجة لذلك.

في ظل جائحة سريعة الحركة، يجب أن نكون مستعدين لتغيير القواعد بسرعة بما يتفق مع الظروف المحلية وأحدث الأدلة الوبائية، وتطوير تكنولوجيات جديدة تساعدنا على الحد من انتشار الفيروس. إنَّ خبراء الصحة العامة الذين يلتزمون بشكل صارم بقواعد عتيقة، أو يدونونها في قوانين، كما هي الحال في سويسرا، يقفون في طريق تكنولوجيات جديدة قادرة على مساعدتنا على تطوير نهج أكثر مرونة. ولكن من خلال التركيز على أولئك الأكثر عُـرضة لخطر نشر الفيروس، يصبح بوسعنا إحداث أقل قدر ممكن من الضرر واحتواء الجائحة بقدر أعظم من الفاعلية.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

بيتر سِنجر أستاذ أخلاقيات الطب الحيوي في جامعة برينستون، ومؤسِّس المنظمة الخيرية "الحياة التي يمكنك إنقاذها". من بين مؤلفاته كتاب "أخلاق عملية"، وكتاب "إعادة النظر في الحياة والموت"، وكتاب "الحياة التي يمكنك إنقاذها". جوانا ماسل أستاذ البيولوجيا التطورية في جامعة أريزونا، وهم مصممة نظام تسجيل المخاطر المستخدم في تطبيق إشعار التعرض لفيروس كورونا، "Covid Watch".

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org