كيف نحمي اللاجئين في زمن الجائحة
أجنيس إيجوي
كمبالا ــ لعلَّ التدخلات الصحية الأكثر فاعلية في المعركة ضدَّ مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19) حتى الآن كانت سلوكية: التباعد الاجتماعي، والنظافة الشخصية المحسنة، وخاصة غسل اليدين. ولكن عندما يتعلق الأمر بنحو 70 مليون نازح على مستوى العالم ــ وخاصة الملايين الذين يعيشون في مخيمات مكتظة بهم ومستوطنات غير رسمية ــ فإنَّ مثل هذه العادات تصبح في حكم المستحيل. أضف إلى هذا محدودية القدرة على الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية، والافتقار إلى المعلومات الجديرة بالثقة حول الفيروس، وتركيز كل من الحكومات على حماية مواطنيها، وكل هذا يجعل مخاطر تفشي كوفيد-19 المدمر بين السكان النازحين ترتفع بسرعة بالغة.
أطلقت منظمة اللاجئين الدولية أخيراً جرس الإنذار بشأن هذه المخاطر، وعرَضت توصيات معقولة للمساعدة على التخفيف منها، مثل الحد من الاكتظاظ وتحسين النظافة في مخيمات اللاجئين، ووقف ترحيل طالبي اللجوء، وتحسين الاتصالات. لتحقيق هذه الأهداف، تُـحسِن الحكومات صنعاً باستخلاص الدروس من أوغندا، الرائدة العالمية في حماية اللاجئين.
الواقع أنَّ أوغندا، وهي دولة غير ساحلية يبلغ عدد سكانها 43 مليون نسمة، استقبلت 1.36 مليون لاجئ، مما يجعلها ثالث أكبر دولة مستضيفة للاجئين. أغلب اللاجئين في أوغندا فروا من الصراعات في بلدان مجاورة، وخاصة في جنوب السودان وجمهورية الكونغو الديمقراطية. يُـمـنَـح طالب اللجوء من كلا البلدين ــ 985512 لاجئاً من جنوب السودان، و271967 لاجئاً من جمهورية الكونغو الديمقراطية ــ صفة اللاجئ في أوغندا بمجرد وصوله.
يخضع طالبو اللجوء من دول أخرى، بما في ذلك بوروندي (36677 لاجئا)، لمقابلات لتحديد أوضاعهم. ويعيش ما يقرب من 71 ألف لاجئ ــ من أثيوبيا، وإريتريا، ورواندا، والصومال، والسودان ــ في المنفى في أوغندا منذ ثلاثة عقود من الزمن.
على الرغم من أعداد اللاجئين الضخمة، فمن أصل 139 حالة إصابة مؤكدة بعدوى كوفيد-19 (حتى الرابع عشر من مايو/أيار 2020)، لم تحدث أي إصابة داخل مستوطنات اللاجئين. وهذه شهادة لصالح سياسة اللاجئين الإنسانية المستدامة المتطلعة إلى المستقبل التي تنتهجها أوغندا، والتي تعطي النازحين الموارد والدعم الذي يحتاجون إليه لإنشاء مساكن وكسب العيش.
يبدأ نجاح أوغندا بأطر قانونية وسياسية إيجابية واعدة. يضمن قانون اللاجئين لعام 2006 والضوابط التنظيمية الخاصة باللاجئين لعام 2010 حقوق اللاجئين الأساسية، بما في ذلك الحق في الانتقال بحرية، والحق في العمل وإنشاء عمل تجاري، والحق في التملك العقاري، والحق في الوصول إلى الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية.
يوفر إطار الاستجابة الشاملة للاجئين، الذي أطلق في عام 2017، مخططاً أولياً لدعم هذه الحقوق على مستوى العالم. ومن الاستجابة الطارئة إلى الاحتياجات المستمرة والاعتماد على الذات، يغطي إطار الاستجابة الشاملة للاجئين كل خطوة من تجربة اللاجئ من وقت النزوح حتى إيجاد حل دائم (الإدماج المحلي، أو إعادة التوطين، أو الترحيل الطوعي). وهو بهذا يتسق مع إعلان نيويورك للاجئين والمهاجرين، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2016.
يتمثَّل أحد العناصر الرئيسة في تنفيذ إطار الاستجابة الشاملة للاجئين في الإطار الاستراتيجي لتمكين اللاجئين والسكان المضيفين، الذي يركز على تشجيع القدرة على الصمود والاعتماد على الذات بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة من خلال مبادرات كسب العيش، والمؤسسات الدائمة، والاستثمار في تنمية المهارات. ولتجنب تكرار الجهود وضمان التمويل الكافي، يؤكد الإطار الاستراتيجي لتمكين اللاجئين والسكان المضيفين على التنسيق بين الأطراف الاستراتيجية الفاعلة، بما في ذلك الأمم المتحدة، والبنك الدولي، والعديد من الشركاء عبر القطاعات.
في أوغندا، أُدمِـج اللاجئون في أجندة التنمية في البلاد على المستويات كافة. تتضمن خطة التنمية الوطنية الثانية في أوغندا، والتي أطلقت في عام 2015، أجندة تحويل المستوطنات، التي تحرص على تعزيز التنمية الاجتماعية الاقتصادية في المناطق التي تستضيف اللاجئين وتوفير الأساس لسياسة عدم وضع اللاجئين في المخيمات. في حين يعيش اللاجئون في بنجلاديش واليونان وسوريا في مخيمات مكتظة عادة، والتي تُـعَـدُّ بين أكثر مناطق العالم اكتظاظاً بالسكان، يحصل اللاجئون في أوغندا على قطعة أرض للسكن والزراعة بالقرب من المجتمعات المحلية. ويعيش نحو 92% من اللاجئين في أوغندا في مستوطنات جنباً إلى جنب مع المواطنين الأوغنديين، بينما يعيش 8% منهم في مراكز حضرية.
في إطار قمة القادة بشأن اللاجئين لعام 2016، التزمت أوغندا بالحفاظ على نهجها الاستيطاني، وتوسيع نطاق وصول اللاجئين إلى التعليم، والعمل، والخدمات الاجتماعية. وقد أحرزت منذ ذلك الحين تقدماً كبيراً نحو الوفاء بوعودها.
لأنَّ أغلب اللاجئين يتركزون في 12 منطقة من مناطق أوغندا التي يبلغ عددها 121 منطقة، فقد زيدت قدرة الخدمات الإجمالية في بعض المناطق. وفي عام 2018، أطلقت وزارة التعليم خطة استجابة ــ مبادرة مدتها ثلاث سنوات لضمان القدرة المدرسية الكافية. وسرعان ما يتبع هذه المبادرة خطط الاستجابة المتكاملة للصحة والمياه والبيئة.
بفضل هذا التخطيط الطويل الأمد، كان بإمكان اللاجئين والمجتمعات المحلية على حدٍّ سواء الوصول بالفعل إلى المرافق الصحية والمياه النظيفة عندما اندلعت جائحة كوفيد-19. ونتيجة لهذا، فإنَّ أولئك الذين يعيشون في بيئات أكثر اكتظاظاً بالسكان ــ وهي بالتالي أكثر عُـرضة للخطر ــ وجدوا الأدوات التي يحتاجون إليها لاتباع توصيات الصحة العامة والنظافة منذ البداية.
تعني مراقبة الحدود أثناء الجائحة أنَّ سياسة الباب المفتوح لطالبي اللجوء التي تنتهجها أوغندا أصبحت معلقة. بعد أن أمضيت أكثر من عشر سنوات كحارسة للحدود ــ بما في ذلك على الحدود الكينية عندما اندلعت أعمال العنف بسبب الانتخابات التي جرت في البلاد في عام 2007 ــ فأنا أدرك مدى صعوبة ضمان السلامة على الحدود. ويعكس القرار الذي اتخذته الحكومة بإغلاق حدود أوغندا التزامها بحماية جميع السكان، بما في ذلك اللاجئين.
من المؤكد أنَّ إدارة شؤون اللاجئين في أوغندا لا تخلو من الجدال، بما في ذلك ادعاءات الفساد والاحتيال. لكن السلطات تتعاون مع مفوض الأمم المتحدة الأعلى لشؤون اللاجئين وبرنامج الأغذية العالمي في التحقيق في مخاوف بشأن مدى دقة وموثوقية البيانات المستخدمة في برمجة اللاجئين، وجمع الأموال، والمساعدات. في عام 2018، بدأت حكومة أوغندا في التحقُّق من اللاجئين باستخدام أنظمة المقاييس الحيوية التي أقرَّها مفوض الأمم المتحدة الأعلى لشؤون اللاجئين.
من المعتقد غالباً أنَّ السكان النازحين يمثلون معضلة، حيث تضطر الحكومات إلى الاختيار بين حماية سكانها وحماية اللاجئين وطالبي اللجوء. وقد أظهرت أوغندا أنَّ هذا اختيار زائف. فمن خلال التخطيط البعيد الأمد واتباع نهج متعدد القطاعات، تستطيع الحكومات أن تضمن التعايش بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم في سلام وازدهار وصحة.
ترجمة: إبراهيم محمد علي Translated by: Ibrahim M. Ali
أجنيس إيجوي زميلة Aspen New Voices، ونائبة المنسق الوطني في أوغندا لمنع المتاجرة بالبشر، ورئيسة الأكاديمية الأوغندية للتدريب على التعامل مع الهجرة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org