كيفية تحقيق صفر انبعاثات الغازات

هيلين ماونتفورد، وماوريسيو كارديناس

واشنطن / بوجوتا - إنَّ العلم واضح: لتجنُّب الآثار الأكثر ضررًا الناجمة عن التغيرات المناخية، يجب أن يصل العالم إلى صافي صفر من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في منتصف القرن تقريبًا. وهذا يعني خفض انبعاثات الغازات الدفيئة التي يُسبّبها الإنسان إلى أدنى مستويات ممكنة، وموازنة أي انبعاثات متبقية عن طريق إزالة كمية مكافئة من غازات الدفيئة من الغلاف الجوي بشكل دائم. وبعد ذلك، يجب أن يضمن العالم أنَّ عمليات إزالة الغازات الدفيئة تتجاوز الانبعاثات.

سيتطلب تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية تحولًا جوهريًّا في النظم العالمية للطاقة والصناعة، والنقل والبنية التحتية، فضلًا عن الزراعة والغابات واستخدام الأراضي. ستكون السنوات 10-15 القادمة حاسمة. على الرغم من أنَّ العالم يعمل على تحقيق العديد من الأهداف المناخية الطموحة طويلة الأجل، إلا أنه يفتقر إلى الاستراتيجيات اللازمة لإدخال الاستثمارات والسياسات المناسبة حيز التنفيذ.

علاوة على ذلك، يجب أن يسهم خفض الانبعاثات بصورة فعالة ومُستدامة في التنمية الاقتصادية الواسعة النطاق، بما في ذلك عن طريق حماية العمال والمجتمعات المحلية وحقوق الإنسان. لا ينبغي أن يصل العالم إلى صافي انبعاثات صفرية على حساب الفئات المستضعفة، بل بالأحرى بطريقة تضمن انتقالًا عادلًا لصالحها.

النبأ السار هو أنَّ العديد من البلدان وكبار رجال الأعمال والمستثمرين يبذلون جهودًا مُضاعفة لتحقيق هذه الأهداف. واعتبارًا من يونيو/ حزيران 2021، التزمت 31 دولة والاتحاد الأوروبي رسميًّا بتحقيق أهداف بلوغ صافية الانبعاثات الصفرية، واقترحت أكثر من 100 دولة أو تُفكر في تحقيق نفس الأهداف. وقد حددت ما يقرب من 1500 شركة كبرى أهدافًا للانبعاثات على أساس علمي. كما تعهد 160 مصرفًا ومديري الأصول ومالكي الأصول - مع حزمة مالية مُجتمعة تزيد قيمتها على 70 تريليون دولار - بتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050.

يكمن التحدي الآن في الوفاء بالتزامات صافي الانبعاثات الصفرية من خلال اتباع مسارات واضحة وأهداف فورية يمكن التحقق منها. يجب أن تتضمن الاستراتيجية الفعّالة ضمانات قوية لضمان المساءلة والشفافية، مثل تلك التي أوصت بها فرقة عمل التحالف القيادي لتسعير الكربون التابعة للبنك الدولي والمعنية بتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية - التي تُمثل الحكومات الوطنية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، والتي نشترك في رئاستها.

تؤكد فرقة العمل كيف يمكن أن يساعد تسعير الكربون في إعطاء جهود القطاعين العام والخاص مستوى الطموح اللازم للوصول إلى صافي صفر من انبعاثات غازات الدفيئة. على الرغم من أنَّ تسعير الكربون - بما في ذلك من خلال أنظمة تداول الانبعاثات (ETS)، وضرائب الكربون، وأسواق الكربون الدولية - ليس حلاً سحريًّا، إلا أنه يمكن أن يُشكل أداة قوية في دفع عجلة التحول الأخضر.

وقد حدد فريقنا العديد من العوامل التي يمكن أن تعزز الجهود الفعّالة الرامية إلى تحقيق أهداف صافي انبعاثات صفرية. العامل الأول هو التخطيط والشفافية. في الواقع، هناك حاجة إلى أهداف مُحددة بوضوح على المدى القصير والمتوسط ​​(من 5 إلى 15 سنة) لتحديد وإعطاء الأولوية للتحولات القطاعية والتكنولوجية المحددة المطلوبة، وقيادة العمل والاستثمارات الفورية. يجب على كل من الحكومات والقطاع الخاص اعتماد أهداف منفصلة للحد من الانبعاثات وإزالتها. من شأن ذلك أن يُعزّز المساءلة عن طريق تمكين تقييم كل مكون، في حين أنَّ مقياس مُختلط للتقدم قد يخفي الجهود غير الكافية لخفض الانبعاثات.

يتمثل العامل الثاني في وضع تسعير الكربون بشكل مُناسب في إطار مجموعة أدوات أوسع للتنمية الخضراء. وحتى عندما يكون اعتماد أسعار الكربون الصريحة أمرًا صعبًا، يتعين على الحكومات والشركات أن تُشجع تسعير الكربون الداخلي عند تقييم قرارات الاستثمار. تُعدُّ هذه الأداة حاسمة لدعم خيارات الاستثمار والبنية التحتية السليمة عند تنفيذ استراتيجيات صافي الانبعاثات الصفرية الشاملة والقطاعية.

ومع ذلك، لن تتمكَّن أسعار الكربون وحدها من تحقيق هذا الهدف، هناك حاجة أيضًا إلى سياسات تكميلية لخفض الانبعاثات في بعض القطاعات. وفيما يتعلق بالطاقة في المباني أو وقود السيارات، على سبيل المثال، قد تكون معايير الكفاءة أكثر فاعلية في خفض الانبعاثات في الصناعات التي لا تستجيب لإشارات أسعار الكربون، أو حيث يصعب رصد والتحكم في مصادر الانبعاثات. قد تكون الإعانات الحكومية قصيرة الأجل أو الاستثمارات  في البحث والتطوير مناسبة لدعم التحول التكنولوجي في القطاعات التي تكون فيها خيارات خفض الانبعاثات غير مُتاحة أو مُكلِفة بشكل خاص.

وبالمثل، يمكن للحكومات استخدام سياسات تكميلية للحد من أي آثار سلبية لتسعير الكربون على فئات معينة، وللمساعدة على توزيع الاستثمارات والمنافع المناخية بشكل منصف. يمكن أن تُستغل إيرادات ضرائب الكربون أو مزادات إعانات الانبعاثات الاستثمارات المناخية في المجتمعات الضعيفة والتدريب المهني أو التحويلات النقدية للتعويض عن الزيادات في أسعار الطاقة والمنتجات والخدمات.

ثالثًا، هناك حاجة إلى رفع أسعار الكربون بنسبة أكبر مما هي عليه حاليًّا، والزيادة مع مرور الوقت، من أجل دفع عملية التخفيض والإزالة المطلوبة للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية. ينطبق ذلك على استخدام تسعير الكربون الداخلي في اتخاذ القرارات، وكذلك على سعر الكربون في إطار الضرائب أو أنظمة تداول الانبعاثات في البلدان التي تستخدم هذه المخططات.

رابعًا، في عالم تسعى فيه جميع البلدان إلى تحقيق صافي صفر من انبعاثات غازات الدفيئة، يمكن أن تلعب أسواق ائتمان الكربون الدولية دورًا حاسمًا في زيادة طموح المشترين والبائعين على حد سواء. ومع ذلك، يتعين على الحكومات والشركات خفض انبعاثاتها بشكل كبير قبل الاستثمار في عمليات خفض وإزالة انبعاثات غازات الدفيئة في بلدان أخرى. ينبغي لأي استثمارات تقوم بها في ائتمانات الكربون أن تُكمل، لا أن تستبدل، جهودها الرامية إلى خفض الانبعاثات.

يمكن لأسواق الائتمان الدولية أيضًا دعم الاستثمارات في تكنولوجيات خفض وإزالة الانبعاثات التحويلية في البلدان النامية. ينبغي أن تساعد الاستثمارات الائتمانية في حماية البيئات المحلية، والحصول على تأييد المجتمعات المتضررة والمستضعفة.

لقد بدأت تظهر نماذج جديدة لأسواق الكربون الدولية التي تتضمن هذه الأهداف الأوسع نطاقًا. تتمثل إحدى هذه الأمثلة في تحالف "خفض الانبعاثات عن طريق تسريع تمويل الغابات" (LEAF). ومن خلال دعمه من قِبَل العديد من الحكومات والشركات، يُزود التحالف أسواق الكربون التقليدية بحواجز حماية إضافية من جانب العرض والطلب، بما في ذلك من أجل حماية المجتمعات المحلية.

وأخيرًا، يُعد القياس الدقيق والإبلاغ وتتبع عملية خفض وإزالة الانبعاثات أمرًا حاسمًا لضمان كلٍّ من المساءلة فيما يتعلق بالالتزامات والفوائد الحقيقية للمناخ على حد سواء. يجب أن تمنع قواعد ائتمانات عمليات خفض وإزالة الانبعاثات الممولة من خلال أسواق الكربون الدولية تجاه الالتزامات الصافية للمشترين العد المزدوج. لا يمكن أن تحسب نفس الانبعاثات ضمن التزامات المشترين والبائعين لتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية.

يُشكّل الانتعاش بعد نهاية الجائحة فرصة نادرة لتسريع العمل المناخي. إنَّ العالم قادر على إعادة البناء على نحو لا يؤدي فقط إلى تحويل الاقتصاد العالمي وتخليصه من الكربون بشكل سريع، بل وأيضًا تعزيز الرخاء والمرونة وتحقيق أكبر قدر من الإنصاف.

هيلين ماونتفورد هي نائبة الرئيس لشؤون المناخ والاقتصاد في معهد الموارد العالمية. ماوريسيو كارديناس هو وزير مالية كولومبيا الأسبق، وزميل أول في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org