كيف يمكن تطعيم كل البلدان؟

ديفيد مالباس

واشنطن، العاصمة ــ لن تنتهي جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) حقًّا قبل أن يتمكَّن الجميع من الحصول على اللقاحات، بما في ذلك الناس في أفقر البلدان. يقدم تطعيم السكان في مختلف أنحاء العالم أفضل أمل لوقف انتشار العدوى، وإنقاذ الأرواح، وحماية سبل العيش. لا يستطيع الناس تحقيق كامل إمكاناتهم ما لم يتمكَّنوا من العودة إلى الدراسة، والعمل، والسفر، والتواصل الاجتماعي وهم يعلمون علم اليقين أنهم آمنون من كوفيد-19.

وعلى هذا فإنَّ توزيع اللقاحات على نطاق أوسع يُـعَـدُّ ضرورة ملحة. تسبَّبت الجائحة في توسيع فجوات التفاوت بضرب الأكثر فقرًا وضعفًا بأكبر قدر من الشدة والقسوة. في البلدان النامية، دَفَـعَ الأطفال والنساء والفقراء والعاملون في القطاع غير الرسمي ثمنًا باهظًا للغاية بعد أن سلبتهم جائحة كوفيد-19 سبل معايشهم، وأغلقت الفصول المدرسية، ومنعت الإنفاق الاجتماعي العاجل.

من الواضح أنَّ التأخير في بدء عمليات طرح اللقاحات في البلدان النامية يعمل على تعميق التفاوت العالمي ويترك مئات الملايين من المسنين والمستضعفين عُرضة للخطر. وما زلت أحث البلدان التي تحتفظ بإمدادات كافية من اللقاحات لتطعيم مواطنيها الأكثر ضعفًا على الإفراج عن الجرعات الإضافية في أقرب وقت ممكن لصالح البلدان التي تدير برامج تسليم اللقاح.

تجاوزت بعض البلدان بوضوح مرحلة تطعيم مواطنيها الأكثر عُـرضة للخطر. لكن العديد من البلدان الأخرى لم تتلقَّ أي جرعات حتى الآن، ناهيك عن تطعيم المستضعفين فعليًّا على نطاق واسع. الواقع أنَّ العديد من البلدان الأكثر فقرًا تتمتع بقدرات تطعيم محدودة، وسوف يستغرق تحصين نسبة كبيرة من الفئات الأكثر عُـرضة للخطر بين سكانها عدة أشهر.

هذا النهج الذي يفتقر إلى أي منطق ــ استخدام إمدادات محدودة من اللقاحات لحماية السكان الأقل عُـرضة للخطر في حفنة من البلدان في حين تنتظر الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل وصول الجرعات إلى أجل غير مسمّى ــ غير مفهوم على الإطلاق. بسبب هذا النهج، سيخسر العالم المزيد من الأرواح، وسوف يكون النمو الاقتصادي العالمي أكثر تفاوتًا، وحتى البلدان حيث معدلات التطعيم مرتفعة ستكون أكثر عُـرضة لخطر الإصابة بأشكال متحورة من فيروس كورونا المستجد مقارنة بحالها لو حظيت البلدان النامية بقدرة أكبر على الوصول إلى اللقاحات. وكلما طالت المدة اللازمة لإنجاز تطعيم المستضعفين على نطاق واسع، تعاظم تهديد الفقر المدقع في عامي 2021 و2022، وهذا كفيل بدوره بإحداث أزمات صحية واجتماعية في المستقبل.

إنَّ إدارة حملة تطعيم واسعة النطاق مهمة ضخمة في أي بلد، لكن الجزء اللوجستي يشكل تحديًا خاصًّا للبلدان ذات الموارد المحدودة والأنظمة الصحية الهشة. وتُـعَـدُّ كارثة كوفيد-19 الجارية في الهند وارتفاع أعداد الإصابات والوفيات بشكل كبير في أميركا اللاتينية تَـذكِـرة كئيبة بأنَّ الجائحة لا تزال قاسية بذات القدر الذي كانت عليه في أي وقت مضى بالنسبة إلى العديد من فقراء العالم.

يجب أن تستندَ جهود التلقيح العالمية الناجحة إلى ثلاث ركائز. أولًا، يجب على البلدان التي تحتفظ بإمدادات كافية من اللقاحات أن تعمل على الفور على الإفراج عن الجرعات لصالح الفئات المستضعفة في مختلف أنحاء العالم. وقد يعني هذا دراسة الخيارات وتوجيه اللقاحات إلى بلدان أخرى، أو التوضيح للشركات المصنعة للقاحات أنها يمكنها إرسال الإمدادات بسرعة دون أن تتعرّض لمخاطر قانونية. أو قد تشتمل على الوفاء بتعهدات التمويل فعليًّا لمرفق الوصول العالمي إلى اللقاح (COVAX) الذي أنشأه المجتمع الدولي لتخصيص الجرعات بالقسط للبلدان الأكثر فقرًا.

يدير البنك الدولي بالفعل عمليات تمويل متعمدة من مجلس إدارته متاحة في 22 دولة نامية، مع توقع عمليات تمويل أخرى بالعشرات بحلول منتصف العام في إطار عملية المسار السريع التي استخدمناها لتقديم المساعدات العاجلة في موجهة جائحة كوفيد-19 في عام 2020. وهذه العمليات التي تبلغ في مجموعها 12 مليار دولار أميركي كفيلة بتسهيل نشر اللقاح بسرعة من خلال الأنظمة الصحية الوطنية وتغطية تكاليف شراء وشحن اللقاحات إذا لزم الأمر. وتُـعَـدُّ العقود الموحدة الشفّافة التي ترتب التوزيع العادل بالغة الأهمية. وإذا مرّت إمدادات اللقاحات عبر مرفق الوصول العالمي إلى اللقاح، الذي يتوخّى تحصين الـ 20% الأكثر ضعفًا بين سكان البلدان، فمن الممكن استخدام تمويل البنك الدولي للمساعدة على توزيع وشراء إمدادات إضافية لتطعيم المزيد من الناس.

ثانيًا، نحن في احتياج إلى قدر أعظم من الشفافية فيما يتصل بالعقود بين الحكومات، وشركات الأدوية، والمنظمات المشاركة في إنتاج اللقاحات وتسليمها حتى يتسنّى توجيه التمويل بشكل فَـعَّـال، وتتمكَّن البلدان من التخطيط للاستلام والنشر. وهذا أمر بالغ الأهمية أيضًا لتمكين استثمارات القطاع الخاص اللازمة لتوسيع نطاق المعروض من اللقاحات.

على هذا الأساس، يطلق البنك الدولي هذا الأسبوع بوابة إلكترونية شاملة لتوفير الوصول السهل إلى المعلومات حول مشاريعنا، بما في ذلك عمليات التمويل الخاصة بكل بلد. وسوف تشمل البوابة أيضًا تقييم الاستعدادات الخاصة بتوزيع اللقاحات الذي ساعدنا على إجرائه في أكثر من 140 دولة خلال نصف العام الفائت، والعمل بشكل وثيق مع تحالف اللقاحات جافي، والصندوق العالمي، ومنظمة الصحة العالمية، ومنظمة اليونيسيف. وبالتالي فإنَّ بوابة البنك الدولي على الإنترنت تُـعَـدُّ أيضًا دعوة لمصنعي اللقاحات والمشترين والوسطاء للسير على خطاه، ونداءً آخر موجهًا إلى أولئك الذين يتحكمون في توريد اللقاحات المعتمدة لإطلاقها في إطار برامج نشر آمنة وجيدة التمويل.

تتمثَّل الركيزة الثالثة في زيادة إنتاج اللقاحات. استثمرت مؤسَّسة التمويل الدولية، وهي ذراع القطاع الخاص في مجموعة البنك الدولي، أكثر من 800 مليون دولار في الرعاية الصحة، بما في ذلك في شركات تصنيع اللقاحات. وهي الآن تستعد لتقديم 1.2 مليار دولار أخرى من خلال منصة الصحة العالمية، وهي آلية تمويل بقيمة 4 مليارات دولار أنشئت للمساعدة على تلبية الاحتياجات الفورية من اللقاحات، والمعدات الطبية، والخدمات الصحية. وتشارك مؤسّسة التمويل الدولية بنشاط مع الحكومات والشركات في مرحلة مبكرة من تطوير مشاريع تصنيع الأدوية القابلة للتطبيق تجاريًّا، بما في ذلك لقاحات كوفيد-19.

لقد أربكت الجائحة الأنظمة الصحية في مختلف أنحاء العالم، حتى في أكثر البلدان تقدمًا. ويتعين علينا الآن أن نعمل على تقوية هذه الأنظمة، ليس فقط لتمكينها من التعامل مع جهود التطعيم، بل وأيضًا للوقاية من كوفيد-19 وعلاجه وضمان النطاق الكامل من الخدمات الصحية الأساسية.

ستكون حملة التطعيم العالمية ضد كوفيد-19 هي الأكبر في التاريخ ــ فهي غير مسبوقة في الحجم، والسرعة، والتعقيد. ويجب أن يكون هدفنا تنفيذها بسرعة وعلى نطاق واسع وبأمان قدر الإمكان؛ وأن نتعلم مما نجح وما لم ينجح؛ وأن نعمل على تعزيز التأهب والقدرة على الصمود في التصدي لأزمات المستقبل.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org