حتمية النمو الأخضر في الهند

دروبا بوركاياستا

نيودلهي- تتضمن التزامات الهند بموجب اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015، التي تهدف إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري إلى أقل من درجتين مئويتين مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي، ثلاثة أهداف قابلة للقياس. إذ بحلول عام 2030، يهدف البلد إلى تقليل كثافة انبعاثات ناتجها المحلي الإجمالي بنسبة 33-35٪، والتأكد من أنَّ مصادر الطاقة المتجددة تمثل نحو 40٪ من قدرتها المركبة على توليد الطاقة؛ وتهدف من خلال التشجير، إلى إنشاء حوض كربون إضافي من2.5  إلى3  مليارات طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.

ويعدُّ المراقبون الدوليون على غرار متعقب العمل المناخي ومنظمة شفافية المناخ الهند واحدة من دول مجموعة العشرين القليلة التي "تتوافق مع مستوى درجتين مئويتين"، والتي تسير على المسار الصحيح نحو الوفاء بما يسمى المساهمات المحددة وطنيًّا بموجب اتفاقية باريس. ولكن حتى إذا حقَّقت الهند أهداف المساهمات المحددة وطنيا الخاصة بها، واعتمدت التدابير اللازمة للمساعدة في الحفاظ على الاحترار العالمي عند1.5  درجة مئوية، فالاتجاهات الحالية تشير إلى احتمال أن تكون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في عام2030  أعلى بنحو 90٪ مما كانت عليه في عام .2015

لذلك، ينبغي للهند أن تقوم بعملية إزالة الكربون بوتيرة أكبر وأسرع. ولكنها تحتاج أيضًا إلى الاستثمار في التصنيع والبنية التحتية لتحسين قدرتها التنافسية، وخلق وظائف كافية لانتشال ثلث سكانها البالغ عددهم1.3  مليار نسمة من الفقر، وزيادة فرصها في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة. إنَّ تحقيق هذه الأهداف دون زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى مستوى كبير، سيتطلب من الهند اتباع استراتيجية نمو أخضر مختلفة اختلافًا جذريًّا.

ولن يكون هذا بالأمر السهل. صحيح أنه مع مصادر الطاقة المتجددة التي تمثل حاليًّا140 جيغاوات، أو37٪ من قدرة الطاقة المركبة في الهند التي تشكل380  جيغاوات، تبدو البلاد مستعدة لتحقيق هدف 40٪ بحلول عام.2030  إلا أنه فقط 15.5٪ من الكهرباء المستهلكة في الهند نظيفة، بينما يُستخرج الباقي من الوقود الأحفوري. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أنَّ الإضافات الكبيرة لقدرة الطاقة المتجددة لا تُترجم إلى انبعاثات أقل لثاني أكسيد الكربون بطريقة خطية. والأحرى، تعتمد الفعالية على استخدام السعة للمصادر المتجددة، وقدرة الشبكة على امتصاص الطاقة المتغيرة، ومرونة أنظمة الطاقة فيما يتعلق بالتكثيف أثناء فترات الاستخدام القصوى.

وفضلًا عن ذلك، رغم أَّن الهند هي ثالث أكبر مصدر لغازات الدفيئة، فإنَّ نصيب الفرد فيها من استهلاك الكهرباء هو من بين أدنى المعدلات في العالم، حيث يبلغ نحو ثلث المتوسط العالمي. ولكن لا بدَّ أن يزداد استهلاك الكهرباء في البلاد مع استمرار نمو اقتصادها.

إنَّ قطاع الطاقة وحده مسؤول عن 78٪ من انبعاثات غازات الدفيئة في الهند، بينما الصناعة مسؤولة عن 7٪، وينبعث من الزراعة واستخدام الأراضي 10٪ من تلك الغازات. وفي قطاع الطاقة، تعدُّ الصناعة أكبر مستهلك للكهرباء، حيث تستخدم 42٪ من إنتاج الهند. ونظرًا لارتفاع استهلاك الموارد المنخفضة للفرد الواحد في البلاد ليصل إلى المتوسط العالمي، ومع توقع زيادة الطلب على السلع كثيفة الكربون مثل الفولاذ، والأسمنت، والمواد الكيميائية، هناك احتمال أنَّ يتضاعف استهلاك الكهرباء ثلاث مرات على الأقل بين عامي2014  و.2030

وسيستلزم التحوُّل الهيكلي للاقتصاد الهندي تحولًا في حصة الناتج المحلي الإجمالي في مجالات تشمل الزراعة، والصناعة، والخدمات؛ وينبغي أن يكون هذا التحوُّل مصحوبًا بتقليص معدل الافتقار إلى الطاقة، وتحسين الوصول إلى الكهرباء التي يمكن أن يعول عليها .وسيكون هذا هو مسار التنمية المطلوب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لكنه سيؤدي إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الهند.

إذاً، كيف وإلى أي مدى يمكن للهند إزالة الكربون؟ إنَّ الحل يكمن في استخدام التكنولوجيا النظيفة على نطاق واسع، وتقليص تكلفة التمويل، وتسعير تكاليف التخفيف من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ودفعها.

ولتعزيز كل من إزالة الكربون والتنمية الاقتصادية من خلال استراتيجية الاستثمار والنمو الأخضر، ينبغي لصانعي السياسات النظر في اعتماد نهج متسلسل .ويمكنهم البدء بالاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة على نطاق واسع قبل كهربة النقل، ثمَّ توسيع الطاقة الخضراء الموزعة ودمجها للحصول على كهرباء أنظف.

والخطوة التالية هي خلق سبل عيش ريفية غير زراعية إضافية في التصنيع الزراعي (مثل الجرش، والطحن، والسحق، والتعبئة)، والتخزين، والإيداع .وبعد ذلك، يجب أن يهدف صانعو السياسات إلى زيادة كفاءة الطاقة في التدفئة، والتبريد، والإضاءة، والمحركات الكهربائية. وستحتاج الهند أيضًا إلى اعتماد تقنيات نظيفة مثل التقاط الكربون وتخزينه، وستحتاج إلى الهيدروجين كوقود وعامل اختزال للصلب، وتصنيع الأسمنت الأخضر. ويجب أن توسع نطاق أحواض الكربون القائمة على الغابات.

إنَّ تسريع عملية إزالة الكربون بما يتماشى مع المساهمات المحددة وطنيًّا في الهند يستدعي استثمارات ضخمة يبلغ مجموعها نحو2.5  تريليون دولار بحلول عام.2030  وفضلًا عن ذلك، تتطلب معظم تقنيات التخفيف من الانبعاثات استثمارات رأسمالية كبيرة أولية مقارنة بتكاليف التشغيل اللاحقة، وهذا هو السبب في كون تكلفة التمويل المرتفعة نسبيًّا في الهند عامل مهم. كما أنَّ تصورات المخاطر المتزايدة للبلد- بما في ذلك المخاطر المالية المتعلقة بالمناخ- تُصعب عملية تقليص تكاليف الاقتراض المتعلقة بالاستثمارات المناخية .لذلك، قد لا توفر الاستثمارات الخضراء واسعة النطاق في الهند عائدات مناسبة معدلة حسب المخاطر.

وهذا يعني أنَّ الهند تتطلب تدخلات من الحكومة والمؤسسات الحكومية الدولية لتمكين التمويل من التدفق نحو الاستثمارات في مجال إزالة الكربون. ويمكن أن تشمل هذه التدابير إنشاء آليات مجمعة أو محددة لتخفيف المخاطر من أجل "إزالة المخاطر" المالية، وتحويل الاستثمارات من البنوك إلى الأسواق المالية، وتقليل الاعتماد على التصنيفات الائتمانية للإقراض والاستثمار، وقياس الكربون الذي قُلص بصورة تدريجية بما يتجاوز أهداف المساهمات المحددة وطنيًّا، إضافة إلى تسجيله وتسعيره؛ والتعويض عن المخاطر الإضافية المتصورة التي تتحملها البنوك والمؤسسات الاستثمارية.

إنَّ المخاطر كبيرة بالفعل. فالخط الساحلي الطويل، والرياح الموسمية المتباينة تباينًا كبيرًا، والاعتماد الكبير على الزراعة، كلها عوامل تجعل الهند معرضة بشدة لتأثيرات تغير المناخ. ويتضح هذا من خلال تزايد تواتر الأعاصير، والجفاف، ودرجات الحرارة غير المنتظمة في جميع أنحاء البلاد.

لذلك تتطلب الهند استثمارات للتكيف مع المناخ من شأنها الحفاظ على النظم البيئية وتقليل تآكل السواحل، مع حماية سبل العيش. ونظرًا لأنَّ القطاع الخاص عادةً ما يرى أنَّ استثمارات التكيف الأساسية غير مجدية اقتصاديًّا، ينبغي للقطاع العام أن يتولى القيادة من خلال القيام باستثمارات مناسبة، وتطوير نماذج أعمال الشراكة بين القطاعين العام والخاص لجذب المستثمرين من القطاع الخاص.

لذا، يجب أن يعتبر صانعو السياسة في الهند تحقيق الأهداف المناخية الوطنية بموجب اتفاقية باريس مجرد خطوة أولى. ويتمثل التحدي الأكبر في تعزيز النمو الأخضر المستدام الذي يوفر مستقبلًا أفضل لشعب الهند، ويساعد في الوقت نفسه على حماية الكوكب.

ترجمة: نعيمة أبروش   Translated By Naaima Abarouch

دروبا بوركاياستا هو مدير الهند في مبادرة سياسة المناخ، ومدير مشروع تمويل الطاقة النظيفة في الولايات المتحدة والهند.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org