هل حان وقت قيادة الصين للعالم؟

كيو جين

بكين - عندما استُقبِل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المدينة المُحرمة في بكين في عام 2017، أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى رمز "السلام" في أسماء القاعات الثلاث الرئيسة للمجمع الكبير، مؤكداً المبدأ الكونفوشيوسي "السلام أهم من أي شيء آخر".

يتعين على العالم اليوم الالتزام بهذه الفكرة أكثر من أي وقت مضى، لكنَّ قوتيه الرائدتين على خلاف في أسوأ وقت ممكن. تنتشر المشاعر المعادية للصينيين في المجتمع الأمريكي، والقول الشائع في الصين هذه الأيام هو أنك إذا لم تكن غاضبًا من أمريكا، فأنت لست وطنيًّا.

أصبحت التوترات الصينية الأمريكية مرتفعة للغاية، ويبدو أنَّ هجوم كائنات فضائية على الأرض فقط يمكنه التخفيف من حدتها. من هذا المنظور، ربما يجب أن نعدَّ جائحة كوفيد 19 هو الهجوم الذي نحتاجه. بدلاً من الاستمرار في المشاركة في لعبة إلقاء اللوم وتوجيه أصابع الاتهام، والتي لا تحقق أي نتائج، يجب أن تتعاون الصين والولايات المتحدة لإيجاد لقاح أو علاج لهذا المرض.

تُقدم أزمة وباء كوفيد 19 للبلدين مساراً مُحتملاً بدءاً من تبادل الاتهامات إلى المصالحة. على وجه الخصوص، يمنح الوباء الصين فرصة نادرة لمعالجة معضلاتها الاستراتيجية كقوة صاعدة، وقبل كل شيء صراعها لكسب ثقة الولايات المتحدة والقوى القيادية الأخرى. من خلال الأفعال بدلاً من الأقوال، يمكن لقادة الصين إعادة بناء الصورة الدولية للبلاد على أساس ضرورة أخلاقية بدلاً من المصالح الجيوسياسية.

لقد أصبح العالم فجأة غارقاً في العديد من الأزمات، صحية واقتصادية ومالية. ونتيجة لذلك، تواجه العديد من الاقتصادات احتمال حدوث ركود اقتصادي بحجم الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن العشرين، بدلاً من الركود العظيم لعام 2009.

يتمثل أحد الدروس الأساسية المستفادة من الكساد العظيم في أن حكومات الدول الغنية أثارت الحمائية العالمية من خلال إجراءات مثل قانون التعريفة الجمركية الأمريكية المعروف باسم تعريفة سموث-هاولي، وقانون الاستيراد غير الطبيعي في بريطانيا، مما أدى إلى التباطؤ الحاد في حركة التجارة ورأس المال. في الواقع، تُعد سياسات "كل بلد مسؤول عن نفسه" السبب الرئيس وراء أي أزمة اقتصادية عالمية.

كانت الأزمات العالمية الكبرى في السنوات العشرين الماضية فرصة للصين لتقوية علاقاتها الدبلوماسية.

وقد وصف الرئيسان الأمريكيان جورج دبليو بوش، وباراك أوباما الصين بأنها المنافس الرئيس للولايات المتحدة. لكن في كل أزمة، تمكنت الصين من تغيير الوضع - أولاً من خلال التعاون في برامج مكافحة الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على الولايات المتحدة، ثم عن طريق المساعدة على تحفيز الطلب العالمي وتهدئة الأسواق المالية في أعقاب الأزمة المالية العالمية لعام 2008.

وبالمثل، خلال أزمة الديون في منطقة اليورو، عزَّزت الصين علاقاتها مع أوروبا من خلال شراء السندات اليونانية والبرتغالية والإسبانية. كما عزَّزت الواردات من أوروبا وزادت حجم الاستثمارات بها.

من خلال المساعدة في قيادة الاستجابة العالمية لأزمة وباء كوفيد 19، يمكن للصين تحويل موقفها الدفاعي والتفاعلي تجاه الولايات المتحدة إلى موقف أكثر انفتاحًا واستباقية. لحسن الحظ، يُدرك قادة الصين كلاً من التحدي والفرصة التي سنحت لهم.

بداية، فإنَّ الولايات المتحدة لديها قدرة محدودة لإنتاج الماسحات، وأجهزة التنفس الصناعي، والكمامات، ومعدات الحماية التي تحتاجها مستشفياتها. لذلك، يتعين على الصين المساعدة من خلال إرسال الإمدادات والمعدات، وتبادل بياناتها وتجاربها السريرية فيما يتعلق بفيروس كوفيد 19. إضافة إلى ذلك، يجب على الصين ضمان استمرار تشغيل سلاسل التوريد الطبية ومنع أي محاولة لقطع الصادرات من المدخلات الأساسية مثل الأدوية والفيتامينات إلى الولايات المتحدة، كما اقترح بعض الصينيين.

ثانيًا، يمكن أن تصير الصين مرتكزًا للطلب العالمي ومصدرًا للإمدادات الضرورية، حيث استأنفت الشركات الصينية العمل من جديد بينما تستعد البلاد للخروج من وضع الإغلاق. من خلال الحفاظ على سلاسل التوريد العالمية والمساعدة في الحفاظ على تدفق البضائع حيثما أمكن، تستطيع الصين دحض سيناريو "الانفصال" الذي بدأ يترسَّخ بشكل متزايد.

هذه الجهود مهمة بشكل خاص في وقت يهدد فيه وباء كوفيد 19 بإتمام المرحلة الأولى من الصفقة التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. على الرغم من تعهد الصين كجزء من الاتفاقية بشراء خدمات أمريكية بقيمة 12.8 مليار دولار في عام 2020، كانت السياحة السبب الرئيس وراء هذه الخطوة.

علاوة على ذلك، لن يتم تلبية الطلب على سلع معينة من الصين، كما لن يتم إنتاج بعض السلع الأخرى في أمريكا، مما يؤدي إلى عجز كبير. وبالتالي، فإنَّ الوباء يمنح كلا البلدين عذرًا مناسبًا لتأجيل زيادة التعريفات الجمركية الإضافية وإعطاء بعضهما البعض فرصة لالتقاط الأنفاس.

ثالثاً، يتعين على الصين تقديم الدعم المالية للدول النامية، التي عادة ما يتم التخلي عنها خلال فترات الركود الاقتصادي العالمي. يفتقر صندوق النقد الدولي إلى الموارد اللازمة ليكون مقرضًا رئيسًا أو مزودًا للسيولة، في حين تقدم البنوك المركزية الرائدة في العالم تسهيلات مقايضة لبعضها البعض. كان بنك الشعب الصيني من قدم حزمة الإنقاذ وتحمّل مخاطر الائتمان لمساعدة البرتغال والأرجنتين ومصر خلال أزماتها المالية السابقة.

وأخيرًا، بينما ينتهز قادة الصين هذه الفرصة لإحياء العلاقات مع الولايات المتحدة، تقوم الجهات الفاعلة الخاصة في كلا البلدين أيضًا بالعمل معًا. تتعاون الشركات الطبية الأمريكية والصينية لإنتاج وتوزيع مجموعات اختبار فيروس كورونا. وسيتعاون علماء جامعة هارفارد مع باحثين صينيين - بمن فيهم زونغ نانشان، عالم الأوبئة الشهير الذي تمكَّن من تحديد فيروس السارس لأول مرة - في برنامج أبحاث حول فيروس كورونا مدته خمس سنوات بقيمة 115 مليون دولار بتمويل من شركة عقارات صينية.

إنَّ الدرس الوحيد الذي يجب أن تشاركه الصين مع العالم هو أنَّ السرعة والشفافية والدقة والموثوقية العلمية هي ذات أهمية قصوى عند التواصل حول أزمة فيروس كوفيد 19. إنَّ الوباء ليس الوقت المناسب للترويج لتفوق نظام أو نهج حكومي في أي دولة، ناهيك عن التنافس على الهيمنة العالمية. على الصين أن تكسب الثقة من خلال مساعدة الولايات المتحدة والدول الأخرى، ليس بدافع المصلحة الاستراتيجية، بل على أسس أخلاقية.

كيو جين هي أستاذة علوم الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد، وقائدة عالمية شابة للمنتدى الاقتصادي العالمي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org