Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

أجندة جو بايدن الداعمة للسوق

كاثرينا بِـستور

نيويورك ــ من منظور أنصار السوق الحرة، تمثل الحكومة دومًا الرجل الشرير. في خطاب تنصيبه لولايته الأولى، أعرب الرئيس الأميركي رونالد ريجان عن ذلك بجملة لا تُـنسى: "في هذه الأزمة الحالية، الحكومة ليست الحل لمشكلتنا؛ الحكومة هي المشكلة".

منذ ثمانينيات القرن العشرين، كانت الأسواق تُـقَـدَّمَ في صورة مثالية على أنها الطريقة الوحيدة لتحقيق التخصيص الأمثل للموارد. فالاقتصاد السليم يسترشد بروح ريادة الأعمال، وليس السياسة، لأنَّ آلية الأسعار تنقل على نحو جدير بالثقة المعلومات حول قيمة السلع والخدمات. فيزايد المشترون، ويبيع البائعون لمن يدفع أعلى سعر، وكل الأطراف تُـعَـدُّ من صنّاع القرار المطلعين. ويتم التوصل إلى سعر التوازن دائمًا، مما يضمن نتيجة فَـعّـالة. إنه عالَـم مثالي.

بيد أنَّ العالم الحقيقي ليس مثاليًّا. إذ يضطر المشاركون في السوق إلى تحمُّل تكاليف المعاملات والمعلومات. ولا مفرَّ من مواجهة العوامل الخارجية السلبية وإخفاقات السوق. وحتى أشد الدعاة حماسا لسياسة عدم التدخل يتفقون على أنَّ بعض التدخل الحكومي مطلوب في بعض الأحيان، وإن كان لا ينبغي للدولة أن تفعل أي شيء من شأنه أن يشوه نتائج السوق.

لكن ماذا لو كان التشوه الأعظم يأتي من المشاركين في السوق أنفسهم؟ بالنظر إلى أنَّ الأزمات المالية والصحية والمناخية المتداخلة اليوم تختلف اختلافًا جوهريًّا عن "الأزمة الحالية" التي كانت في ذهن ريجان، ينبغي لنا أن نضع في اعتبارنا ما إذا كانت السوق هي المشكلة الآن.

يبدو أنَّ هذا هو ظن الحكومة الأميركية الحالية. كان الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس جو بايدين في التاسع من يوليو/تموز 2021 بشأن "تعزيز المنافسة في الاقتصاد الأميركي" أشبه بحملة خاصة ضد تشوهات السوق وأشكال الغش فيها. وتطول القائمة، لكن بين العناصر التي جرى تحديدها بالاسم كبار اللاعبين في قطاعات الزراعة، والصحة، والتمويل، وصناعة الأدوية، والتكنولوجيا، والنقل.

كان الأمر التنفيذي مجرد دُفعة أولى افتتاحية من الطلقات ضد العديد من المشكلات التي تبتلي الاقتصاد الأميركي. وتشمل هذه المشكلات التوطيد المفرط داخل صناعات أساسية، والافتقار إلى شفافية السوق، والتسعير غير العادل والتمييزي والمخادع، والحواجز التي تحول دون الدخول إلى السوق والتي تقيمها الشركات المهيمنة، وممارسات التوزيع المعادية للمنافسة. وبين الضحايا، مستخدمو الإنترنت العاديون، ومستخدمو وسائط التواصل الاجتماعي ومنصات بيع التجزئة، وعملاء شركات الطيران، وروّاد الأعمال الجدد، ومجموعة من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، بما في ذلك مصانع الجعة المستقلة والمزارعين المستقلين.

كل هذه المجموعات يُـحتـال عليها من قِـبَـل الشركات التي تشوه السوق لصالحها. في هذه البيئة الجديدة، تصبح عبارة "الحذر واجب من قِـبَـل المشتري" مجرد قول مأثور أجوف. ذات يوم، كان بوسع المزارع أن يفحص البقرة قبل شرائها. وإذا لم ينتبه إلى أنَّ الحيوان يعرج، فإنَّ هذه تصبح مشكلته الشخصية. لكن هذا النوع من التبادل البسيط بين متكافئين نسبيًّا حل محله ترتيب غير متكافئ إلى حد كبير حيث يجري تأليب عملاء مجهولي الهوية ضد الشركات الضخمة في علاقة غير متكافئة لا تسمح بالمساومة أو التفاوض.

ما يزيد الطين بلة أنَّ الشركات الضخمة نجحت في توطيد مراكزها المهيمنة من خلال مجموعة من الممارسات الخداعية مثل الإعلانات المضللة، والرسوم الإضافية، وغير ذلك من استراتيجيات التسعير التي تعيق المقارنة بين المنتجات، والتدابير التي تستهدف إحباط محاولات العملاء لاسترداد الرسوم المفروضة على الخدمات التي كان أداؤها رديئًا.

في القطاع المالي، كانت أمور مثل الاحتيال والخداع والتضليل تُـعالَـج لفترة طويلة من خلال الرقابة التنظيمية. كان لزامًا على الشركات الراغبة في إصدار أسهم أو سندات في البورصات الرسمية أن تفصح عن المعلومات التي يحتاج إليها المستثمرون، وكان الامتثال خاضعًا لمراقبة نشطة ويُـفـرَض بقوة.

من المؤكَّد أنَّ هذا النظام بعيد عن الكمال. في العقود الأخيرة، كانت الهيئات التنظيمية تفتقر إلى الموارد الكافية، وكان هناك توسع في العروض من الأوراق المالية الخاصة. مع ذلك، تظل حقيقة أوسع قائمة: لا تعمل الأسواق كما ينبغي لها إلا عندما يلعب الجميع طبقًا لذات القواعد.

سوف تخضع الشركات دومًا لإغراء الاستهزاء بالقواعد من أجل الفوز بميزة. لكن في بعض القطاعات اليوم، ذهب تآكل مبدأ السوق إلى ما هو أبعد من خداع المستهلكين أو اللعب غير النزيه ضد المنافسين المحتملين. على سبيل المثال، تُـعَـدُّ شركات الأدوية من المستفيدين الرئيسين من الاحتكارات المجازة قانونيًّا. فهي تستفيد بشكل روتيني من براءات الاختراع لمنتجات مبتكرة مستمدة من بحوث أساسية تمولها الحكومة، وتحاول على نحو منتظم تجديد براءات الاختراع من خلال إدخال تعديل بسيط على المركب الأصلي.

لكن من الواضح أنَّ حتى إعانات الدعم القانونية هذه لم تكن كافية للصناعة. فقد انخرطت شركات الأدوية الكبرى في المزيد من البحث عن الريع من خلال رفع أسعار الأدوية الموصوفة ومنع إنتاج أو نشر الأدوية غير المحددة الملكية والمماثلة بيولوجيا ــ حتى أثناء الجائحة.

أمّا عن شركات التكنولوجيا الكبرى، فقد أصبح التحكم في العملاء، والاستحواذ على المنافسين المحتملين بشكل استباقي، من الممارسات المقبولة. تصور المنصات المهيمنة أنفسها على أنها مناصرة للمستهلك، في حين تحرم المستهلكين في حقيقة الأمر من أي اختيار حقيقي. على سبيل المثال، لا تستخلص شركة أمازون رسومًا ضخمة فحسب من تجار التجزئة الذي ليس لديهم مكان آخر يلوذون به؛ بل وتنافسهم أيضًا بشكل مباشر.

على نحو مماثل، دفعت شركات وسائط التواصل الاجتماعي العديد من المنافذ الإخبارية الأخرى إلى الإفلاس من خلال السماح بعرض محتواها دون تعويض. وعندما أقرت أستراليا قانونًا يُـلزِم المنصات الرقمية بتعويض الشركات الإعلامية، حجبت شركة فيسبوك مؤقتًا الروابط الإخبارية الأسترالية على منصتها وهددت بمغادرة البلاد بالكامل. (لم تصدر الشركة مسكتها الخانقة الافتراضية إلا بعد التوصُّل إلى اتفاق مع شركة نيوز كورب التي يملكها روبرت مردوخ، في حين ظلَّت المنافذ الإخبارية الأصغر حجمًا بعيدة عن طاولة المفاوضات).

لكن الجائزة الكبرى لتشويه السوق تذهب إلى أرباب الأعمال. في مختلف المجالات، استخدمت الشركات الكبرى كل حيلة في الكتاب للسيطرة على العمال بدلًا من التنافس من أجلهم. وبعد عقود من تقويض النقابات ونقل الوظائف إلى الخارج لقمع الأجور، لجأ أرباب الأعمال على نحو متزايد إلى إقحام فقرات غير تنافسية لربط الموظفين على جميع المستويات بالشركة.

تنطبق هذه الترتيبات الآن على 28% إلى 48% من كل الموظفين في الولايات المتحدة ــ الجميع من عمّال المطاعم إلى الموظفين من ذوي المستوى الرفيع الذين ابتكروا وساهموا بقيمة كبيرة في تعظيم صافي أرباح أصحاب العمل (بينما يُـنـكَـر عليهم أي مطالبة بالملكية الفكرية التي ساعدوا على خلقها). وأولئك الذين يحاولون الرحيل مهددون بملاحقتهم قضائيًّا، ولطالما انحازت المحاكم في الولايات المتحدة إلى جانب أصحاب الأعمال، الذين ظلوا يتمتعون بحرية فصل الموظفين متى شاؤوا.

كل هذه الترتيبات غير المتكافئة تُـعَـدُّ أقرب إلى التسلسل الهرمي، وليس الأسواق الحرة التي تخصص الموارد بكفاءة، بما في ذلك رأس المال البشري. والآن بعد أن صبت إدارة بايدن جُلَّ اهتمامها على هذه الممارسات الإقطاعية الجديدة، يجب أن يهتف أنصار السوق الحرة بأعلى صوت.

ترجمة: إبراهيم محمد علي            Translated by: Ibrahim M. Ali

كاثرينا بِـستور أستاذ القانون المقارن في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا، وهي مؤلفة كتاب "قانون رأس المال: كيف يخلق القانون الثروة والتفاوت".

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org