Dubai Digital Authority - هيئة دبي الرقمية

Contrast

Use toggle below to switch the contrast

Contrast

Read Speaker

Listen to the content of the page by clicking play on Listen

screen reader button

Text Size

Use the buttons below to increase or decrease the text size

A-
A
A+

ضرورة الإبقاء على التزامات المناخ طوعية

كمال درويش

واشنطن، العاصمة ــ مع وصول لقاحات فَـعّـالة وقادرة في الأرجح على وضع جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) الكارثية تحت السيطرة في قسم كبير من العالم بحلول صيف عام 2021، ستعود مكافحة تغير المناخ مرة أخرى لتحتل مكانتها الواجبة باعتبارها التحدي الأعظم الذي يهدد وجود الجنس البشري. ومن الواضح أنَّ الاستعانة بالنهج الصحيح ستشكِّل أهمية بالغة في هذا الصدد.

قبل خمس سنوات، وَقَّـعَـت 196 دولة على اتفاق باريس للمناخ بهدف الحد من ظاهرة الانحباس الحراري الكوكبي بحيث لا تتجاوز الزيادة في درجات الحرارة درجتين مئويتين نسبة إلى مستويات ما قبل الصناعة. كان الاتفاق، الذي صَـدَّقَـت عليه 189 دولة، أول اتفاق عالمي من نوعه ويشكل علامة فارقة في مجال التعاون الدولي. وعلى الرغم من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في عهد الرئيس دونالد ترمب، فقد تعهد الرئيس المنتخب جو بايدن بالعودة إلى الانضمام إليه بمجرد توليه منصبه في يناير/كانون الثاني 2021.

لم يكن نجاح اتفاق باريس نابعاً من الإدراك المتزايد لمخاطر الانحباس الحراري الكوكبي وحسب، بل وأيضاً من الطابع الطوعي للأهداف التي تعهد الموقعون على الاتفاق بتلبيتها. ولم ينص الاتفاق على عقوبات لعدم الامتثال.

يستعد العالم الآن للتحضير لدورة المتابعة الشديدة الأهمية لِـقِـمة المناخ، COP26، المقرر انعقادها في جلاسجو في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2021. يحذرنا العلماء من أنَّ العالم لم يعد أمامه سوى نحو عشر سنوات فقط لتبني التحوُّل الأخضر الذي من شأنه أن يعمل على تمكينه من تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050، فيمنع بالتالي التغير المناخي الكارثي. علاوة على ذلك، يؤكد العلماء أنَّ وضع حد للانحباس الحراري الكوكبي لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية يُـعَـدُّ هدفاً أكثر أماناً من توخي حد "أقل كثيراً" من درجتين مئويتين.

منذ قمة باريس، دعا كثيرون إلى فرض عقوبات على سياسات المناخ غير الطموحة بالقدر الكافي كعلاج لمشكلة "ركاب المجان". كما شهدنا دعوات تطالب باتخاذ تدابير لمنع "تسرب الكربون"، والذي يحدث عندما يتحول الإنتاج الكثيف الاستخدام للكربون من البلدان التي تفرض سياسات التخفيف الصارمة إلى تلك التي تفرض تدابير أضعف كثيراً، فيظل إجمالي الانبعاثات من ثاني أكسيد الكربون بهذا على حاله دون تغيير.

يفضل كثيرون إنشاء "ناد مناخي" للبلدان التي تتشارك أهدافاً طموحة مماثلة للحد من الانبعاثات وفرض العقوبات على غير الأعضاء. كان أحد الاقتراحات المبكرة والمؤثرة مقدماً من قِـبَـل رجل الاقتصاد الحائز جائزة نوبل في علوم الاقتصاد ويليام نوردهاوس، الذي دعا إلى فرض تعريفة موحدة بنسبة 3% على كل الواردات ــ سواء كانت كثيفة الاستخدام للكربون أو لم تكن ــ القادمة من البلدان من خارج النادي. وبهذا تكون الرغبة في تجنب العقوبة حافزاً للانضمام إلى النادي.

لكن اقتراح نوردهاوس، على الرغم من بساطته، ينتهك فقرة الدولة الأولى بالرعاية في إطار منظمة التجارة العالمية. منذ ذلك الحين، دَفَـع آخرون بمخططات عديدة تقضي بفرض ضرائب التعديل الحدية الأكثر توافقاً مع مبادئ منظمة التجارة العالمية، والتي تهدف إلى معادلة "السعر" المحلي للكربون مع السعر المتضمن في الواردات.

الواقع أنَّ الاتحاد الأوروبي يخطط لإدخال مثل هذا الإجراء كجزء من أجندة مناخية طموحة. كما تحدث بادين عن تعهد مماثل، وإن كان أقل تحديداً، ضمن برنامجه الانتخابي ــ وإن كان من الواجب على الولايات المتحدة أن تفرض أولاً ضريبة كربون محلية، أو تزيد وتحدد على نحو أو آخر كميًّا سعر كربون "الظل" المنصوص عليه في ضوابطها التنظيمية ومعاييرها على النحو الذي تقبل به الدول الأخرى (ومنظمة التجارة العالمية).

بالمثل، وجه جونترام ب. وولف، مدير مركز الأبحاث بروجل الذي يتخذ من بروكسل مقراً له، الدعوة أخيراً إلى الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وربما الصين، لتشكيل "ناد مناخي" مع إجراء خارجي مشترك لتعديل الكربون لتوفير تكافؤ الفرض للمنتجين داخل وخارج النادي.

ولكن إلى جانب المشكلة المتمثلة في صعوبة قياس الكربون نتيجة لسلاسل القيمة المعقدة عبر الحدود، يتعيَّن علينا أن نضع في الاعتبار العديد من سمات مشكلة المناخ المهمة عند النظر في مثل هذه الاقتراحات.

صحيح أنَّ التخفيف من حدة تغير المناخ يُـعَـدُّ منفعة عامة عالمية "كلية" والتي يعادل توفيرها مجموع الجهود التي تبذلها البلدان فرادى. ولأنَّ السياسات التي تلاحقها قِـلة من البلدان التي تطلق كميات صغيرة من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي لا تشكل أهمية حقيقية على المستوى العالمي، فقد يبدو إبرام اتفاق ملزم للبلدان والكيانات الرئيسة المصدرة للانبعاثات كافياً لتوجيه العالم نحو صافي الانبعاثات صِـفر بحلول منتصف القرن.

لكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين مسؤولة في المجموع عن نحو نصف الانبعاثات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي. وهي حصة كبيرة، لكنها ليست ضخمة بالقدر الكافي لحل مشكلة الانحباس الحراري الكوكبي. فقد أصبحت الهند من الدول المصدرة لكميات كبيرة من الانبعاثات في حين تشكِّل 24 دولة أخرى مصدرة لكميات كبيرة من الانبعاثات القدر الكافي من الأهمية لإحداث الفارق.

على الرغم من أنَّ اتفاقية نادي المناخ حتى بدون فرض عقوبات على الأطراف الخارجية من الممكن أن تستبعد العديد من البلدان دون إضعاف جهود تخفيف آثار تغير المناخ على مستوى العالم بشكل ملحوظ، فإنها يجب أن تتضمن عدداً من الأعضاء كبيراً بالقدر الكافي، وخاصة أنَّ ارتفاع أسعار الكربون بشكل صريح أو ضمني من المرجح أن يُـفضي إلى انتقال الكربون إلى مناطق أقل طموحاً. فضلاً عن ذلك، لا توجد طريقة جيدة لرسم خط فاصل وترك بعض مصدري الانبعاثات خارج مثل هذا النادي مع إجبار آخرين على الدخول. وعلى هذا، يبدو أنَّ هذه الاعتبارات توفر أساساً منطقياً قوياً للبحث عن اتفاق شامل واعتبار تعديلات الأسعار الحدية حافزاً قوياً لتقديم أداء قوي.

مع ذلك، من المرجح أن تتبنى قمة جلاسجو نهج باريس وتعتمد على إطار عمل طوعي. إن إبرام معاهدة مناخ عالمية تلزم البلدان بأسقف للانبعاثات أو حد أدنى لأسعار الكربون أمر بعيد المنال وغير عملي.

تتمثل قضية مهمة وشائكة هنا في الاختلافات في نصيب الفرد في الدخل من دولة إلى أخرى. تزعم البلدان النامية بحق أنها تستحق معاملة خاصة أثناء التحول إلى الطاقة النظيفة لأنها لم تسهم بقدر كبير في المخزون العالمي من الغازات المسببة للانحباس الحراري الكوكبي على مدار القرنين الأخيرين. وقد أقر اتفاق باريس هذه المطالبات من خلال التعهد بتعبئة 100 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2020 لمساعدة البلدان النامية على مكافحة تغير المناخ. ولكن اليوم، بسبب جائحة كوفيد-19، أصبح الحيز المالي المتاح لها أضيق.

الآن، يفصل بيننا ومؤتمر المناخ في جلاسجو أقل من عام، ويواصل بعض المراقبين الدعوة إلى تحديد أهداف مناخية وطنية ملزمة مع فرض عقوبات على الأداء الضعيف وضرائب التعديل الحدية على نطاق أعرض بهدف تحديد سعر عالمي موحد للكربون بحكم الأمر الواقع. ولكن كما يزعم الباحث أمار بهاتشاريا من مؤسسة بروكنجز، فإنَّ النهج المفضل يظل متمثلاً في استراتيجية تعمل على تشجيع المساهمات الطوعية المحددة على المستوى الوطني، وتسخير التكنولوجيا، وتوفير قدر كبير من المساعدات المالية للبلدان النامية. الواقع أنَّ تزايد جدوى التكنولوجيات الخضراء من حيث التكلفة يزيد من احتمال نجاح اتفاق مناخي عالمي جريء يستند إلى مساهمات طوعية، شريطة أن تلتزم الصين بمسار نحو حيادية الكربون بحلول عام 2060، كما تعهدت. كما أن الاستراتيجية الخضراء ستصبح على مدار السنوات المقبلة مجدية من حيث التكلفة على نحو متزايد، وخاصة إذا أضفنا فوائد جانبية كبيرة مثل تقليل تلوث الهواء إلى تحليل التكلفة والعائد.

على الرغم من ضرورة زيادة مستوى وسرعة التخفيف من آثار تغير المناخ، ومع أنَّ تسعير الكربون يلعب دور مهماً، فإنَّ أيَّ محاولة من الدول الغنية لإملاء الشروط قد تقودنا إلى طريق مسدود. ويظل النهج الطوعي، مصحوباً بتدفقات مالية ضخمة لمساعدة الاقتصادات النامية على التحول إلى استراتيجية النمو الأخضر، أفضل رهان للعالم للتوصل إلى اتفاق طموح وشامل في جلاسجو العام المقبل.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

كمال درويش وزير الشؤون الاقتصادية السابق في تركيا، ومدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) سابقاً، وهو كبير زملاء مؤسسة بروكنجز.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org