مستقبل أمريكا الديمقراطية
المصدر: ريتشارد ك. شيروين
في الكونغرس المنتخب نوفمبر الماضي بالولايات المتحدة الأمريكية، حَصَدَ الجمهوريون مكاسب كبيرة بتهديد محاولة كيفين مكارثي شغل منصب رئيس مجلس النواب الأمريكي. في مقابل أصواتهم، وافق أعضاء كتلة الحرية، وهي أقلية مؤيدة لدونالد ترامب بشدة، على تعيينات في أقوى لجان مجلس النواب، حيث سيتحكمون في الأجندة على مدار العامين المقبلين.
بوسع الأمريكيين أن يتوقعوا بالفعل ما سيحدث. يسيطر الديمقراطيون على مجلس الشيوخ والرئاسة، لكن الجمهوريين المفوضين حديثاً، لن يسعوا إلى التسوية. في غياب أي فرصة لتحول التشريع الذي يرعاه الجمهوريون إلى قانون، سيكون شغل مجلس النواب الراديكالي الشاغل، الانخراط في مشهد حزبي محض.
الواقع أن هؤلاء الجمهوريين الذين رفض أغلبهم إدانة تمرد السادس من يناير، في مبنى الكابيتول الأمريكي، وصوتوا ضد التصديق على انتخابات 2020 الرئاسية، وما زالوا يكررون كلمات ترامب الكبرى حول الانتخابات «المزورة» راجعوا أجندتهم. وسوف يجرون تحقيقات قائمة على نظرية المؤامرة في مزاعم حول فساد جو بايدن، وربما جرائم تستوجب العزل. سوف يستهدفون شخصيات عامة - مثل أنتوني فاوتشي رئيس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية سابقاً - والتي سيتهمونها بالتستر على تسرب فيروس «كورونا» المفترض. وسيذيعون رواية مروعة حول سياسات الهجرة الفيدرالية.
لن تصمد أي من هذه المزاعم المثيرة تحت أدنى قدر من التدقيق. لكن الحقيقة ليست هي المقصودة هنا. يتلخص الهدف في التلاعب بالرأي العام، وتشكيل هيئة الملعب السياسي لانتخابات 2024 الرئاسية. وسيكون القسم المخطئ منهم غير راضٍ بما يتناسب مع أهمية الحقائق التي يسيئون فهمها.
في ضوء هذه الخلفية، ينبغي لنا أن نتأمل في مزاعم الجمهوريين الراديكاليين اليوم: الانتخابات المزورة، والتستر الفيدرالي بشأن السبب وراء انتشار جائحة مرض فيروس «كورونا» 2019 (كوفيد 19)، والوفيات والأمراض الناجمة عن اللقاحات، و«الإحلال الأكبر» للمهاجرين والأقليات محل الأمريكيين من ذوي البشرة البيضاء. هذه الادعاءات ليست بسيطة على الإطلاق. فسوف يكون الاستياء المتناسب مع مثل هذه الاتهامات الخطيرة عميقاً للغاية في حقيقة الأمر. ونحن نعلم أن هذا الاستياء عميق بالقدر الكافي لإشعال شرارة تمرد، لذا، فإن السؤال هو: ماذا قد يحدث بعد ذلك؟ المزيد من عمليات إطلاق النار من قِبَل جمهوريين يمينيين تستهدف دوائر ديمقراطية متصورة وسياسيين في بيوتهم؟
في أمريكا اليوم، يكاد يكون العنف السياسي مؤكداً. إذا كان الحوار المدني، وجهود حل المشكلات تشريعياً، وبقية الأعمال العادية في السياسة مهجورة، فإن هذا لا يترك لنا سوى تصرفات غير عادية، مثل نشر أكاذيب قوية بالدرجة الكافية لاستفزاز أزمة أو حالة طوارئ سياسية كفيلة بتحفيز تصرفات مثل أخذ القانون باليد، وغير ذلك من الإجراءات خارج نطاق القضاء.
يثير هذا الاحتمال تساؤلات مهمة حول طبيعة وأهداف القوى اليمينية، التي تدير الآن فعلياً مجلس النواب في الولايات المتحدة. يتمثل التصور التقليدي، في أن الحزب الجمهوري واقع في قبضة انبعاث شعبوي. ويرى بعض المؤرخين تشابهاً وثيقاً مع القومية الشعبوية التي ناصرها الرئيس أندرو جاكسون، في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، عندما تسببت المخاوف من «الاستعاضة عن ذوي البشرة البيضاء» (بالمكسيكيين، والإسبان، والأمريكيين الأصليين، وذوي البشرة السمراء، ودُعاة إبطال القوانين)، في ظهور حركة «أمريكا الشابة». وقد حفزت مخاوف مماثلة حركة «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» بقيادة ترامب.