الاشتراكية الوبائية

ويليم هـيندريك بويتر

نيويورك- من سخرية القدر أن يأتي تعليق بيرني ساندرز "الاشتراكي الديمقراطي" لحملته الرئاسية في الولايات المتحدة، في وقت أصبحت فيه العديد من مقترحات سياسته ضرورية في جميع أنحاء العالم. لقد أدت إجراءات المباعدة الاجتماعية للتخفيف من جائحة كوفيد-19، إلى تعطيل الإنتاج، وتدفقات دخل الأسرة على حد سواء. ولكن يمكن أن يقوض العمال الذين يفتقرون إلى التأمين الصحي المناسب، والأجور المرضية الكافية، وتعويضات البطالة، أو إلى أشكال أخرى من دعم الدخل أو المدخرات، فعالية المباعدة الاجتماعية. إذ سيشعر هؤلاء الأفراد أنه ليس لديهم خيار سوى الاستمرار في العمل، على الرغم من المخاطر الصحية. ويبدو أن التأمين الصحي الشامل سيكون النتيجة الحتمية، حتى في الولايات المتحدة، حيث كان ساندرز الوحيد تقريبًا بين السياسيين الوطنيين، الذي كان يدافع عنها منذ عقود.

وفي الوقت نفسه، يعزِّز انهيار سلاسل التوريد العالمية، والوطنية، والإقليمية، والمحلية، صدمات العرض والطلب- فيما يتعلق بالعمل والاستهلاك الأسري، على التوالي– بسبب أزمة كوفيد-19. وكل هذه الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد الحقيقي، تسبب اضطرابات في النظام المالي أيضًا.

وفي ظل هذه الظروف، تضطلع البنوك المركزية بدور حاسم في منع الأسواق المالية غير المنظمة، من زيادة الضغط الذي تشعر به الشركات والأسر غير المالية. وعلى الأقل، يجب على البنوك المركزية أن تتدخل لضمان توافر سيولة كافية في الأسواق الرئيسية، بما فيها تلك الخاصة بالديون الحكومية، والأوراق التجارية، والأوراق المالية المدعومة بالأصول الرئيسة، مثل الرهون السكنية والتجارية.

ولكن من الأهمية بما كان أيضاً، ضرورة أن تضمن البنوك المركزية عدم جفاف السيولة بالنسبة للأسر والشركات، بسبب عمليات السحب المتوقعة والتي تسببها المخاوف. وحيثما كان ذلك مناسبًا، يمكنها توفير تمويل نقدي للتحفيز المالي (ما يسمى أموال الهليكوبتر)، بحيث لا تكون الحكومات التي قد تكون مقيدة بأي شكل من الأشكال من قبل أسواق السندات السيادية مكبلة الأيدي.

ومع ذلك، فإن البنوك المركزية ليست المؤسسات المناسبة لمعالجة أوجه القصور في الإيرادات التجارية، وخطر إعسار الشركات، أو اضطرابات في دخل الأسرة، والمشكلات المرتبطة بها في تقديم خدمات الرهن العقاري، والديون الاستهلاكية، وديون الطلاب. صحيح أن البنوك المركزية يمكنها تحمل بعض العبء مؤقتًا، عن طريق شراء ديون الشركات ذات العائد المرتفع، والأوراق التجارية المنخفضة الدرجة. لكن المهمة الكبرى المتمثلة في منع وقوع كارثة اقتصادية، تقع دائماً على عاتق السلطات المالية.

وفيما يتعلق بأزمة كوفيد-19، هناك حاجة إلى التمويل العام والتفويضات، لضمان إمكانية أن يخضع الجميع لاختبار الكشف عن فيروس كورونا على وجه السرعة. ويمكن أن يكون للتعاون العالمي دور مهم هنا، نظرًا للتزامن الناقص لحالات التفشي على المستوى الوطني. ولكن، في نهاية المطاف، ستضطر الدولة إلى تمويل جميع العلاجات المتعلقة بفيروس كورونا (بما في ذلك الاستشفاء)، وفقط الحكومات الوطنية يمكنها تنظيم التمويل على هذا النطاق.

وستحتاج الدولة أيضًا إلى تقديم تعويض كامل للعمال الذين فقدوا دخولهم بسبب الأزمة. ومن أجل الحفاظ على الطلب الكلي، يمكن للحكومات اقتراح دخل أساسي شامل مؤقت، حيث يتلقى كلُّ بالغ تحويلاً نقديًّا دوريًّا طوال مدة استمرار الأزمة. وحتى الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب قد أخطأت في تعاملها مع هذا الإجراء الذي يبدو واضحاً أنه تخفيفي، من خلال تضمينها صرف 1200 دولار لكل شخص يكسب أقل من 75000 دولار سنويًّا، في حزمة الإنقاذ التي قدمتها في الآونة الأخيرة، والتي بلغت قيمتها 2.1 تريليون دولار.

ولكن حتى فيما يتعلق بدعم الدخل الذي توفره الحكومة، لا يزال من المرجح أن تواجه الشركات نقصًا حادًّا في الإيرادات، بسبب الاضطرابات المرتبطة بالأزمة في القوى العاملة، والطلب المحلي والخارجي، وسلاسل التوريد على جميع المستويات. وهنا، يمكن للدولة أن تتدخل بصفتها مشترية يلجأ إليها في المطاف الأخير، أو يمكنها توفير الائتمان، أو ضمانات الائتمان للشركات المتعثرة ماليًّا. ويمكن تحويل هذا الائتمان إلى حقوق ملكية، إما فورًا أو بمجرد انتهاء الأزمة، في شكل أسهم تفضيلية لا يشترك حاملوها في التصويت، مما يحول دون الانزلاق إلى اقتصاد مخطط مركزيًّا.

ويجب ألا تكون هناك قيود على الأهلية لمختلف أشكال الدعم المالي الموضحة هنا. ومن المحتمل أن تتأثر الشركات الكبيرة شأنها في ذلك شأن الشركات الصغرى والمتوسطة، أو العاملين لحسابهم الخاص، أو العاملين في اقتصاد العربة المتأثرين بنقص الطلب، وتعطل سلاسل التوريد. وعلى الرغم من أنه يمكن مد يد المساعدة إليهم بصورة مؤقتة- بسبب فرص أكبر في الحصول على الإقراض المصرفي وأسواق الديون- إلا أنهم لا يستطيعون الصمود إلى الأبد. وبالنظر إلى تراكم ديون الشركات غير المالية قبل تفشي الوباء، يمكننا بسهولة رؤية موجة من حالات التخلف عن السداد، والإعسار المؤسسي في غياب تدخل الدولة.

ولم تبدأ البنوك، ومؤسسات الوساطة المالية غير المصرفية الأزمة هذه المرة، لكنها ستصبح حتمًا جزءًا منها، وستصبح أيضًا مرشحة لتستفيد من عمليات الإنقاذ الحكومية والإعانات نظراً لتدهور جانب الأصل في ميزانياتها العمومية. ويمكن لأساليب القيادة المألوفة التي اعتمدتها اقتصاديات السوق في زمن الحرب والاقتصاديات المخططة مركزيًّا– خذ على سبيل المثال، اعتماد ترامب لقانون الإنتاج الدفاعي لإجبارشركتي "جنرال موتورز" و"3M" على إنتاج الإمدادات الحيوية- أن تستمر بعد الأزمة.

وأخيراً، سيكون للاشتراكية الجديدة بعد دولي. إذ ستحتاج إيطاليا، على سبيل المثال، إلى دعم من البنك المركزي الأوروبي، أو آلية الاستقرار الأوروبية، أو عن طريق إصدار سندات فيروسات كورونا في منطقة اليورو. وفي الاقتصادات الناشئة والنامية، تقيد أسواق الديون الخارجية بالفعل قدرة الكثيرين على تقديم الدعم المالي. إن معالجة هذه القيود بمزيد من المساعدة الأجنبية من الاقتصادات المتقدمة- بما في ذلك الزيادة المستهدفة في حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي- سيكون الاستجابة الصحيحة أخلاقيًّا والسليمة اقتصاديًّا.

ويشير مسار أزمة كوفيد-19، إلى أنه سيتعين على اقتصادات السوق الرأسمالية أن تفسح المجال، مؤقتًا على الأقل، لشكل مرتجل من الاشتراكية يهدف إلى استعادة تدفقات الدخل للأسر، وتدفقات الإيرادات للشركات. حينئذ سنرى ما إذا كانت عواقب هذه التجربة الاشتراكية ستستمر إلى ما بعد نهاية الجائحة.

ترجمة:   نعيمة أبروش  Translated by Naaima Abarouch

يشغل ويليم بويتر، كبير الاقتصاديين سابقًا في Citigroup، (سيتي غروب)، منصب أستاذ زائر في جامعة كولومبيا.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org