محاكمة مخربي البيئة

كيت ماكنتوش، جوجو ميهتا، ريتشارد روجرز

لوس أنجليس ــ مع استحالة تجاهل أزمة المناخ والبيئة في ظل الفيضانات وحرائق الغابات ودرجات الحرارة المرتفعة غير المسبوقة والأمراض حيوانية المصدر، ربما يتجه العالم الآن للاقتراب أكثر من الاتفاق على أنَّ الإضرار الجسيم ببيئتنا الطبيعية أكثر من مجرد مسألة متروكة لاتفاقيات النوايا الحسنة. إذ قد يرقى مثل هذا الأمر إلى مستوى الجريمة الدولية.

كانت آخر مرة أُدخلت فيها جريمة جنائية دولية جديدة (إلى المواثيق الدولية) بعد الحرب العالمية الثانية، حينما أضاف ميثاقا نورمبرج وطوكيو الجرائم ضد الإنسانية إلى جانب جرائم الحرب والجرائم ضد السلام ("العدوان")، ترسيخًا لفكرة مفادها أنَّ أفعالًا معينة تتسم بالفظاعة الشديدة إلى الحد الذي يقلقنا جميعًا، بغض النظر عن هوية الضحية. بعدها مباشرة، وتحديدًا في عام 1948، أُدرجت جريمة خاصة ضد الإنسانية – وهي الإبادة الجماعية – في معاهدة جديدة.

ربما نكون بصدد شهادة لحظة مماثلة في علاقتنا بالبيئة. فقد أصدرت لجنة مستقلة متنوعة الأطياف من المحامين مشروع نص يُعرّف جريمة "الإبادة البيئية" بهدف اقتراح إدراجه في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. إنَّ أوجه المطابقة (بين الحالتين) واضحة وهي أن تبني الإبادة البيئية كجريمة دولية يعد إقرارا بأنَّ أيَّ إضرار شديد ببيئتنا يمثل جريمة ضدنا جميعًا، وأننا لم يعد بوسعنا تركها لقوانين ولوائح الدول فرادى.

اللجنة، التي اجتمعت في مؤسسة أوقفوا الإبادة البيئية (التي نخدم بها)، عرّفت الجريمة على النحو التالي: أفعال غير مشروعة أو غاشمة تُرتَكب مع العلم بوجود احتمالية قوية بوقوع ضرر شديد واسع الانتشار أو طويل الأمد على البيئة نتيجة لهذه الأفعال.

إذًا هناك مستويان أساسيان يجب أن تستوفيهما الأفعال حتى تشكل جريمة. الأول: يجب أن تكون هناك احتمالية قوية بأن تتسبب تلك الأفعال في ضرر شديد واسع الانتشار أو طويل الأمد على البيئة. وعليه، فإنَّ توافر وصف الشدة ضروري في كل الأحوال، لكن يجب أن يكون الضرر المحتمل إما واسع الانتشار (بأن يمتد إلى ما وراء منطقة محددة، أو يتجاوز حدود الدول، أو يؤثر في نظام بيئي بأكمله أو عدد كبير من الناس)، أو طويل الأجل (غير قابل للعودة إلى الحالة السابقة أو العلاج من خلال التعافي الطبيعي أثناء فترة معقولة من الوقت). ومن شأن هذا أن يشمل حالات كالتلويث السام لمنطقة تمركز سكاني-أي عدد كبير من الناس، لكن في منطقة جغرافية محدودة نسبيًّا – أو تدمير نظام بيئي بحري، وهو ما قد يكون محدود الحجم لكنه يُفقَد للأبد.

لاستيفاء المستوى الثاني، يجب أن يكون الضرر إما "غير مشروع أو غاشما". وفقًا للتصور المثالي، من شأن قوانين الدول أن تحمي البيئة بالقدر الكافي، وأن تُعدُّ الانتهاكات الصارخة جرائم دولية. هنا نجد أن وصف "غير مشروع" يتعامل مع تلك الحالات. غير أنَّ تشريعات الدول متباينة، بينما يقتصر القانون الدولي للبيئة على قليل من المحظورات الصريحة. بل إنَّ بعض الأفعال المسموح بها قانونًا التي تضرُّ البيئة مستحسنة اجتماعيًّا: انظر مثلًا إلى المشروعات التي تشتد الحاجة إليها كمشروعات الإسكان أو النقل أو البنية التحتية. في مثل تلك الحالات، يضع القانون الدولي للبيئة مبادئ - وعلى رأسها مبدأ التنمية المستدامة - ينبغي أن تتصرف الدول وفقها. لذا فإنَّ وصف "غاشم" في تعريف الإبادة البيئية يخدم غرضا مماثلًا، حيث يتناول الأفعال المسموح بها قانونًا التي تتسم بالتهور، نظرًا للمستوى المتفاوت للضرر المحتمل.

ولكيّ يتم الاعتراف بجريمة الإبادة البيئية كجريمة دولية بجانب الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والعدوان، يتطلب الأمر تأمين دعم ثلثي الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية على الأقل (يبلغ مجموع عددها 123 دولة حاليًّا). بعدها سيصبح هذا الاعتراف ساريًا على أي دولة تصدق على تلك الجريمة. وبالتالي سيكون الأفراد بمواقع المسؤولية ممن يرتكبون أفعالًا ينطبق عليها التعريف عرضة للملاحقة القضائية من قبل المحكمة الجنائية الدولية، أو أي محاكم قومية مختصة ذات ولاية قضائية، وسيُحكم عليهم بالسجن حال إدانتهم، مما يمثل تحولًا كبيرًا عن الوضع الراهن، الذي يفتقر إلى العقوبات الجنائية، على المستوى الدولي وغالبًا على المستوى القومي أيضًا، في مواجهة كثير من أسوأ حالات التدمير البيئي الواسع النطاق. ففي معظم الدوائر القضائية، لا يواجه الأفراد أو الشركات سوى عقوبات مالية فقط.

إنَّ تجريم الإبادة البيئية قد يكون أقوى أثرًا من ناحية الردع مقارنة باحتمالات الاتهام بالإبادة الجماعية أو جرائم الحرب، لأنَّ أكثر جرائم الإبادة البيئية ترتكبها الشركات. ونظرًا لاعتماد قيمة أي شركة بشكل كبير على سمعتها وثقة المستثمرين، فسوف يخسر المديرون الكثير بأنَّ يجدوا أنفسهم في قفص الاتهام المحتجز فيه مجرم حرب (تحاكم المحكمة الجنائية الدولية مرتكبي الجرائم من الأفراد لا الشركات). بل إنَّ مخاطرة الظهور بمظهر المرتكب لجريمة دولية قد توجّه صانعي القرارات في الشركات نحو اتباع طرق أكثر أمانًا واستدامة للتشغيل. ونأمل أن يسري مفعول عامل الردع قبل القانون بوقت طويل، مع ظهور الملامح المحتملة للتشريع الخاص بتلك الجريمة.

بالطبع هناك تحديات تعوق التحرك قدمًا نحو إدراك ذلك، فالمحكمة الجنائية الدولية تمرُّ بالفعل بأوقات صعبة، كما يتضح من التطورات في فرنسا أنَّ القوانين المحلية الخاصة بالإبادة البيئية قد تسبّب إشكالية (ينطوي قانون المناخ والتكيف لعام 2021 الذي سُنَّ أخيرًا على إضعاف لمفهوم القضية لاقى انتقادًا كبيرًا).

لكن من الممكن، بل من الواجب، حشد دعم دولي واسع لتجريم الإبادة البيئية. وقد عبرت بالفعل بعض الحكومات - ومنها حكومات فانواتو، والمالديف، وفرنسا، وبلجيكا، وفنلندا، وإسبانيا، وكندا، ولوكسمبورج – عن اهتمامها بالقضية. كما قُدمت بالفعل مقترحات برلمانية أو مشروعات قوانين في عدد من الدول، منها بلجيكا، والبرتغال، والبرازيل، وفرنسا، وبوليفيا، وبنجلاديش، والمملكة المتحدة، وشيلي. لا يجوز للدول أن تنتظر حدوث كارثة حتى تتحرك لمنع الجريمة الدولية الشائعة في عصرنا.

ترجمة: أيمن أحمد السملاوي    Translated by: Ayman A. Al-Semellawi

كيت ماكنتوش المديرة التنفيذية لمعهد بروميس لحقوق الإنسان بكلية حقوق لوس أنجليس، جامعة كاليفورنيا. جوجو ميهتا الشريكة المؤسسة والرئيسة التنفيذية لحملة "أوقفوا الإبادة البيئية" الدولية ورئيسة مؤسسة أوقفوا الإبادة البيئية. ريتشارد روجرز الشريك المؤسس لشركة Global Diligence التضامنية ذات المسؤولية المحدودة والمدير التنفيذي لمؤسسة Climate Counsel الاستشارية المعنية بالبيئة.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
www.project-syndicate.org