اجعلوا للكربون سِـعرا الآن

بيتر سنجر؛ كيان مينتز وو

ملبورن/برينستون ــ قبل ست سنوات، كان النفط يُـباع بأكثر من 100 دولار للبرميل. واليوم، بفضل الصدمة المزدوجة الناجمة عن حرب الأسعار بين المملكة العربية السعودية وروسيا، وتراجع الطلب بسبب أزمة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19)، أصبح السعر أقرب إلى 20 دولاراً للبرميل. وهذا يجعل اللحظة الراهنة مثالية لأن تسارع الدول الصناعية في مختلف أنحاء العالم التي لم تحدد بعد سعراً للكربون إلى الاقتداء بتلك التي فعلت.

يتفق قادة الأعمال، ووسائل الإعلام، وخبراء الاقتصاد على أن تسعير الكربون مطلوب حتى يتسنى للشركات والحكومات تقدير التكاليف الكاملة المترتبة على الأضرار التي تحدثها انبعاثاتها الغازية الضارة بالمناخ. يستند التبرير الكلاسيكي للسوق الحرة على ما يسمّى المعاملات الطوعية، حيث يختار المشترون دفع أسعار تغطي تكاليف الإنتاج. وإذا فُـرِضَـت بعض هذه التكاليف على أطراف ثالثة لا يمكنها أن تختار تجنبها، ولا يمكن تعويضها عنها، فإنَّ هذا يعني أنَّ السوق فشلت وأنَّ المعاملة غير مشروعة.

بعبارة أخرى، إذا كانت الشركات والحكومات قادرة على إطلاق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون دون أن تتكبد ثمن الأضرار الناجمة عن ذلك، فسوف تتجاوز الكمية التي من شأنها زيادة المنفعة المتحصلة لجميع المتضررين بسبب قراراتها. وفي مكان ما، سوف يدفع الناس ثمن الكمية الإضافية من الانبعاثات، سواء كان الثمن متمثلاً في تلف الممتلكات، أو خسارة الأرواح، أو الحاجة إلى التكيف مع ظروف مناخية مختلفة.

تتمثل أكثر أشكال تسعير الكربون إخضاعاً للمناقشة في ضريبة الكربون التي تفرض تكلفة محددة لكل وحدة من الانبعاثات، ونظام مقايضة الانبعاثات الذي يقسم كمية مستهدفة من إجمالي الانبعاثات إلى "علاوات" انبعاثات والتي يمكن تداولها بين مطلقي الانبعاثات. في كلتا الحالتين، تخلق أسعار الكربون الحافز للتحول بعيداً عن الأنشطة الكثيفة الكربون. ومن الممكن أن يرتفع سعر الكربون تدريجياً حتى يصبح هناك وقت لتبني طرق أقل استهلاكاً للكربون في القيام بالأعمال. وإذا أدير على نحو جيد فإنَّ تسعير الكربون كفيل بالحد من الانبعاثات دون إعاقة الاقتصاد المحلي.

يخشى بعض الخبراء أن يكون تسعير الكربون سلوكاً رجعياً من الناحية الاقتصادية، لأنَّ الأسر الأكثر فقراً تنفق نسبة أكبر من ميزانياتها الشهرية على مواد كثيفة الكربون، مثل التدفئة والوقود للسيارات. لكن تسعير الكربون من الممكن أن يتبع النموذج الكندي، الذي يضم حسومات تعوض عن التكاليف، مما يجعل السياسة مكسباً صافياً لأغلب السكان.

لماذا إذاً ينبغي لنا تقديم تسعير الكربون الآن؟ يتمثل أحد الأسباب في أن المستهلكين لا ينتبهون كثيراً إلى أسعار الطاقة عندما تكون منخفضة بالفعل. في الظروف العادية، يؤدي رفع تكلفة الطاقة إلى نتائج سيئة لرفاهيتنا، لأنها تجعل السفر، سواء بالسيارة أو الطائرة، أكثر تكلفة. لكن أثناء الجائحة، تريد الحكومات أن يُـقِـل الناس من سفرياتهم لمنع انتشار الفيروس.

وحتى عندما لا تتسبب عمليات الإغلاق في منع السفر، يختار الأفراد الإقلال من سفرياتهم لأنهم يحاولون الحد من مخاطر الإصابة بالعدوى أو إصابة آخرين بها.

غير أنَّ الحجة الأقوى لصالح تسعير الكربون لا تتعلق بما يحدث اليوم، بل تدور حول ما قد يحدث إذا لم نتحرك الآن، ثم أدركنا في غضون بضع سنوات أن سعر الكربون يشكل ضرورة أساسية للإبقاء على الكوكب صالحاً للعيش. الواقع أنَّ إدخال سعر للكربون الآن من شأنه أن يجعل تعديل سلوكنا في استهلاك الكربون أكثر سهولة مما كان عليه في السابق، عندما كانت أسعار النفط أعلى وكان الناس يسافرون بكثافة أكبر وسهولة أكثر مما قد يكون الأمر عليه في المستقبل، عندما تُـرفَـع عمليات الإغلاق وتنتعش الأعمال والسفريات. وبالنظر إلى أحوالنا اليوم، ستكون الصدمة أقل إذا عدنا إلى "وضع معتاد جديد" حيث يتراجع استخدام الكربون بفِـعل سعر الكربون، مقارنة بما لو قدمنا سعرا للكربون بمجرد انتعاش الاستهلاك بشكل كامل بالفعل.

صحيح أن تقديم تسعير الكربون الآن من شأنه أن يضيف إلى الآلام التي يتحملها منتجو النفط حالياً. وفي حين أن نسبة كبيرة من إنتاج الوقود الأحفوري تأتي من قِلة قليلة من البلدان الفاحشة الثراء في الشرق الأوسط، فإنَّ المنتجين الأكثر فقراً مثل نيجيريا، وغانا، والأرجنتين، وفنزويلا، يعانون أيضاً من انهيار الأسعار وربما تزداد معاناتهم إذا فُـرِضَـت ضرائب على الكربون.

على الرغم من أنَّ هذه الأضرار التي ستلحق بالدول الفقيرة تشكل أهمية أخلاقية عميقة، فإنَّ العواقب الكارثية التي سيخلفها تغير المناخ على أفقر سكان العالَم تفوقها أهمية. إنَّ العديد من أولئك الأكثر ضعفاً الذين يمارسون زراعة الكفاف، يعتمدون على أنماط هطول الأمطار التي من المحتمل أن تتعطَّل بسبب التغيرات التي تحدثها انبعاثاتنا المتواصلة. ويزرع آخرون مناطق خصبة في دلتا الأنهار لكنها منخفضة عن سطح البحر، والتي ستضربها أعاصير أكثر شدة ومناسيب متزايدة الارتفاع من سطح البحر، وكل من الأمرين تنبأت به نماذج تغير المناخ. ولا يستطيع المنتمون إلى أي من الفئتين أن يعتمدوا على احتياطيات الضمان الاجتماعي التي تقدمها معظم الدول الثرية.

قبل اندلاع جائحة كوفيد-19 وما صاحبها من انخفاض في أسعار النفط، كان تسعير الكربون سيصبح مؤلماً على الفور للبلدان التي فرضته، لكنه أفضل كثيراً للجميع في الأمد الأبعد. في هذه اللحظة غير المسبوقة، سيكون فرض سِعر للكربون مفيداً للوقت الحاضر والمستقبل.

ترجمة: مايسة كامل          Translated by: Maysa Kamel

بيتر سِنجر أستاذ أخلاقيات الطب الحيوي في جامعة برينستون. ومن بين مؤلفاته كتاب "تحرير الحيوان"، وكتاب "أخلاق عملية"، وكتاب "عالَم واحد الآن"، وكتاب "الحياة التي يمكنك إنقاذها". كيان مينتز وو مُـحاضِر وباحث مشارك في جامعة برينستون، وسوف ينضم إلى University College Cork في العام الأكاديمي القادم.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2020.
www.project-syndicate.org